اعتبر المؤرخ الفرنسي "بنجامين ستورا" أن خطاب الجنرال ديغول في سبتمبر 1959 عكس تحولا سياسيا "جذريا" إزاء القضية الجزائرية. وأوضح المؤرخ المتواجد بالجزائر في إطار تقديم مؤلفيه الأخيرين " لغز ديغول : خياره للجزائر" و "الغرغرينا والنسيان: ذاكرة حرب الجزائر" أن خطاب 16 سبتمبر 1959 شكل قطيعة "جذرية" حيث أعتبر أن معتقد "الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا" لم يعد أبديا. وأضاف المؤرخ في ندوة نشطها حول موقف الجنرال ديغول من القضية الجزائرية أنها كانت أول مرة يقترح فيها "تصور جديد" للسياسة الفرنسية بخصوص القضية الجزائرية، وذكر في هذا السياق الخيارات الثلاثة التي اقترحها الخطاب والمتمثلة في إدماج الجزائرلفرنسا أو علاقة شراكة في إطار اتحادي أي نوع من الاستقلال الذاتي أو الانفصال (الاستقلال). وأكد أن المستجد مع هذا الخطاب يكمن في الإمكانية المتاحة للجزائريين (المسلمين) للإدلاء برأيهم حول هذه الخيارات الثلاثة. وفسر "بنجامين ستورا" هذا التحول في موقف الجنرال ديغول إزاء القضية الجزائرية "باحتدام المعركة الدبلوماسية وهي معركة الرأي العام التي وجدت فرنسا نفسها فيها منعزلة". وقال أن "المعركة الدبلوماسية التي انطلقت مع أزمة السويس سنة 1956 جعلت القوتين العظميين العالميتين تتجهان نحو مذهب سياسي جديد يشجع حركات التحرر الوطني". وذكر في هذا المضمار موقف الاتحاد السوفييتي سابقا و الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين أبديا منذ سنة 1957 موقفهما لصالح تقرير مصير الشعوب التي تخوض كفاحا تحرريا. واعتبر المؤرخ الفرنسي أيضا أن "المسألة الأوروبية كانت حاسمة" حيث أن ديغول اختار الثنائي "فرنسا-ألمانيا" من أجل سياسة أوروبية جديدة. كما تطرق إلى مسألة الكلفة الباهضة لحرب الجزائر في حين باشرت فرنسا عمليةعصرنة جهازها الاقتصادي. كما أضاف أن "الجنرال ديغول كان أمام حضور سياسي للجزائريين ممثلا في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وجيش الحدود الذي كان دائم الحضور وجيش الداخل الذي لازال يواصل الكفاح رغم قوة السلاح والنار المستعملة منذ جانفي 1959 عبر مخطط شال، وكذا حضور الهجرة الجزائرية عبر ما أطلق عليه الولاية ال7 التي ينبغي أخذها بالحسبان". وأكد بنجامين ستورا في ذات الصدد بأنه كانت هناك جبهة أخرى تهدد بحرب فرنسية-فرنسية مما جعل ديغول يوجد في وضعية "محفوفة بالمخاطر". وأشار في هذا الخصوص إلى الصعوبات التي كان يواجهها ديغول ضمن حكومته و وزرائه على غرار جاك سوستيل الذي سينحاز إلى جانب المتطرفين، وميشال دوبري فضلا عن علاقاته مع قادة الجيش الفرنسي. كما أكد من جانب آخر أن زيارته في ديسمبر 1960 المتزامنة مع المظاهرات في الجزائر "قد سمحت له بان يرى بأم عينيه ولآخر مرة الأسباب التي ستدفعه باتجاه المسار الذي سيتجسد من خلال استفتاء تقرير المصير".