تساؤلات كثيرة تشغل بال الرأي العام الوطني عشية الدخول الاجتماعي الذي بدأ بالتحاق أكثر من 8 ملايين تلميذ بمقاعد الدراسة وتنصب كلها حول الرهانات القادمة للسنة الثانية من العهدة الرئاسية وما يمكن أن يتخذ من قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية. فإذا كانت التوجهات الاقتصادية واضحة وزاد قانون المالية التكميلي لسنة 2010 توضيحها أكثر من خلال تأكيد توجه السلطات العمومية نحو تثبيت توجه ''الحمائية الاقتصادية'' فإن التوجهات السياسية والاجتماعية ليست في نفس الحال وهو الأمر الذي يشد انتباه المتتبعين أكثر فأكثر. ففي الشق الاجتماعي ورغم سلسلة الإجراءات المتخذة لفائدة عديد الشرائح الاجتماعية وبخاصة الطبقة العميلة والمتعاقدين إلا أن الوضع يشبه كثيرا الهدوء الذي يسبق التغيير وهو مرتبط بدرجة اكبر بتحركات النقابات المستقلة صاحبة ''المبادرات الاحتجاجية'' وممتهنة "المواجهات'' مع مختلف القطاعات الوزارية، علما أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين مرتبط بهدنة حددت تفاصيلها في العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي. ومن هذا المنطلق لا يمكن تصنيف أي تحرك للنقابات في الأيام القليلة القادمة في خانة المفاجأة لان قطاعات مثل التربية والصحة تبقى المرشحة أكثر لسيناريوهات السنة الماضية، فقطاع التربية شهد قبل ايام حركة نظمها المساعدون التربويون مما أثر مباشرة على عملية توزيع منحة ال3000 دينار الموجهة للمعوزين والمقررة قبل بداية الموسم الدراسي الجديد كي تكون تلك المساعدة في متناول المعوزين في الظرف المناسب. وأكثر من هذا فإن قطاع الصحة هو الآخر يعد احد اهم مراكز الاضطراب الاجتماعي خاصة مع بروز بوادر فشل وزير الصحة الجديد جمال ولد عباس في امتصاص غضب النقابات، وكانت البداية مع نقابة القابلات التي نظمت قبل يومين حركة احتجاجية، وهددت نقابات القطاع الأخرى بالعودة الى الشارع بعد هدنة استمرت من شهر جوان الماضي أي بعد التعديل الحكومي الأخير. وانطلاقا من المؤشرات التي حملها كل من قطاعي التربية والصحة لا يمكن استبعاد تطورات في قطاعات أخرى على غرار تلك الآتية من مصنع أرسيلور ميطال بعنابة الذي لم يعرف الوضع الداخلي فيه أي هدوء منذ أشهر بل بعكس ذلك فقد شهد تطورات خطيرة بلغت حد المواجهة بين النقابة والإدارة وهو ما يشكل تحولا ''خطيرا'' على مستقبل المؤسسة التي تسير نحو استعادة الدولة لملكيتها عليها حسب الكثير من المتتبعين. وقد تلقى مؤسسة ميناء الجزائر العاصمة المصير نفسه إذا لم تعرف موانئ دبي كيفية التصرف مع الوضع الداخلي الحالي المتسم بتوتر العلاقة بين الدواكرة والإدارة. وفي ظل هذه المعطيات والتي قد تضاف إليها معطيات اجتماعية أخرى متصلة بقطاعات التكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، فإنه من غير المستبعد أن يكون الدخول الاجتماعي مضطربا مع تفاوت درجات التصعيد من قطاع الى آخر، لكن السمة الأبرز في ذلك أن تلك التحركات حتى وإن كانت تحمل في ظاهرها الطابع الاجتماعي والمطلبي، فإنه لا يمكن حسب المتتبعين عزلها عن طابعها السياسي كون التجارب السابقة بينت أن كل الحركات الاحتجاجية حملت ''رائحة سياسية'' إلى درجة ان تحركاتها ارتبطت مباشرة بمواعيد الامتحانات دون غيرها من المناسبات وهو ما يفسر حرصها على ''الضرب الموجع''. وفي الشق السياسي يبدو أن الاستحقاقات القادمة ستفتح المجال أمام حسابات أخرى مرتبطة بالتموقع لها، رغم أن الأنظار ستتجه أكثر الى القرارات المنتظر ان يعلن عنها الرئيس بوتفليقة من تغييرات كثيرة في هرم الدولة قد لا تقل عن إجراء تعديل حكومي قد يكون عميقا بغرض تجاوز ''العراقيل البشرية'' التي حالت دون تسجيل كافة النتائج المرجوة من مشاريع النمو المبادر بها منذ سنة .1999ومن المؤكد أن التغييرات المرتقبة في السلك الدبلوماسي تدخل في سياقها الطبيعي إلا أن الحركة المنتظر الإعلان عنها نهاية الأسبوع الجاري في سلك الولاة وتتبعها حركة أخرى في سلك الدوائر وقد يتم اختتامها بحركة في الطاقم الحكومي وتتخللها تغييرات أخرى في عدة مؤسسات هامة في الدولة الهدف منها إعطاء وجه مخالف لكيفية إدارة العهدة الرئاسية الثالثة بعد مرور عام ونصف عنها، كون الرئيس بوتفليقة يدرك أنه لا يمكن تفويت الفرصة الحالية لتحقيق كافة الأهداف المسطرة، وهو مقتنع أيضا حسب بعض الأوساط السياسية بأن الفريق المعتمد عليه منذ أكثر من عشر سنوات لم يستطع مسايرة التحديات والرهانات المرفوعة، فقد بينت جلسات التقييم الأخيرة الكثير من الاختلالات في أداء بعض الوزراء وهو ما حرصت بيانات رئاسة الجمهورية على إبرازه. وعليه فإن تطورات الوضعين الاجتماعي والسياسي مقترنة مباشرة كما هو منذ السنوات الاولى من حكم الرئيس بوتفليقة بإفرازات القرارات الرئاسية التي لا تزال تشكل مركز الحركية الشاملة في البلاد.