4 أعوام مرت على اندلاع الأزمة السورية، 4 أعوام عرفت مقتل الآلاف من السوريين ونزوح الملايين، فيما شهدت البنية التحتية والاقتصادية للبلد انهيارا تاما في ظل وضع لا ينذر بالتحسن. الأحداث التي طبعت المشهد السوري خلال الأربع سنوات الماضية كانت مليئة بالمآسي والمد والجزر على مختلف أصعدتها.. بدأت من مظاهرات خرجت في درعا في أول أيامها، حتى وصلت إلى ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" وجماعات متطرفة أخرى غيرت وجه الأرض السورية.
2011
مظاهرات درعا وبداية الأزمة السورية
لم يكن أسوأ المتشائمين يظن أن المظاهرات التي شهدتها مدينة درعا ستتحول بعد أشهر إلى حرب طاحنة دارت رحاها بين قوات الجيش السوري وفصائل المعارضة، في معظم المحافظات السورية.
تطورت احتجاجات درعا التي جاءت متناغمة مع الثورات التي شهدها عدد من الدول العربية إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة وعنف واعتقالات واسعة النطاق، ما أدى إلى وقوع مئات الضحايا وآلاف المصابين. ألقى الرئيس السوري بشار الأسد خطابه الأول مباشرة بعد الاحتجاجات في 31 مارس، وتحدث فيه عن إصلاحات يعتزم القيام بها، إلى جانب تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة محمد ناجي عطري، وقامت الحكومة السورية بتجنيس آلاف الأكراد الذين حرموا من الجنسية في محافظة الحسكة، ورفعت حالة الطوارئ المعمول بها منذ عام 1963، وأطلقت سراح عدد من المعتقلين السياسيين. غير أن هذ الإجراءات لم تستطع احتواء الأزمة التي سرعان ما انتقلت إلى المدن السورية الأخرى، حيث شهدت مدينة حمص وريف دمشق مظاهرات ضخمة تم تفريقها من طرف قوى الأمن، وشهدت سقوط عدد من الضحايا.
وبحلول شهر ماي كانت الأزمة السورية قد دخلت مرحلة دموية تمثلت في دخول الجيش السوري لمدينة حمص، كما شهدت البلاد سقوط المزيد من الضحايا في إدلب والرستن وتلبيسة. وعرفت الأزمة السورية منعرجا آخر تمثل في انشقاق عدد من ضباط الجيش السوري وتأسيسهم لما يعرف ب"الجيش الحر" بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد. الجيش الحر خاض معارك مع الجيش السوري في مناطق الرستن، وحمص، كما أعلن الجيش السوري الحر عن أول هجوم له على منشأة عسكرية منذ بدء الاحتجاجات، حيث هاجم مقر المخابرات الجوية في بلدة حرستا قرب دمشق. بالتزامن مع بداية النزاع المسلح في البلاد، عقد مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة جلسة طارئة له في 2 ديسمبر لبحث الوضع في سوريا، وفي ختامها أصدر بيانا استنكر بشدة أعمال العنف في البلاد التي اعتبر أنها قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما وافقت الحكومة السورية دون تحفظات في 2 نوفمبر على خطة وضعتها جامعة الدول العربية لسحب الجيش من المدن والإفراج عن السجناء السياسيين وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوما كحد أقصى، كما وصلت بعثة من جامعة الدول العربية إلى البلاد في يوم الخميس 22 ديسمبر.
2012
تصاعد الأزمة ونزوح الملايين
مع مطلع عام 2012 طرحت الجامعة العربية بالإجماع مبادرة جديدة لحل الأزمة في سوريا، تقضي بأن تبدأ المعارضة حوارا مع الحكومة السورية لتشكيل حكومة وطنية، على أن يسلم الرئيس السوري بشار الأسد لاحقا كامل صلاحياته إلى نائبه بالتعاون مع هذه الحكومة لإنهاء الأزمة. ورحب المجلس الوطني السوري، أحد الأطياف المهمة في المعارضة السورية بالمبادرة، غير أن الحكومة السورية رفضتها. وفي فبراير 2012 أعلن وزير الداخلية السوري محمد الشعار أن حوالي 90% من السوريين المشاركين بالاستفتاء وافقوا على الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس بشار الأسد للاستفتاء عليه، مضيفا أن نسبة المشاركة بلغت 57%، وشهد الدستور الجديد عدة تعديلات أبرزها تعديل المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع كما تم تحديد مدة الرئاسة بسبع سنوات ولولايتين فقط. وفي مارس من نفس العام سيطر الجيش السوري على حي بابا عمرو في حمص بعد قتال عنيف استمر قرابة 26 يوما، فيما أعلن العقيد رياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر أن جنوده نفذوا انسحابا "تكتيكيا" من الحي. وفي جوان دعا المبعوث العربي والدولي إلى سوريا كوفي عنان الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن إضافة للكويت وقطر والعراق والاتحاد الأوروبي والأمين العام لكل من الأممالمتحدة والجامعة العربية لعقد مؤتمر دولي في مدينة جنيف السويسرية بهدف إنهاء العنف والاتفاق على مبادئ انتقال سياسي بقيادة سورية، في وقت أعلنت فيه روسيا عن أسفها لعدم دعوة إيران والسعودية لهذا المؤتمر. وبدأ الاجتماع التحضيري للمؤتمر في 29 يونيو في وقت لم يتمكن فيه المجتمعون من التوصل إلى رؤية مشتركة حول كيفية تطبيق خطة عنان لحل الأزمة في سوريا، وبدأت أعمال المؤتمر بشكل فعلي يوم السبت 30 جويلية وتم الاتفاق على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية سورية تضم عناصر من الحكومة الحالية وآخرين من المعارضة، إلا أن الأطراف السورية اختلفت حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس السوري بشار الاسد في المرحلة المقبلة. غير أنه في شهر يوليو ستأخذ الأزمة السورية منعطفا آخر بعد أن أعلن التلفزيون السوري مقتل كل من وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت، وهو صهر الرئيس السوري وحسن تركماني معاون نائب رئيس الجمهورية في تفجير استهدف مبنى الأمن القومي السوري في حي الروضة بدمشق. مباشرة تم إصدار مرسوم رئاسي بعد التفجير بتعيين العماد فهد جاسم الفريج وزيرا جديدا للدفاع في وقت أصدرت فيه القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بيانا بثه التلفزيون الرسمي قالت فيه إن هذا العمل الإرهابي الجبان لن يزيد رجال القوات المسلحة الا إصرارا على تطهير الوطن من فلول العصابات الإرهابية. وشهد شهر اوت أكثر فصول الأزمة دموية، حيث قتل أكثر من 5000 شخص في غضون شهر واحد.
2013
استمرار الاقتتال وتنامي الجماعات المتطرفة في سوريا
شهد عام 2013 استمرارا للاقتتال العنيف بين فصائل المعارضة والجيش السوري، كما تنامت بشكل كبير أعداد الجماعات المتطرفة، وأعداد المقاتلين الأجانب في سوريا. ريف دمشق وحلب كانا من المناطق التي شهدت معارك ضارية بين الجيش السوري ومقاتلي فصائل المعارضة، حيث سقط آلاف الضحايا من الجانبين. وفي ماي من نفس العام سيطر الجيش السوري ومقاتلون من حزب الله على مدينة القصير الاستراتيجية، بعد 18 يوما من القتال العنيف ضد فصائل المعارضة.
وشهد شهر أوت أحد الفصول الأكثر إيلاما في الأزمة السورية، حيث سقط مئات الضحايا من سكان الغوطة الشرقية بعد استنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الأعصاب، بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق. وتبادلت الحكومة السورية والمعارضة المسلحة الاتهامات بالمسؤولية عن هذه المجزرة، كما طالبت قوى عربية وغربية بتحقيق وببحث الحادث في مجلس الأمن. وتسلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في ديسمبر تقريرا نهائيا لبعثة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، والذي خلص إلى "استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع الجاري بين الأطراف في سوريا".
ولم يحدد تقرير البعثة، وهي فريق منفصل عن عملية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، هوية مستخدمي هذا السلاح، في الغوطة الشرقية بريف دمشق.
على الرغم من الآمال التي علقت على سنة 2014 لحل الأزمة السورية إلا أن الوضع لم يراوح مكانه، بدءا بمؤتمر جنيف 2 الذي لم يحقق أي هدف على الأرض. وخلافا للمؤتمر السابق حظي هذا اللقاء بحضور عدد أكبر بكثير من الدول. لكن مهمته الرئيسية كانت تكمن في إجلاس وفدي الحكومة السورية والمعارضة للمرة الأولى إلى طاولة المفاوضات المباشرة. وعشية افتتاح المؤتمر لفت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أهمية المساهمة في كسر شوكة المجموعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا، واصفا هذه المهمة بأنها من أولويات المؤتمر.
لكن رغم محاولات المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إطلاق حوار بناء بين ممثلي الحكومة السورية ووفد المعارضة، لم يسفر اللقاء الأول في 23 جانفي عن أكثر من تبادل للاتهامات اللاذعة بين الطرفين. أما الجولة الثانية من المفاوضات التي جرت في جنيف منتصف فبراير الماضي، فلم يتوصل الجانبان فيها إلى تفاهم حول أي من البنود الجوهرية، الأمر الذي دفع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى إعلان فشل مؤتمر "جنيف – 2" في حل الأزمة السورية. ويعد الحدث الابرز في العام 2014، هو فوز الرئيس بشار الأسد بولاية رئاسية جديدة ، ففي الثالث من جوان تم إجراء أول انتخابات في ظل الدستور السوري الذي تم إقراره عام 2012، حيث تقدم 24 شخصا بأوراق ترشحهم ولكن المحكمة الدستورية اختارت ثلاثة أشخاص وهم الرئيس بشار الأسد، وعضو مجلس الشعب ماهر الحجار، ورئيس المبادرة الوطنية للإرادة والتغيير حسان النوري. وفاز الرئيس السوري بشار الأسد بنسبة 88.7% من أصوات الناخبين السوريين. كما شهد العام الماضي سيطرة "داعش" على الرقة ودير الزور ومناطق سورية عدة، وتمكن التنظيم المتطرف من دحر جماعات المعارضة المعتدلة في عدد من المناطق بعد قتال عنيف. وبحلول سبتمبر الماضي، بدأ التحالف الدولي ضرباته على مواقع "داعش" في سوريا والعراق، بعد تقدم التنظيم نحو مدينة كوباني الكردية. وقبل نهاية 2014 تم تعيين المبعوث الأممي خاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي وضع تجميد القتال في حلب كخطة أولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
مع مستهل العام الحالي شهدت العاصمة الروسية موسكو مشاورات بين جميع فصائل المعارضة السورية تقريبا، باستثناء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. أما الحكومة السورية فمثلها في العاصمة الروسية المندوب الدائم لسوريا لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري. وأسفرت اللقاءات عن صدور "مبادئ موسكو" العشرة بشأن تسوية النزاع في سوريا، ومنها الحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، إلى جانب مكافحة الإرهاب. بدأ التحالف الدولي ضرباته على مواقع "داعش" في سوريا والعراق، بعد تقدم التنظيم نحو كوباني. العام الحالي شهد استرجاع المقاتلين الأكراد لمدينة "عين العرب" كوباني بعد أشهر من الاقتتال الطاحن، وبمساعدة من التحالف الدولي الذي شن غارات يومية على معاقل تنظيم داعش. أكثر من 200 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح خلال 4 سنوات وصل عدد قتلى الأزمة السورية إلى أكثر من 200 ألف، معظمهم من المدنيين. ففي آخر حصيلة قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن حصيلة القتلى في سوريا تجاوزت 200 ألف ، خلال النزاع الذي بلغ سنته الرابعة. وأضاف دوجاريك أن أكثر من 10 ملايين سوري أرغموا على النزوح من منازلهم.