في الأصل لم يكن على الذين تفاجأوا أوصدموا من مصافحة طالباني وباراك أن يتفاجأوا أو يصدموا لأن ما حصل كما يقال كان تحصيل حاصل، وكان سيحدث عاجلا أم آجلا، بعدما تمت أمركة العراق ومنحه على طبق من ذهب للأنياب المتصهينة في الإدارة الأمريكية والتي تعمل منذ احتلاله على فصله عن محيطه العربي وإلحاقه بالدول العربية الأخرى السابحة في الفلك الغربي. والفلك الغربي هذا من أول شروطه تبديل القناعات والسياسات وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتخلي عن المقاومة ووصفها بالإرهابية، طبعا هذا مايسمونه بالواقعية السياسية، ومن هذه الواقعية أن نسمع مسئولا عربيا يقول "لن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين". بل في حالة الرئيس العراقي جلال طالباني تبدو الأمور أشد وقعا لأن الذي سهل عملية المصافحة بين طالباني وباراك هو الرئيس الفلسطيني نفسه، وكأنه يقول لبقية الدول العربية المترددة لا خوف عليكم من التطبيع مع إسرائيل، رغم أننا نذكر تصريحاته على هامش القمة العربية في الجزائر العام 2005 ومعارضته قيام بقية الدول العربية تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني لأن ذلك سيضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني ، حسبه، لكن اليوم نراه هو من يسهر على المصافحة التطبيعية. العراق الجديد الذي يتم الترويج له منذ سقوطه، هذه هي صورته التي يراد رسمها له، عراق يعترف بإسرائيل ولا يعاديها ومنسجم مع السياسات الأمريكية في المنطقة إن لم يكن أحد عرابيها، والأكثر من ذلك متفتح على السياسة الإسرائيلية التي تسعى لمحاصرة الخطر الإيراني من خلال تأمين الجبهة العراقية، وهو ما تمهد له المصافحة التي قد لا تكون لها نتائج سريعة وآنية، لكن بالتأكيد فإن مفعولها سيبدأ بعد سنوات من الآن وبعد استتباب الأمن في بلاد الرافدين عندها سيكون لكل حدث حديث وسيكون بإمكان الدولة العبرية أن تفتح لها سفارة، وتتخلص بالتالي من خطر الدول المعادية، ويخرج العراق نهائيا من دائرة الدول المارقة ويدخل نادي المطبعين. وهو الغاية من كل الاستراتيجية الأمريكية في احتلالها لبلاد الرافدين.