طبول الحرب الإجرامية الأمريكية التي تقرع على سورية قد تؤذن لحرب وشيكة لن تتوقف عند حدود سورية فتشعل الشرق الأوسط بكامله أو هي مجرد تهويل يريد أن ينتزع من السوريين وحلفائهم بالتهديد والوعيد ما فشلت حربهم القذرة في تحقيقه عبر المجاميع الإرهابية طوال سنتين. يفترض أن يكون اليوم الخميس يوم الحسم في القرار الأمريكي الغربي، بالشروع في عدوان إجرامي سوف ينفذ خارج الشرعية الدولية ضد الشقيقة سورية. فقد دعا رئيس الحكومة البريطانية مجلس العموم البريطاني للاجتماع من أجل انتزاع التفويض لضرب سورية، ومثله فعل التركي أردوغان، فيما لم يتحدد بعد موعد انعقاد الكونغريس الأمريكي لمنح أوباما الترخيص بشن حرب خارج التفويض الأممي. في أثناء ذلك تحركت الآلة الإعلامية الغربية، ومن والاها من الإعلام العربي، لتسخين الأجواء ورفع مستوى التهويل حتى أن قناة آن بي سي الأمريكية جازفت بتوقع بداية الضربة اليوم الخميس، ومثلها قال زعماء معارضة اسطنبول، الذين ادعوا أن الأمريكان أبلغوهم باٍلأماكن التي سوف تتعرض للضربة، وبدأ سلاطين ا لخليج يفركون أيديهم، وكأن الضربة قد نفذت، وأزاحت عنهم كابوس انتصار الأسد على مجاميعهم المسلحة، ومليارات الدولارات التي أنفقوها في هذه الحرب الحمقاء على الشقيقة سورية. على الطرف الآخر، لا يبدوا أن السلطات السورية منزعجة كثيرا من التهديدات الأمريكية والغربية، فقد أطل وزير الخارجية السوري في ندوة صحفية ليؤكد عزيمة السوريين على الدفاع عن بلدهم بما حضر لديهم من وسائل الدفاع، بل توعد التحالف العدواني بمفاجآت، ومثله فعل الطرف الروسي، الذي وإن كان قد سارع إلى القول بأن روسيا لن تحارب في سوريا، إلا أنه ألمح إلى قدرة السوريين على التصدي بكفاءة للعدوان، وخرج خبراء روس يذكرون الطرف الآخر بما عند السوريين من أنظمة دفاعية متطورة، قادرة على اعتراض صواريخ كروز الأمريكية، فضلا عن الطائرات المقاتلة، ومنها نظام بوك أم 2 المتطور، فيما كانت تقارير استخباراتية سابقة قد تحدثت عن امتلاك السوريين لأنظمة صواريخ مضادة للقطع البحرية وللغواصات، سبق لها أن منعت سفنا اسرائلية من الاقتراب من السواحل السورية. وعلى مستوى آخر يبدوا أن الأطراف التي تهلل الآن للعدوان القادم، تفكر وكأن سورية سوف تقف موقف المتفرج، هي وحلفاؤها الأقربون: حزب الله وإيران، أو أنها سوف لا تفكر في استعمال ترسانتها الضخمة من الصواريخ أرض - أرض لتوسيع رقعة المواجهة، حالما تظهر الحاجة للتوسيع، خاصة وأن الطرف الآخر أعلن عن العدوان وهو في حالة ارتباك شديد، لا يعلم مسبقا الهدف منه، ولا بمقدار استعداد الدولة السورية للدفاع بكل ما أوتيت من قوة، خاصة ضد عدوان لم ينجح أصحابه في تغليفه بما يسمى بالشرعية الدولية. بعض التحاليل المحايدة ذهبت ابعد من هذا، وقرأت في الموقف السوري والروسي حالة أشبه ما تكون باستدراج الأمريكيين للدخول في هذه المغامرة. فقد أثيرت جملة من الاستفسارات حول الموقف الروسي، الذي أعلن أن روسيا لن تحارب، لكنه لم يتخذ حتى الآن أي قرار بإجلاء الرعايا الروس والعسكريين منهم وعددهم بالآلاف، وأن الأجراء الوحيد الذي اتخذ هو إخراج قطعتين بحريتين من ميناء طرطوس لتنظم إلى باقي قطع الأسطول الروسي المتحرك في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ويرى كثير من الملاحظين أنه كان بوسع الروس والصينيين أن يعطلوا مسار العدوان بحراك دبلوماسي على مستوى مجلس الأمن، ولو من باب إحراج الأمريكيين، وحيث لم يفعلوا كما لم يشجعوا سورية على التقدم بشكوى لمجلس الأمن، فإنهم لا يمانعون في أن تتوحل الولاياتالمتحدة في حرب أقصى ما يمكن أن يتحقق فيها تدمير بعض المواقع السورية، دون أن يكون لهذه العمليات تداعيات على ميزان القوة على الأرض، والذي لن يتغير إلا بدخول وحدات قتالية غربية هي الآن مستبعدة. ومع تغييب الموقف النقدي في الإعلام الغربي والعربي التابع، إلا أن ملاحظين محايدين لا يخفون حيرتهم تجاه هذا الانقلاب في الموقف الأمريكي الذي دفع بوزير الخارجية جون كيري إلى تغيير خطابه من النقيض إلى النقيض في بحر عشرة أيام، وينتقل من الحديث المتفائل عن إمكانية بدأ مباحثات جينيف 2 نهاية العام، إلى التصريح بكلام يذكرنا بخطاب كولين باول وهو يبرر للعدوان على العراق, وهو يدعي أن لجنة تقصي الحقائق الأممية حول الكيميائي لن تنجح، لأن السورين قد عطلوا عملها، وأتلفوا القرائن على الأرض، وتجاهل القرائن المضادة التي قدمها الروس لأعضاء مجلس الأمن منذ أيام حول مصدر الصواريخ التي ضربت بالكيميائي منطقة الغوطة الشرقية، كما تجاهل تصريحات سابقة لمسئولة أممية اتهمت صراحة المعارضة باستعمال الكيميائي في خان العسل. لأجل ذلك بدأت بعض الدوائر المتابعة للشأن الأمريكي تبحث في دوافع أخرى غير الأسلحة الكيميائية، لها صلة بحاجة البيت الأبيض إلى التخفيف من حدة الحملة التي حاصرته داخل الكونغرس بشأن إخفاقه في الملف المصري وبرنامج الربيع العربي المرتد، وأنه يأمل أن ينصرف الانشغال مجددا بالملف السوري مع إرضاء بعض الأصوات الصهيونية داخل الكونغرس، والتي لم تتوقف عن التحريض في اتجاه ضرب سورية وإيران، كما أن الرئيس أوباما يواجه منذ حين معارضة شديدة من الجمهوريين لقرار رفع سقف المديونية من 16 ألف مليار إلى 17 ألف مليار لمواجهة العجز المتنامي في الميزانية الأمريكية. معطيات كثيرة تشير إلى أن الكيميائي ليس سوى ذريعة للتغطية على عدوان أمريكي غربي قد ينقلب على أصحابه، بتفجير حرب إقليمية لن تسلم منها، لا إسرائيل ولا تركية ولا دول الخليج، وقد بدأت تداعياتها على الأرض حتى قبل أن اندلاع العدوان، فقد تهاوت الليرة التركية، وارتفعت أسعار النفط، وسارع الخوف إلى مدن الكيان الصهيوني، لأن الجميع يعلم أن السوريين لم يقفوا يتفرجون على بلدهم وهي تضرب وتهدم، وأن الصاروخ سوف يقابل بصاروخ مضاد، مع توفر بنك أهداف غير محدود للسوريين في دول الجوار التي استدرجت للدخول في هذا العدوان الجديد، وأن سورية التي تعيش حالة حرب منذ أكثر من سنتين لم يعد بها كثير من الأهداف مع ما لحق بمنشآتها القاعدية من تخريب,
معطيات كثيرة تدفع الآن بملاحظين وخبراء إلى التشكيك في إمكانية انتقال الأمريكي من التهديد إلى التنفيذ، إلا إذا كان قد رغب في حرب إقليمية مفتوحة، وهو متأكد من الفوز فيها، بكلف لا تنعكس سلبا على اقتصاده المتهالك، كما لا تؤثر على مسار تأمين انسحابه المبرمج من أفغانستان العام المقبل، والذي يحتاج فيه إلى تعاون روسي إيراني، كما أن الأطراف التي سارعت إلى التشكيك في الموقف الروسي لم تلتفت إلى تداعيات خسارة الروس والصينيين لسورية دون قتال، وفي مقدمتها تأجيل ميلاد العالم المتعدد الأقطاب، وفتح الطريق أمام الولاياتالمتحدة للعبث بالأمن الروسي والصيني في آسيا الوسطى، وهو ما لا تقبل به لا الصين ولا روسيا بوتين التي سوف تفقد مصداقيتها لخمسين سنة قادمة.