مع حلول شهر رمضان الكريم تشهد الأسواق الجزائرية و خاصة منها الشعبية حركة غير عادية لم تكن تشهدها في الأشهر التي تسبق شهر الصيام، حيث يعد هذا الشهر عند الجزائريين زيادة على انه الركن الرابع من أركان الإسلام على انه جزء من الثقافة و الموروث الاجتماعي لهم، إلا انه و للأسف الشديد يعتبره بعضهم على انه شهر الربح و الزيادة في المال و كثرة التجارة على غرار الأشهر الباقية، لذا فهم يستغلونه بالتنويع في السلع و زيادة الأسعار مستغلين بذلك المستهلكين الذين هم مجبرون بدورهم على شراء مختلف المستلزمات و المتطلبات التي يحتاجونها في الشهر الكريم . و على غرار باقي أشهر السنة فان شهر رمضان يحظى باهتمام كبير من قبل المسلمين الذي يتجهزون له بأشهر قلائل من حلوله، إلا أن هذا الاستقباله يختلف من بلد لأخر ومن شخص لآخر، فمنهم من يستغله في التكثير من العبادة و التقرب إلى الله عز وجل من خلال الصلات و الزكاة و فعل الخير و غيرها من الأفعال الحميدة التي تقرب المسلم من ربه، و منهم و للأسف الشديد من يستغله في الربح و كذا استغلاله للقلوب الرحيمة و التجارة بالربح السريع عن طريق الزيادة في الأسعار التي من المفروض أن تكون منخفضة تسهل القدرة الشرائية للمستهلك، لان احتياجات المسلم في هذا الشهر تزداد بالمقارنة مع الأشهر العادية. انتشار الأسواق الشعبية و التجارة الفوضوية في الجزائر خاصة خلال شهر رمضان تعرف مختلف مدن و بلديات الجزائر في معظم أزقتها و شوارعها خلال الشهر الفضيل بظاهرة أصبحت معتادة لدى المجتمع الجزائري، أين تكثر الأسواق العشوائية و تزداد التجارة الفوضوية التي ينساق المواطن الجزائري اليها و يتوافدون عليها بالآلاف غير مبالين بمصداقية المنتوج أو نوعيته أو حتى في الكثير من الأحيان إلى تاريخ نهاية صلاحيته، لان همهم الوحيد هو السعر و فقط ، فمن المعروف أن الأسواق الفوضوية و العشوائية تمتاز بانخفاض الأسعار التي تتلاءم و مقدورهم الشرائي خاصة و أن الكثير من التجار يستغلون شهر رمضان برفع الأسعار في مختلف السلع رغم وفرة المنتوج الذي يقتنونه من تجار الجملة بنصف السعر الذي يعرضونه في الأسواق حسب ما تطلعت عليه جريدة "المسار العربي" عند تنقلها إلى بعض أسواق الجملة بالجزائر العاصمة، هذا و من الملاحظ أيضا أن معظم الأسواق تعرف فوضى في عرض السلع، إذ يعرض كل من هب و دب سلعته على الأرصفة و الطرقات إذ تتسبب في الكثير من الأحيان إلى خلق اختناق في الحركة المرورية بسبب طغيان هؤلاء التجار على الأرصفة و الطرقات الخاصة بالراجلين و السيارات. تأرجح الأسعار عند التجار لا يقترن بقانون العرض و الطلب و إنما بالربح السريع و الفائدة عرفت أسعار الخضر والفواكه واللحوم ارتفاعا محسوسا خلال أول أيام الشهر الفضيل، فبالرغم من مختلف الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة إلا أن الاسواق تشهد ارتفاعا في الأسعار، فالمضاربة وتهافت المواطنين على السلع وزيادة الطلب أبطلت نسبيا مفعول التدابير المتبعة لضمان استقرار الأسعار، في حين يتوقع أن تعرف خلال الأيام المقبلة انخفاضا. المواطنون يشتكون لكن يشترون...... في تطلع قامت به جريدة "المسار العربي" و في تجولها بعدد من الأسواق في العاصمة بهدف الوقوف على مستوى الأسعار في أول أيام شهر رمضان المبارك أهم ما استقطبناه خلال تقربنا من بعض المواطنين سلوك مشترك بين الشكوى من ارتفاع الأسعار والتهابها و وعدم التواني عن اقتنائها، فالأسواق هي المكان الوحيد التي تعج بالحركية و التي تتميز بالتسابق لاقتناء المواد الغذائية، فحسب العديد من المواطنين الذين التقيناهم، أكدوا لنا أنهم لم يشتروا كل ما يلزمهم بسبب ارتفاع الأسعار إضافة إلى تهافت المواطنين على السلع الأقل سعرا التي لم تلبي عدد المستهلكين المقبلين عليها، وفي سؤالنا عن الأسعار الكل يعتبر السبب هو الجشع والطمع في الربح السريع و الفائدة، وعن أسعار اللحوم وبالرغم من موجة الأقاويل التي سبقت اقتناء اللحوم المجمدة إلا أن الأسعار جعلت الكثير من العائلات تتخذها مخرجا للتقليل من ميزانية قفة رمضان التي ستكون منهكة جدا هذه السنة مع تزامن نهاية الشهر الفضيل. وكلما اقترب منتصف النهار كلما اكتظ السوق أكثر في مظاهر غريبة ومألوفة على الجزائريين في مثل هذه المواسم في ذات الوقت، وكأنه بعد دقائق لن تجد في الأسواق ما تشتري، والمثير للانتباه الانتشار الكبير لمصالح الأمن عبر الأسواق من مختلف الأسلاك، وعملهم على ضمان ظروف ملائمة خاصة وأن مثل هذه المناسبات تعتبر المواسم الأكثر رخاء لكثرة السرقات. هل الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة كفيلة لتسقيف الأسعار الملتهبة في الأسواق ؟ وبالرغم من تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للعمل على استقرار الأسعار إلا أنها عجزت عن تسقيفها وإيجاد حل سريع للالتهاب الذي تعرفه الأسواق في أول أيام رمضان المبارك، بالرغم من أن التحضيرات قد انطلقت منذ شهور، البطاطا من 15 دينار في الجملة إلى 35 و40 دينار في التجزئة و الطماطم من 20 دينار في أسواق الجملة إلى 40 دينار بالتجزئة، فطمع تجار التجزئة في الحصول على أكبر قدر ممكن من هامش الربح كان السبب رقم واحد في ارتفاع الأسعار وبمفارقة بسيطة بين الأسعار المقترحة في أسواق الجملة ونظيرتها في أسواق التجزئة حيث يظهر أن الفارق قد يتعدى 25 دينار للخضر فمثلا أسعار البطاطا لا تتعدى 15 دينار إلى 20 دينار كأقصى تقدير فيما وصلت اليوم في بعض أسواق العاصمة إلى 40 دينار، نفس السيناريو بالنسبة للطماطم التي وصلت إلى 45 دينار فيما تم بيعها في أسواق الجملة ب10 دنانير فقط بحكم أنه منتوج موسمي وعادة ما يغرق السوق الجزائرية في بداية شهر أوت، و من أكثر الأسعار ارتفاعا و التي أثارت استغراب المواطنين سعر القرعة الذي بلغ 80 دينارا للكيلوغرام الواحد، فيما لم يزد خلال الأسبوع الفارط عن 25 دينار جزائري، وذلك لعلم الباعة بأهمية هذا النوع من الخضرة التي تستعمل بكثرة في أحد الأطباق الأساسية في المائدة الجزائرية ألا و هو "الشربة"، فيما قفز سعر الفلفل الحلو إلى 70 دينارا، وتبقى أسعار الثوم تعرف أعلى مستوياتها منذ سنوات طويلة بتجاوزه عتبة 500 دينار جزائري للكيلو غرام الواحد، حيث أكدت لنا العديد من ربات البيوت أنهن مضطرات لشراء هذه المادة باعتبارها أساس العديد من الأكلات التقليدية الجزائرية، على غرار "الكباب" "المثوم" ومختلف أنواع المأكولات ، من جهة أخرى و حسب الاتحادية الوطنية لأسواق الجملة للخضر والفواكه أن هذه الزيادة في الأسعار لن تتعد حد الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك، لتعود الأسعار إلى أقل مما عرفته خلال شهر جويلية،معتبرين أن هذه الزيادة التي حدثت في أسعار الخضر والفواكه بشكل نسبي ناجمة عن الفوضى التي تعرفها أسواق التجزئة بسبب الزيادة العشوائية لتجار التجزئة، بالرغم من توفر المنتوج باعتبار أن شهر رمضان تزامن هذه السنة وموسم جني أغلب الخضر والفواكه مما يعني وجود الكميات اللازمة منها، مؤكدا على أهمية تحديد هامش الربح وحتمية العمل بتقليد إحضار الفاتورة عند شراء السلعة لمعرفة من أين أتت والسعر الذي اشتريت به والسعر الواجب إتباعه في عملية البيع، إلى جانب إلزامية مراقبة السجل التجاري للقضاء على مثل هذه المظاهر التي لا تتناسب وهذا الشهر الفضيل، مضيفين أن طمع التجار ليس السبب الوحيد لذلك بل تشترك فيها تراجع الثقافة الاستهلاكية لدى الجزائريين وما ينجر عنها من تهافت لاقتناء المواد الغذائية بشكل عام، وهو ما ينتهزه المضاربون في فرض أسعارهم الجنونية على حساب المواطن الذي لا يجد خيارا آخر سوى شرائها. بين موافق و معارض بتخصيص ميزانية لشهر رمضان تختلف أراء المواطنين فيما يخص تخصيص ميزانية لشهر رمضان أين يعتبر الكثيرون أن تخصيصها يوفر الكثير من المتاعب و التخمين في المصاريف، في حين لا يجد آخرون ضرورة في تخصيص ميزانية لشهر رمضان فحسب العديد من المواطنين الذين لقتهم جريدة المسار العربي أن شهر رمضان فيه الجانب الروحي أكثر منه مادي فحسبهم أن رمضان يأتي ببركته معه دون أي حساب لذلك، إلا انه إذا كان تخصيص ميزانية لشهر الصيام من حسن التدبير ففي رأي الكثير منهم انه ثقافة راسخة على امتداد السنة و ليس في شهر واحد فقط. المواطن الجزائري تائه بين الأسواق الشعبية و المراكز التجارية إن المراكز التجارية الكبرى المنتشرة عبر المدن تعد من العوامل المهمة في تغيير سلوكيات المستهلك و نمط عيشه لما تحويه من مستلزمات و الوفرة و النوعية، فكثيرا ما اقترن التسوق بالأسواق الشعبية التي تعتمد نشاطاتها في الأساس على بيع الخضر و الفواكه ما يدفع بالمشتري بالتنقل من وجهة إلى أخرى لاقتناء كل ما يلزمه من مواد استهلاكية لكن ماذا عن التسوق اليوم؟ ينساق العديد من المواطنين وراء الأسواق الشعبية التي يعرفها المواطن الجزائري بانخفاض الأسعار بها و لهذا أصبحت قبلة لكل من هم في ذائقة مالية أو مستوى معيشي لا يتلاءم و هذه الأسواق، من جهة أخرى نجد فئة أخرى تفضل التوجه إلى المراكز التجارية التي تجد ضالتها هناك أين تقتني حاجياتها و كل متطلباتها بدافع النوعية و تحسين الخدمات بها، فحسبهم أن المراكز التجارية ولدت من رحم حاجة المواطن لما تضمنه من توفر لمقتنياتهم الاستهلاكية اليومية و غيرها بطريقة عرض مغرية تستهوي العين و الجيب معا . لكن تبقى الأسواق الشعبية تمتاز بنكهتها الخاصة و المراكز التجارية هي الأخرى لها طابعها الخاص في التحضر و مسايرة العصر لتكون علامة من علامات الارتقاء بأسواقنا التجارية إلى مستوى الأسواق العالمية.