الأستاذ بلقاسم باباسي الموسوعة التاريخية التي استطاعت أن تحمل و تحافظ على الكثير من الحقائق و الوقائع التي تؤرخ لعدة حقبات مرت على الجزائر بما فيها ثورة التحرير ، هو من القلائل الذين يسردون التاريخ في قالب حكواتي فيه من الصراحة و التوثيق بقدر ما فيه من الشوق و الحنين لإلى زمن الماضي ، في هذا الحوار سنكشف جانبا من صفحات هذه الموسوعة و سنبدأ من حيث يجب لنصل إلى ما يجب أن نصل إليه . لمن لا يعرفه ، ولد الأستاذ باباسي في " صباط الحوت" بما يسمى بقصر رياس البحر منذ 65 سنة ترعرع في القصبة ودرس بمدارسها التي احتضنت أبطال استشهدوا في معركة الجزائر . التحق بعدها بالكشافة الإسلامية و عمره 11 سنة .حيث تفتحت مفاهيمه حول الوطنية و الواقع المعاش آنذاك وماذا تعني الجزائر و العلم . لان تكوينه الكشفي كان سياسيا . وكان وقتها مهتم بجانب الحكايات خاصة تاريخ المقاومة و البطولات العسكرية الجزائرية . مر عمي بلقاسم بمراحل صعبة جدا القي علي القبض لأنه رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي . وبعدها مر بعدة فترات إلى إن أصبح أمين عام الولاية الرابعة في جيش التحرير ولما أنهى مهامه بقي لفترة دون عمل لكن بعدها و في 01 نوفمبر 1963 عين كملازم و كانت بدايته مع الجيش و الكتابة معا حتى إن البعض لاحظ تلك الإمكانيات الهائلة في الكتابة فكلف بمهام على أعلى مستوى. المسار العربي : عمي بلقاسم سأكون ربما آنيا في سؤالي الأول بمناسبة الصالون الدولي للكتاب ،هل تتذكر أول كتاب قرأته ؟ كنت أقرا كثيرا للكاتب "ليلياد" مثل كتاب "أليس" حيث كانوا أبطال القصة بالنسبة لي أبطال حربيين .بعدها قرأت للأمير عبد القادر لكن وجدت إن هناك أبطال آخرون لم يعطى لهم نصيب من الاهتمام و بدأت في قراءة أول كتاب عن سيدي عبد الرحمان الثعالبي مثل كتاب جواهر الحسان و غيرها . وقرأت لعبد الرحمان الجيلاني و من ثم بدا فيروس الكتابة . المسار العربي : فيروس الكتابة ، جميل هذا المصطلح يذكرني في مصطلحك الذي هو على لسانك دائما أقصذ " يا من عاش " ، ماذا تقول عنه ؟ هذه الكلمة أخذتها من جدي أب والدي المعروف باسم " بابا عمر " وكان بحري . في تلك الحقبة كان عمري 08 سنوات و كنا نسكن قصر الرياس " باستيون 23 " وكنت استمع إليه منذ قديم الزمان عندما كان يحدثني عن " الرايس حميدو" و" ابن علي " في وقت الدولة العثمانية وكان جدي أمير البحر آنذاك عندما يتكلم عن أي شيء يقول في ختام حديثه " يامن عاش" من هذا المنطلق اتخذت من هذه الجملة التي رسخت في ذهني نهاية كلامي . المسار العربي : الحصص التي تقدمها أستاذ و رغم ما تحمله من معاني و أحداث تاريخية مهمة و رغم الرسالة العظيمة التي توجهها لأبنائنا إلا إن وقتها قصير جدا . لماذا هل هو التقيد بوقت حددته الإذاعة أم إن وقت الأستاذ باباسي لايسمح بأكثر من 03 دقائق ؟ منذ 08 سنوات و أنا أقدم الحصة في إذاعة البهجة و كانت تحمل عنوان " مزغنة " ثم بعدها أطلقت عليها اسم " جولة في التاريخ " و وقتها خصصت الإذاعة وقت 06 دقائق . وفي هذه المدة كنت مع المخرج عرفات ندخل عليها من الموسيقى التاريخية وموسيقى الأفلام التاريخية وأصوات الخيل و السيوف و المدافع ما يجعلها ترقى بمضمون ما يقدم من أحداث تاريخية وتجعلنا نتجول بالفعل في التاريخ لكن هذا العام مدير إذاعة البهجة قرر تقليص وقت الحصة إلى ثلاث دقائق . قانون البث يحدد وقت أي حصة ب 07 دقائق أو 12 دقيقة و 03 دقائق بالنسبة للحصص الغير دائمة . وأنا بهذا الوقت الضيق أحاول بصعوبة جمع كل المعلومات وتقديمها . وعندما يتعذر علي تقديم معلومات مهمة أخرى اتركها للحصة القادمة . الحصة تبث على الساعة السابعة و35 دقيقة و هذا التوقيت يناسب الآباء و الأولاد معا عندما يكونون متوجهون إلى المدارس و إعادة بثها على الساعة الثامنة و نصف وهذا الوقت يناسب الإطارات و النساء الماكثات في البيت وبهذا التوقيت كان للحصة صدى كبير لكنها ألغيت لست ادري لماذا . اما بالنسبة للسلسلة الخاصة بالأطفال الذين استشهدوا مثل طفل 10 سنوات يجب إن تأخذ وقت أطفال فلا يجب تهميش مثل هذا الأمر المهم جدا. المسار العربي : حصصك أثرت كثيرا في الاطفال و ساهمت في تربيتهه التاريخية و هذا أمر حساس جدا ،لما لا إذا حصة تلفزيونية بمت أن التلفزيون هو أكثر تأثيرا مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى ؟ هناك اقتراحات ، لكن قبل هذا أريد إن أحيطكم علما إن أي عمل أقدمه سواء إلى التلفزيون أو غيره مجاني ما عادا إذاعة البهجة التي تعطيني تعويض بسيط جدا . أنا قلت من البداية أنني لا ابحث عن المال خاصة بعدما شاهت رواج الحصة و إقبال الجمهور عليها خاصة و جمهوري الأطفال و النساء الماكثات في البيت . تصوروا إن هناك عجوز بعثت لي برسالة تشكرني فيها و تقول أنها تتبع الحصة و تستفيد منها .بالإضافة إلى العديد من الرسائل و البرقيات التي تصلني يوميا وما هذا إلا دليل على الاهتمام و هذا يجعلني امضي عقد مع جمهوري لا استطيع التخلي عنه . ببساطة لان الناس متعطشة لمعرفة التاريخ و لأني لم أتلقى أي نقد من المؤرخين فقط من سيدة و كان الأمر يتعلق بالمسيحية وكان رد المرأة ب " اتركوا القبائل يختارون ديانتهم ".عائلات عريقة اتصلت بي مثل عائلة بومزراق و عائلة زعموم وأبو مزاب الذين هم سكان الشرف . فانا أول من ذكر مشاركتهم في المقاومة و انهزام " شارلوكان" أحسست بأنني اجمع بين الأطفال و أناس كبار بهذه السلسلة التي جاءت نتيجة بحث عميق دام 25 سنة فانا ابحث وأسال واربط كل أمر بالحقيقة. تطرقت إلى الفترة العثمانية التي كان بتا نقص كبير أردت إحياء هذه الفترة و عندما تحدثت عن الرايس حميدو الكثير تساءل عن هذا الرجل العظيم الذي انتصر في ملاحم عسكرية لم يستطع القيام بتا احد مثل إلقاء القبض على باخرة حربية.أنا اتفاجا عندما يبكي الناس لما أحدثهم عنه فعندما تكلمت عن مدفع بابا مرزوق و قلت أنني أناضل لإحضاره إلى الجزائر و أنني بكيت عندما وقفت أمامه لأنني سمعته يترجانا لنعيده إلى الجزائر الجميع بكى . المسار العربي : أستاذ هل تعلم بأن بعهض الأساتذة أصبحوا يعتمدون عليك كمرجع تاريخي ؟ نعم وصلني هذا ، كل التواريخ التي كتبتها ناتجة عن بحث عميق و دقيق و مؤكد فانا اخذ الحذر الشديد لكي لا يقال لي أنني أخطئت أكيد الكمال لله رب العالمين لكنني ارفض إن تعطى لي ملاحظة عن أمر من نسج الخيال . في احد الأيام قدم إلى الإذاعة طفل رفقة أمه للبحث عني .قالت السيدة عند مقابلتي لهما " ابني عندما كان ذاهبا إلى المدرسة استمع إليك في الإذاعة تتحدث عن معركة نفارين و عندما وصل إلى القسم كان ذاك موضوع الفرض فتحصل على العلامة الكاملة نحن اليوم قدمنا لشكرك و إعطائك هذه الهدية " التي كانت عبارة عن كتاب " وابني تواصل السيدة يريد إن يصبح في المستقبل مثلك فماذا يفعل ؟ " و من جهة أخرى الأستاذ كان كذلك يستمع إلى الحصة وكان يخمن في موضوع ذاك اليوم فكان الدرس حول معركة نفارين . قلت للتلميذ تريد إن تصبح مثلي ؟ شيء سهل . أين تسكن ؟ قال " شارع قاو " قلت وهل تعرف من يكون هذا قاو ؟ قال . لا . قلت له ابحث عن هذا الشخص من هو ؟ مسكنه . عائلته . أين درس . كيف استشهد . عليك بالبحث عن كل صغيرة و كبيرة عن . شهرين بعد هذا اللقاء يعود الطالب و بحوزته بحث كامل عن هذا الشهيد قدمته بدوري إلى منظمة المجاهدين و التي انبهرت بهذا البحث الهائل فما كان منها إلا إن كرمت هذا الطالب على المجهودات الكبيرة التي قام بها . قصة هذا الطالب تكفيني كمكافأة ربانية على ما أقدمه . وفخر لي إن التقي بآباء يقولون إنهم كانوا يجدون صعوبة في اخذ أبنائهم إلى المدرسة لكن حاليا الأمر تغير فهم يسبقوننا إلى السيارة ليستمعون إلى حصتي " تحويسة في التاريخ " . هذا هو فوزي وما يوجد من نقص في الكتب المدرسية أنا متأسف له . لقد اطلعت على بعض الكتب المدرسية ووجدت فيها الكثير من الأخطاء و نقص في الأحداث . قد نتكلم على الأمير عبد القادر لكن بالمقابل لا يجب إهمال الشخصيات الأخرى التي لها نفس الوزن أو أكثر و الطفل يبقى مرهون بشخصية الأمير و غير مدرك للشخصيات العظمى الأخرى مثل " بن شهير " الذي قاوم الاستعمار مدة 22 سنة حتى القي عليه القبض و نفي إلى سوريا . أنا ذهبت إلى سوريا و بحثت عن قبره فوجدته في مقبرة صغيرة بعيدة عن دمشق بحوالي 100 كلم و كتب على قبره في لوح بسيط " ناصر بن شهرة " مقاوم جزائري . هذا الأمر اثر في كثيرا بالإضافة إلى معركة الاغواط و المجزرة التي حدثت فيها لقد تكلمت و نددت حتى إن سكان الاغواط تحركوا و طلبوا مني إن اخبرهم بمكان بطلهم و أظن إن الرئيس خصص مبلغا معتبرا لاسترجاع رفاة القائد . ولا يجب كذلك إن ننسى بو زيان وبو بغلة وابنه الذين تحتفظ فرنسا برأسهم في متحف من متاحفها . أخذت هذا من نسخة لبرقية الطبيب الذي اخذ الرؤوس فذهبت و بحثت وان دل هذا فإنما يدل على وحشيتهم و أنهم هم كانوا يقطعون الرؤوس ، تحدثت عن تاريخ الرايس حميدو وقمت بعدة محاضرات في المدارس للتعريف بهذا البطل لكن رغم كل هذا لم تتصل بي للأخذ بمعلوماتي و الاستفادة منها في مجال التربية. المسار العربي : نعود إلى الكتاب و الكتابة ، هل من إصدارات في الأفق بعد كتابك " مدفع بابا مرزوق" ؟ سأصدر كتابا بنفس الطريقة التي استعملتها فرنسا في كتابها عن الجزائر و أبطالها هذا مشروعي الحالي وسأعرضه على وزارة التربية بعد الانتهاء منه مباشرة . أما بالنسبة لكتاب مدفع بابا مرزوق فهذا الأخير تحفة فريدة من نوعها في القرن السادس عشر يبلغ طوله 07 أمتار ولم تستطع أي دولة صنع مدفع مثله إلا ألمانيا التي صنعت مدفع يبلغ طوله 05 أمتار و هذا دليل على القوة التي كانت تتمتع بها الجزائر في ذلك الوقت . وهذا المدفع موجود حاليا في ميناء براست بفرنسا التي تعتبره رمز للافتخار . أنا انشات لجنة و سنطالب بإعادته . ومن جهة أخرى أنا احضر لكتاب يتحدث عن الاحتلال بمعنى الكلمة الأبعاد من أين أتى الوقائع ببساطة سأمسك المستمع من يده و آخذه معي في رحلة حقيقية يعيشها في التاريخ . المسار العربي : و هل سيتكلم الأستاذ بابسي عن العاصمة فقط كما عوّدنا ؟ أحببنا أم كرهنا الأتراك كانوا في العاصمة ولم يسيطروا على كل الجزائر ماعدا باي التيطري ووهران و قسنطينة و الباقي من المدن لم يركعوا . المسار العربي : قلت في حديثك أن هنالك مشاريع في الأفق ، هل يمكننا الاطلاع عليها ؟ نعم لقد قدمت اقتراحا على للقيام بحصة للأطفال مثل التي تقدم في قناة ارتي " قواعد اللعبة" . كما أنني قدمت " ركن التاريخ " في صباحيات لكن للأسف توقفت مباشرة بعد إن تنحى بخليلي عن الإنتاج . وبعدها تلقيت الكثير من الرسائل يتساءل أصحابها عن سبب توقيف الحصة. المسار العربي : أستاذي ، هل تشعر أنك حققت ما كنت تصبو إليه من خلال برامجك و أبحاثك ، و هل فكرت في الخلق الذي سيحمل الشعلة التي أوقدتها ؟ المشوار لازال طويلا لكنني ربما استطيع القول أنني أظهرت القليل من الكثير فيما يخص فترات من تاريخ الجزائر ، هناك من قاموا بعدة محاولات لكنهم لم ينجحوا لان القضية قضية منهجية . لكن لن افقد الأمل و الدليل الطالب الذي اتى عندي مع امه ويريد إن يصبح مثلي ونجح في تقديم بحث قيم ومهم جدا عن الشهيد " قاو" .