بعد الأحداث التي وقعت في فرنسا إثر سقوط نابليون وما نجم عنها من تحريك الأوضاع الداخلية والخارجية في العمق في اتجاه التغيير الجذري لنظام الحكم و لمؤسسات الدولة الفرنسية وانعكاس هذه الأحداث على علاقات فرنسا مع الجزائر حيث جعل المسؤولين الفرنسيين يشعرون بضرورة تصفية المشاكل المعلقة مع الجزائر وتأكيد علاقات فرنسا السلمية بهاته البلاد، ولو أدى الأمر إلى التخلي عن بعض المطالب التي كانت تتمسسك بها حتى ذلك الوقت، ونظرا لهذه العوامل رحبت الحكومة الجزائرية بعودة أسرة البوربون إلى حكم فرنسا إثر سقوط نابليون واستقبل مبعوث الملك لويس الثامن عشر -الذي أُوفِد خصيصا لإبلاغ الجزائر بالتطورات التي حدثت مؤخرا في بلاده - بكل حفاوة و تكريم. لقد عبر المبعوث عن رغبة عاهله بطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، مؤكدا نية حكومة بلاده في العمل من أجل تصفية جميع المنازعات بروح ملؤها الصدق والعدل و الاحترام المتادبل. و كانت تربط حكومة البوربون بالمشرق والمغرب علاقات وطيدة..، فهل يعود التاريخ من جديد مع زعيم الحزب الجديد دوفيليبان ؟ بعد أن أعلن رئيس الوزاراء الفرنسي في عهد شيراك عن تأسسيس حزبه الجديد ''جمهورية التظامن'' الذي يعتقد أنه البديل عن سياسة حكومة الاتحاد من أجل حركة شعبية وأمام أكثرمن خمسة آلاف شخص من المناصرين. صاغ الزعيم الجديد جملة مقترحات أشبه ببرنامج رئاسي، مدرجا ضمن أوليات حزبه الإطاحة بغريمه ساركوزي وتحسين العلاقات مع الجزائر وأكثرمن ذلك أنه دعا إلى مصالحة مع الماضي الاستعماري والاعتراف بأخطائه وهي تعتبر رسالة واضحة حول مستقبل العلاقات بين البلدين. لذلك ستكون انتخابات 2102 على غير ما كانت عليه الانتخابات الرئاسية الفرنسية بسبب خصوصيتها والصراع الحاد الذي سيدور بين زعيم الحزب الجديد والرئيس الحالي ''ساركوزي'' لست أنا من فوجئ بإنشاء حزب جديد في فرنسا ولم يكن ذلك من باب التكهن والمراهنات بل كان منتظرا بسبب ما جرى بين الرجلين من خصام و وجهة النظر المختلفة في عدة أمور، وقد وصل هذا الصراع إلى المحاكم التي فصلت في الموضوع لصالح ''دومينك دوفليان''ومند ذلك والمحلّلين السياسين ينتظرون شيئا ما على الساحة السياسية الفرنسية خاصة في ظل الأزمة المعقدة التي تعرفها السياسة الفرنسية من جوانب عدة، ولم يأتِ الرئيس الحالي بأوضاع جديدة في فرنسا سواء في السياسة أو في غيرها، بل إنها ضخمت من المشاكل وخاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب وتغيير هذا المفهوم عندما جاء ساركوزي إلى سدة الحكم و الأزمة مع الجزائر والأزمة المالية العالمية التى لم تكن فرنسا مستثناة من هذا الجو الذي يسود العالم رغم أنها تتظاهر بأنها بعيدة عن هذه المشاكل، وأكثر من هذا فإن فرنسا الديغولية أصبحت في خبر كان بسبب انتهاج ساركوزي سياسة تتنافى والسياسة الديغولية، لذلك تدهورت شعبية ساركوزي إلى أدنى مستوى و جاءت فكرة إنشاء حزب جديد يمكن أن ينقذ فرنسا من السقوط في متاهات يمكن أن تؤدي إلى انفجار كبير، لذلك طلب رئيس الحزب الجديد العمل على الخروج من الفوضى السياسية و الاجتماعية التي ظهرت بعد اعتلاء ساركوزي سدّة الحكم، ويعتقد المراقبون للشأن الفرنسي أن الانتخابات الرئاسية في فرنسا دخلت مرحلتها الحاسمة وكان واضحا أن الشعب الفرنسي بارك هذا الحزب الجديد ويأمل في أن يصبح زعيمه منقذا لفرنسا الساركوزية، وبانتظار أن تحسم المعركة الانتخابية القادمة 2102 لابد من تسليط الأضواء على هذه المعركة من موقع تحليلي.. لاشك أن الرأي العام الفرنسي منقسم حول هذه القضية فأنصار ساركوزي يعتقدون أن هذا الأخير يقود فرنسا نحو الازدهار والرفاهية والقضاء نهائيا على البطالة وهو الوحيد القادر على التصدي للمهاجرين وتعقيد أوضاعهم في فرنسا حتّى يعودوا إلى بلدانهم و يعزز التحالف الفرنسي الأمريكي في محاربة الإرهاب و بالتالي تطور العلاقات بين البلدين والبلدان الأخرى. لا سيما أصحاب اليسار فقد أخذوا في الاستعداد لهذا الحدث الكبير، وهم في نشوة عضيمة في ظلّ الانقسام الحاصل في الحزب الحاكم ويعتقدون أنهم على استعداد تام لهزيمته في الانتخابات القادمة، أما أنصار الحزب الجديد فيقولون إذا فزنا في الانتخابات القادمة فسنتّبع سياسة الوفاق في الخارج، والإصلاحات في الداخل. وكما هو معروف عن دوفيليبان تعلّقه الكبير بأفكار الراحل الجنرال ديغول لذلك فقد انتقد عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الشمال الأطلسي والسياسة الفاشلة في الشرق الأوسط والعراق وإيران وأفغانستان وهو من المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني ويدافع عن حق الفلسطينيين بدولة كما دافع بشراسة عن ضرورة أن تتخذ أوروبا موقفا سياسيا قويا لصالح هذه القضية. فلابدّ من الإفصاح بأن القول بوجود هوايات راسخة بين ساركوزي ودوفيليبان وهذا لا يحتاج إلى إثباث. فذلك من نتاج المنازعات على الأدوار السياسية لكن دفيلبان لم يكن زعيما شعبيا بل كان وزيرا خارجيا ناجحا ومحبوبا من الشعب وبعد أن أصبح رئيس الحكومة كان يمثل طموحات فيئة كبيرة من الشعب الفرنسي لأنه يمتاز بالأمانة والتدبير والجد، وهو يعرف ذلك جيدا ولذلك أعطى جزءٌ من الشعب ثقته فيه، وها هو يحضر نفسه وحزبه الجديد لخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2102، والمعروف عن هذا الشخص كذلك قدرته الفائقة على جلب الأنصار من كبارالسياسيين وصغارهم وعموم الشعب، ويعود الفضل في ذلك أنه يتمتع بخبرة سياسية عميقة ودهاء مميز لتسيير دفة الصراعات إقامة التوازنات، وأكثر من ذلك أنه لا يكتفي بلعب أدوارسياسية في فرنسا بل يريد أن يكون المشارك الفعال والصانع في القررات الدولية الاستراتجية أما ساركوزي فقد نجح خلال فترة حكمه في خلق أعداء له في الداخل والخارج بسبب سياسته الغامضة وغير المستقرة، دوره في إلحاق الضرر بالإعلام الفرنسي، كما أنّه لم ينجح في تجاوز كل المخاطر، لذلك من السهل إسقاطه من الحكم، وها هو الحزب الجديد يستعد ليملأ الفراغ الذي تركه حزب ساركوزي على الصعيدين الداخلي والخارجي..، أما السؤال المطروح الآن: كيف سيعمل هذا الحزب الجديد على ملء هذا الفراغ؟ في الأخير هناك كلمة لابدّ منها وهي أن الإعلام الجزائري لم يكن موفقا في نقل هذا الحدث الكبير والتاريخي خاصة وأن العلاقات الجزائرية الفرنسية تمر بمرحلة خطيرة جدا على جميع الأصعدة. إنني أدعو و هذا أضعف الإيمان جميع البلدان الإفريقية إلى الوقوف إلى جانب هذاالزعيم الجديد الذي يعتزم تصفية حسابات بلاده من مخلّفات مستعمراتها السابقة وأعتقد أن مستقبل العلاقات مع إفريقيا مرتبطة باتجاهات الرئيس الجديد. إن موضوع العلاقات الفرنسية - الجزائرية يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للبلدين، ليس فقط من الناحية التاريخية، بل تمتد جذورها الأولى إلى بدايات ظهور الدولة الحديثة في القرن السادس عشر ومنذ ذلك الوقت وهذه العلاقة تتميز بين الشد والجذب..، فهل يستطيع دوفيليبان أن يفعل ما فعله ميسيسي قديما حيث استطاع أن يسوي جميع المسائل المعلّقة مع الجزائر خلال بضعة أيام فقط ؟ للإجابة عن هذا السؤال ننتطر عام 2102. المراجع: العلاقات الفرنسية الجزائرية للدكتور جمال قنان