بكثير من كلمات الأسف وحرقة الخطأ استقبلنا السيد محمد بيضون الذي لم يستوعب لهذه اللحظة التي نكتب فيها هذه السطور كيف تسرب هذا الخطأ الذي وصفه بالقاتل، وقال بالحرف الواحد" قبل أن يهين التعريف المواطن الجزائري إنه إهانة لي شخصيا وإهانة لدار الكتب العلمية..." وقد استرسل في حديثه وهو يتكلم عن الجزائر حين قال"إن الشعب الجزائري هو قدوة لنا في النضال والكفاح والتضحيات". وحتى لا نخل بآداب الضيافة كنت قد طلبت منه أن يضع بين ايدينا القاموس الذي يحمل الخطأ القاتل ثم زودني بالنسخة الجديدة التي تم حذف تلك المهزلة من التعريف الذي جاء في فحواه تعريف الجزائري هو الحركي والخادم في الجيش الفرنسي (صفحة37) في معجم الطلاب الوسيط إنجليزي- عربي و(الصفحة 49) في القاموس المزدوج انجليزي-عربي التي استبدلها وبكثير من الصدق حيث تم تعريف الجزائر أنها بلد المليون ونصف مليون شهيد، وعرّف الجزائري بأنه مواطن من بلد المليون ونصف مليون شهيد، وهو التعريف الذي أرشده إليه سعادة السفير الجزائرفي لبنان إبراهيم حاصي (يتقن 10 لغات نطقا وكتابة) وطلب من دار الكتب وضع هذا التعريف السليم والصحيح وهو ما نفذه مدير دار الكتب العلمية بدون تردد. وهذا نص الحوار: المستقبل: أصدرت دار النشر التي تديرونها قاموسا عرّف الجزائري بالحركي وقد أثار ذلك ردود فعل منددة من قبل الصحافة الجزائرية خاصة وأنها الطبعة السابعة؟ محمد بيضون: أولا من يقول هذه الطبعة السابعة فهو مخطىء تماما، فهذه الطبعة الثانية وهي خالية من الخطأ "القاتل" ولعلمك فقط الطبعة الاولى هي التي صدر فيها ذاك الخطأ. المستقبل: لكن كيف تسرب أصلا هذا الخطأ خاصة وأنكم من أرقى دور النشر العربية؟ محمد بيضون: مباشرة بعد وقوع الخطأ أرسلنا الى كل دور النشر والمكتبات الجزائرية التي نتعامل معها ملصقات تحتوي على تصحيح حيث جاء في الملصقات التأكيد على تعريف الجزائر بوطن المليون ونصف مليون شهيد والجزائري مواطن يسكن في بلد مليون ونصف مليون شهيد. أما عن الخطأ الوارد في الطبعة الأولى فقد فاجأنا تماما ومباشرة اتصلت بالمشرف والمسؤول الاول عن القواميس ميشال ساسين، حيث قلت له ما وقع هو "خراب بيوت" وليس فقط مجرد خطأ، لاننا عادة عندنا فريق عمل آخر يقوم بتصحيح الاخطاء المطبعية واللغوية. وقد تفاجأ ميشال ساسين تماما وبدأ في رحلة بحث ليصل إلى مصدر تسرب هذا الخطأ. المستقبل: هل نظرية المؤامرة واردة هنا؟ محمد بيضون: أبدا.. أبدا. أعود وأكرر لك أنه خطأ والمشرف على القاموس هو من أنجز كل القواميس التي تصدرها الدار واصلا هذا خطأ لا يستساغ، لان الجزائر بلد الثورة العظيمة ونحن نفخر بها وقد كان عمري أنذاك تسع سنوات في سنة 1959، وكما ذكرت لك ان اليوم الذي تم الاتصال بي لم انم تلك الليلة وانا هنا لست ابرر او ابحث عن اعذار ولهذه اللحظة لن أرتاح حتى أعرف من أين جاء الخطأ رغم تداركنا له وتصحيحه. وقد قلت لميشال ساسين بالحرف الواحد "من أين جاء هذا التعريف او كيف تسرب للقاموس". المستقبل: لقد كانت إهانة من شقيق شعر بها الجزائريون في حق ثورته المجيدة. محمد بيضون: اعرف ان الشعب الجزائري قد شعر بالاهانة لكن انا من اشعر بالاهانة لاني انا من كنت السبب ورائها، وهل يعقل أن يفكر اي صاحب دار في ذلك، فكيف بدارنا التي يشهد لها الجميع في الجزائر بالاحترافية ويجمع على تفانينا في تأليف الكتب أن تفكر في تعمد في مثل هذا الخطأ وترسله الى الجزائر، وهنا اقول لك الخطأ الذي وقع في القاموس كالخطأ الذي يقع في المصحف إنه زلزال ولم يسبق لدارنا أن عرفته عدا الأخطاء اللغوية والمطبعية. المستقبل: علمنا انك استدعيت من طرف السفير الجزائري في بيروت بخصوص ذلك ؟ محمد بيضون: نعم تم استدعائي من طرف سعادة السفيرالجزائري ابراهيم حاصي ولبيت الدعوة فورا وطلب مني شروحات حول ملابسات هذا الموضوع، وكنت قد حملت معي كل ما يتعلق بهذا الخطأ من قسيمات لي يتم تلصيقها على الطبعة الاولى التي حملت ذلك الخطأ وكذلك النسحة المصححة من الطبعة الثانية مع اعتاذري الرسمي والمكتوب الذي حوله بدوره لوزارة الثقافة الجزائرية، واعتذرت منه شفهيا على غرار الاعتذار الكتابي وشرحت له هذا الخطأ، وهنا أريد أن أشيد بغيرته على وطنه وفي نفس الوقت تفهمه للخطأ وهذا ليس بغريب عن شخصه وهو المثقف والفنان والشاعر والاديب. المستقبل: حتى لا نخل بقواعد الضيافة كيف ترى وتقيم معرض الكتاب في الجزائر؟ محمد بيضون: لقد شاركت في معارض الجزائر منذ الثمانينات، ومشارك دائم منذ سنة 2000 في المعرض الدولي الجزائري، وأقول لك وبدون مجاملة إن معرض الجزائر للكتب أهم معرض في الدول العربية، والقارىء قارىء شغوف، ورغم ما يتكبده من بعد مسافة وتنقله من الولايات الداخلية ومشقة السفر إلا أنه يقبل على المعارض بقوة وبكثافة وهنا أحيطك علما أن الجزائر تملك القارىء وهو موجود وهي ثروة لا تقدر بثمن ورأس مال بحد ذاته. المستقبل: هل ستصمد المطابع ودور النشر امام المكتبات الالكترونية مثل المكتبة الشاملة ومكتبة المخطوطات الموافقة للمطبوع؟ محمد بيضون: رغم ما ذكرت من المكتبات الالكترونية وما تحمله من خفة في حمل واختصار للحجم واختزال للزمن الا ان انتشارها امام الكتاب الورقي سيظل محدودا لما يحمله من قدسية ورمزية وسيبقى الكتاب ملكا متوجا بدون منازع. المستقبل: كلمة تريد أن تنقلها جريدة المستقبل إلى الجزائر؟ محمد بيضون: اولا اتقدم بالشكر لجريدتكم الغراء التي تنقلت الينا لتقصي الحقيقة وأخصها بكتابة إعتذاري خطيا لإبلاغه لرجال الاعلام هناك، ونحن نشكر لها هذا الدور النبيل الذي تقوم به، ثم أتقدم للجزائر شعبا وحكومة بأسفي الشديد على ما وقع من خطأ واعتذر منهم ومن ثورتهم المجيدة التي يفتخر بها كل عربي وأتمنى منهم تجاوز هذه الحادثة غير المقصودة بكل أخوة ومحبة. مراسلنا في بيروت: فاروق مازوزي