لم يتحصل فيلم ''خارجون عن القانون'' على أية جائزة بمهرجان كان لكنه بالمقابل افتك عن جدارة واستحقاق جائزة السعفة التاريخية - كما جاء في أحد المقالات الصحفية نهار أمس- لما جاء فيه من جرأة سينمائية تاريخية في طرح موضوع العلاقة التاريخية بين الجزائروفرنسا وفضحه للجرائم الاستعمارية لهذه الأخيرة في عقر دارها وأمام متطرفيها من الأقدام السوداء، الحركى وأنصار اليمين المتطرف الذين تعج بهم منطقة الجنوب الفرنسي وتحديدا نيس مكان تنظيم المهرجان. بالمقابل حاز فيلم''خارجون عن القانون'' على التغطية الإعلامية التي جندت لها أرمادة الإعلام السينمائي العالمي بمختلف توجهاتها، يكفي ان ازيد من 4000 صحفي عالمي حضروا المهرجان، ناهيك عن الصوت والصورة اللتين صاحبتا فيلم رشيد بوشارب قبل وخلال وبعد عرض فيلم''خارجون عن القانون'' وبهذا يكون الفيلم قد حقق لنفسه دعاية سينمائية لم تتحقق من قبل ولا حتى بعد لأي فيلم على طول تنظيم مهرجان ''كان'' او اي مهرجان سينمائي اخر. ونذكر ايضا ان فيلم'' الاهالي'' لذات المخرج الذي اعاد الحسابات القانونية التشريعية تجاه جنود شمال افريقيا ممن ساهموا في تحرير فرنسا من النازية، قد حاز سنة 2006 على جائزة التمثيل الجماعي وشاهده مباشرة بعد عرضه بقاعات السينما ازيد من ثلاثة ملايين ونصف المليون مشاهد، الأكيد انه مع فيلم''خارجون عن القانون'' سيتضاعف العدد وسيفتح باب النقاش على مصراعيه في صفوف الجيل الذي تم إخفاء حقيقة جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر. بقية نتائج الدورة ال 63 والتي اختتمت سهرة يوم الاحد سياسية في باطنها مغلفة بالإبداع السينمائي، حيث اختارت السعفة الذهبية لهذه السنة أن تكون بين أحضان المخرج التايلادني أبيشاتبونغ ويراسيتاكول وفيلمه ''العم بونمي الذي يستطيع أن يتذكر حيواته السابقة''، دليل على أن مشاعر أعضاء اللجنة ورئيسها المخرج الامريكي تيم بورتون كانت سياسية اكثر منها فنية لأنها اتجهت أساسا إلى أحداث العنف التي تجري في بلاده بين القوات الحكومية والمحتجين في حركة ''القمصان الحمر''، وهي الاحداث التي واكبت ايام تنظيم المهرجان . وذهبت الجائزة الكبرى للفيلم الفرنسي''رجال وآلهة'' لمخرجه كزافيي بقوا الذي تعرض من خلال فيلمه لقضية حساسة وشائكة في العلاقات الجزائرية الفرنسية ويحكي عن السرد التأملي للأيام الأخيرة لجماعة من الرهبان في دير قبل إغتيالهم بالجزائر. فرغم ان المخرج لم يتوسع سينمائيا في ''من قتل الرهبان؟'' في الجزائر خلال العام 1996 إلا انه أدلى بدلوه خلال الندوة الصحفية التي سبقت عرض الفيلم فلم يتوان ويعرب عن انتمائه لتبرئة الارهابيين وإعطائهم صكوك البراءة وهو ما ترفضه الجزائر شعبا وحكومة ويعكر صفو العلاقة الدبلوماسية بين البلدين. اما فيما يخص جائزة لجنة التحكيم لهذه الدورة فقد ذهبت وبعد انقطاع 13 سنة لمخرج إفريقي والى الفيلم ''رجل يصرخ'' للمخرج التشادي محمد صالح هارون الذي يحكي قصة رجل تم تجنيد ابنه في الجيش ليقاتل من اجل وقف تقدم قوات المتمردين، وقال مخرجه إنه يحلم بعرض الفيلم في كل الدول الإفريقية ويبدو أن هذا الاختيار جاء في سياق الاحتفالية الكبرى التي تستعد لها فرنسا يوم 14 جويلية بمناسبة استقلالها ودعوتها للجيوش الإفريقية للاستعراض العسكري بساحة ''الشونزيليزي'' إحياء للذكرى ال 50 لاستقلال افريقيا السوداء وهو ما تعترض عليه الكثير من الأصوات الافريقية الوطنية، معتبرة ان هذا الاستعراض تكريس جديد للعقلية الاستعمارية الفرنسية الجديدة . وحتى جائزة أحسن ممثلة لهذه الدورة برغم أحقية صاحبتها لم تخل من طعم السياسة ومنحت للممثلة الفرنسية جوليت بينوش عن دورها في ''نسخة موثقة'' للمخرج الايراني عباس كياروستامي، وقالت وقد غلب عليها التأثر وهي تتسلم الجائزة ''ما تشعر به وراء الكاميرا التي تحبك هو أجمل معجزة''، وحملت كذلك لافتة كتب عليها اسم المخرج الإيراني جعفر بناهي والذي تم اعتقاله في طهران قبل بداية المهرجان وبرغم ذلك تم اختياره عضو لجنة تحكيم وبقي كرسيه شاغرا خلال حفل الاففتاح والاختتام . أما جائزة أحسن ممثل منحت مناصفة للاسباني خافيير بارديم عن دور الاب الذي يواجه الموت في "بيوتيفول'' للمخرج اليخاندرو غونزاليس ايناريتو والايطالي اليو جيرمانو عن دوره كمقاول بناء شاب يربي أبناءه بنفسه في ''لا نوسترا فيتا.'' أما أحسن مخرج حصل عليها المخرج الفرنسي ماثيو امالريك عن فيلم ''في رحلة'' والذي يحكي قصة شخص يقود فرقة من الراقصين في رحلة عبر أقاليم فرنسا. أفضل سيناريو حصل عليه فيلم ''شعر'' للمخرج الكوري لي تشانج دونج ويحكي قصة امرأة تبحث عن معنى بعد أن مرت بتجربة فقدان طفله، هكذا كانت نتائج الدورة في الاجمال، الأكيد ان النجاح لم ولن يقاس بجوائز المهرجانات السينمائية، فقط على أهميتها ولكن كل النجاح أن يعمر العمل السنمائي طويلا في الذاكرة الانسانية ببصمات لا تمحى على مر الاجيال خاصة في ظل صناعة ظلت محتكرة على ما يسمى بالعالم الاول.