يتّجه خطاب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم في الآونة الأخيرة للتركيز على فكرة التكوين السياسي في صفوف الحزب، وأينما حلّ وارتحل نقل معه هم الدعوة لفتح الأبواب أمام الكفاءات الجامعية،، والشباب لممارسة دورهم في خدمة الوطن، وقد أشرف بنفسه على فعالية الإعلان عن تأسيس فوج النشاط السياسي الشباني الطلائعي لحزب جبهة التحرير الوطني. قراءة موضوعية خطاب الشباب والكفاءة يدل على قراءة موضوعية لأمين عام الحزب العتيد، فالشباب غدا يشكل 75٪ من مجموع الشعب الجزائري، ونحن أمام حقيقة وصول أكثر من مليون شاب للجامعة الجزائرية ، ونحن مقبلون على عهد لا مكان فيه للأمية والرداءة وأمام منافسة حقيقية للأحزاب الأخرى جعلت من الكفاءة محور اهتمامها في السنوات الأخيرة. لقد منحنا التاريخ الجزائري فرصة التعرف على عنصر القوة في مسار حركة المقاومة الجزائرية فانبرى الأمير عبد القادر لتأسيس الدولة الجزائرية الحديثة وهو في بداية شبابه. ولم تتحرك الحركة الوطنية في مرحلة المقاومة السياسية إلا بفضل القيادات الشابة. ولم يكن أحد ينتظر أن يقود شباب بين السابعة عشرة والثانية والعشرين من العمر أعظم ثورات القرن العشرين، والتحولات التي تعرفها دول العالم اليوم جعلت من الشباب الواجهة السياسية المعبّرة عن بلدانها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك يأتي خيار الأفلان في وقته متكيفا مع الموقف الموضوعي الداخلي والخارجي. يبدو أنّ الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني يراهن على قيادة الجامعة للمجتمع، انطلاقا من جبهة التحرير الوطني باعتبارها المدرسة الأم للنضال الوطني، والتي بإمكانها كمدرسة تاريخية ونضالية أن تورّث تجربتها للجيل الجديد وخاصة الأكفاء منهم، كما يبدو أن عبد العزيز بلخادم غير مكترث بمحاولات البعض العودة إلى الوراء، وهو ما يؤكد أن توجهه هو توجه الدولة الجزائرية نفسها وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي أرسل أكثر من رسالة أمل للشباب الجزائري، وعليه فقد أصبح مطلوبا من الأحزاب التي تتبنى برنامجه أن تعمل أيضا على المساهمة في صنع هذا الأمل. فوج النشاط الشباني إنّ إنشاء فوج للنشاط السياسي الشباني الطلائعي لحزب جبهة التحرير الوطني يضم أربعة آلاف شاب يوم الاعلان عنه، يعني أن الأعداد مضاعفة اليوم، وقد تصل إلى أكثر من عشرين ألف حسب مصادرنا. وهذا الفوج الذي ينشط تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني هو أداة من أدوات التنشئة السياسية للحزب وإطار للتعبئة الواعية، كما أنه فضاء للنشاط السياحي والثقافي، وهو إضافة للبناء السياسي للحزب. وقد وجد الفوج نفسه أمام أول امتحان سياسي في فترة تأسيسه وهو الانتخابات الرئاسية المقبلة وقد وضع استراتيجيته الخاصة بهذه الانتخابات، وشكّل خلايا متخصصة لذلك، وهو يعمل على محورين: إنجاح الرئاسيات من خلال العمل التحسيسي وإنجاح المرشح الذي اختارته قيادة الحزب وهو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. تعتمد استراتيجية الفوج على توظيف تقنيات الاتصال التقليدية والحديثة، فالمجتمع الجزائري باعتباره أكثر تأثرا بالثقافة الشفهية فإّن الاتصال الشفهي الشخصي يصبح أفضل الوسائل في العملية التحسيسية، دون إغفال تقنيات الاتصال الحديثة حيث أنشأ الفوج موقعا إلكترونيا له هو الأول من نوعه على المستوى الحزبي، وقد بدا واضحا الاهتمام الأجنبي بهذا الموقع ونشاطات الفوج المنتظرة. ولكن اهتمام الفوج بالرئاسيات ليس إلاّ استجابة لمطالب المرحلة، إذ أنّ نشاطه سيستمر بعد الرئاسيات، في التكوين والتعبئة وخدمة الوطن تحت مظلة الحزب العتيد، وقد تأكد من مصادرنا أنّ بعض الأحزاب الكبرى بدأت تستنسخ تجربة الأفلان بسعيها لإنشاء أفواج نشاطات سياسية مماثلة. "البوليتيك" والسياسة ارتبط مفهوم السياسة في ثقافتنا الشعبية بمفهوم البوليتيك الذي يحمل مدلولا سلبيا، فإذا كانت السياسة تعني القيام بالشيء بما يصلحه، أي أن مدلولها إصلاحي، فإن البولتيك أقرب إلى الميكيافيلية التي تجعل الغاية تبرر الوسيلة، بغض النظر عن أخلاقية الفعل والهدف، مما يجعل مدلول البوليتيك مدلولا وصوليا. ويذهب علماء السياسة إلى أن "اللحظة الآنية لها عند رجل السياسة حساباتها، ولها عند المحلل الموضوعي حسابات أخرى، والتحليل الموضوعي لا يهتم بالرغبات الشخصية ولا بالنوايا الحسنة، ولكنه يهتم بوضع اللحظة الراهنة في إطارها العام وفي سياقها العام الذي تحكمه وتتحكم فيه قوانين محددة". فدور الفكر هو البحث في تلك القوانين الموضوعية، لتجعل السلوك السياسي أقرب إلى مفهوم السياسة من البوليتيك ، حيث تكون السياسة أداة للإصلاح وليس للإفساد، وهنا تكمن أهمية إنشاء أفواج التكوين السياسي في إطار الأحزاب الوطنية. فقد عرف عن الشعب الجزائري تاريخيا قدرته على صناعة التاريخ ولكن نخبة عاجزة عن كتابة التاريخ، فكانت حركتنا السياسية فاقدة للبعد الثقافي، ولذلك فإنّ مشاركة الجامعة والمثقفين في التنشئة السياسية وفي الكشف عن القوانين المتحكمة في حياتنا الاجتماعية والسياسية تصبح أمرا ضروريا لتطور العمل السياسي وأدائه. إنّ دور المثقف هو أن يجعل الحركة السياسية حركة واعية متطورة في الزمان والمكان ومتفاعلة مع مطالب وطموحات الجماهير وأن يجعل من السياسة أداة للإصلاح وبالتالي وسيلة لإعادة الأمل. لقد حاول البعض أن يجعل من الجامع أداة لقيادة المجتمع، ولكن العاطفة الدينية الفاقدة للوعي القيادي الرشيد أفقدت الجامع دوره الريادي. واليوم يحاول حزب جبهة التحرير الوطني أن يجعل من الجامعة أداة لقيادة المجتمع في محاولة واضحة لترشيد العمل السياسي من خلال المزاوجة بين خبرة الحزب العتيد والتحليل الموضوعي بالاعتماد على الشباب. فهل ينجح عبد العزيز بلخادم حيث فشل الآخرون؟