فرنسا اتخذت من المواد الأرشيفية الجزائرية معبرا لتمرير مبتغاها أعاد فيلم ''سينمائيو الحرية'' طرح واحد من أهم وأكبر المشاكل التي تواجه صناع السينما الوثائقية والباحثين فيها، وهو مشكل ندرة المادة التاريخية أو أزمة الأرشيف التي لطالما شكلت أكبر عقبة في طريق المخرجين الجزائريين. ووعيا منه بضرورة تجاوز هذه العقبة وحرصا منه على جعل المراجع التاريخية في متناول الجيل الجديد، قدم مؤخرا المخرج سعيد مهداوي مادة سينمائية تاريخية جد دسمة في عمله الجديد ''سينمائيو الحرية''، حيث حدثنا في هذا الحوار عن ظروف تحضيره وتصويره. مسار ''سينمائيو الحرية'' فكرة تكررت كثيرا في عالم الفن السابع ومع ذلك أصريت على إعادة طرحها ضمن عملك الجديد بطريقة أكثر احترافية. هلا حدثتنا عن هذا العمل الجديد؟ بكل صراحة فإن فكرة إنجاز هذا الفيلم الوثائقي، ورغم أنها كانت قد تبادرت إلى ذهني في مناسبات عديدة، إلا أن ظروف الإنتاج السينمائي في الجزائر حالت دون تحقيقي للمشروع إلى حين عرض التلفزيون الجزائري الإعلان حول مناقصة إنجاز فيلم تلفزيوني عن الثورة الجزائرية بمناسبة الذكرى ال55 لعيد الاستقلال. فكان الإعلان بمثابة الفرصة بالنسبة لي، فتقدمت بمشروع فيلم وثائقي يسرد تاريخ ونشأة السينما الوطنية بشهادات من عايشوا الفترة من باحثين وسينمائيين جزائريين وفرنسيين، وبعدها تلقيت موافقة لجنة القراءة ووقعت عقد بدء تصوير الفيلم الذي وافق 28 سبتمبر الماضي لأن مدة تسليمه كانت مبرمجة في الفاتح من نوفمبر من نفس العام. قمت بالاتصال بمخرجين لإفادتي بشهاداتهم عن الأفلام السينمائية التي شاركوا فيها في الفترة ما بين 1956 إلى ,1962 على غرار: فوتيه، راشدي، عبد الرزاق هلال، مزيان يالا، لمين مرباح، العسكري، البروفيسور بيار شولي وزوجته اللذين قاما بتركيب فيلم ''جزائرنا''، لمين بشيشي، رضا مالك والصحفي عبد الكريم تازروت، لأنني كنت مهتما ومنذ البداية بجمع أكبر قدر ممكن من شهادات السينمائيين الذين عايشوا تلك الفترة وساهموا في بعث الحركة السينمائية الجزائرية بطريقة أكثر موضوعية واحترافية. موضوع جمع المادة التاريخية هو من أصعب مراحل العمل السينمائي التاريخي نظرا لصعوبة الحصول على مادة الأرشيف. كيف تمكنت من الحصول على هذه المادة؟ فعلا. كانت مرحلة جمع المادة التاريخية من أصعب وأهم مراحل العمل، لكنني استعنت بشبكة الانترانت لتسهيل المهمة، حيث قمت بإجراء سلسلة من الأبحاث على الشبكة وأكيد طالعت عددا من الكتب والمجالات واستعنت ببعض المقالات الصحفية، ثم انتقلت إلى مرحلة التأكد من صحة كل المعلومات التي تحصلت عليها ذلك حرصا مني على تقديم مادة تاريخية دقيقة ووعيا مني بمسؤوليتي الكبيرة في هذا العمل. كما استعنت ب 15 دقيقة من المادة الأرشيفية التي تحصلت عليها من التلفزيون من صور فوتوغرافية ولقطات من بعض الأفلام، إضافة إلى بعض المواد التي أحضرتها من المكتبة الوطنية والمركز الوطني للأرشيف. قدمت لخضر حامينا كواحد ممن أرسوا قواعد السينما الجزائرية، رغم أنه الوحيد الذي لم تقدم له شهادة حية. ما السبب في ذلك؟ هذا صحيح، لكن ربما لاحظت خلال عرض الفيلم أنني أفردت جزءا كبيرا لأعمال ومساهمات الأستاذ الكبير والسينمائي القدير لخضر حامينا صاحب جائزة السعفة العربية الوحيدة. إلا أن حقيقة غياب شهادته الحية جاءت خارجة عن إرادتي، حيث كنت قد برمجت شهادة لخضر حامينا، وكنت أريد أن أحضر حامينا ورونيه فوتيه إلى الجزائر للتسجيل معهم، إلا أن ضيق الوقت حال دون ذلك، لأنني أنجزت الفيلم في مدة شهر واحد فقط بين التصوير والتركيب، واتصلت بأناس مؤمنين بقيمة هذا العمل ولهم علاقة بروني فوتيه فصوروا معه وبعثوا لي المادة، واتصالاتي كانت شبه يومية معه، إلا أنه وللأسف الشديد لم يسمح لي الوقت بالوصول إلى حامينا. إلى أي حد تعتبر نفسك وفقت في تقديم هذا العمل السينمائي التاريخي الذي ودون شك يعتبر مرجعا تاريخيا وسينمائيا مهما؟ أولا أريد التحدث عن موضوع افتقار الجزائر للمادة التاريخية أو ضعف أرشيفها المتعلق بتاريخ السينما والسينمائيين الجزائريين وهذا مشكل كبير وحقيقي لا يمكن إغفاله، وهو ما سبب لي حالة من الغضب منذ بداية التصوير، إلا أنني تفاديت الأمر واكتفيت بالمادة الأرشيفية التي تحصلت عليها من التلفزيون، دون أن أخوض في أزمة الحصول على التأشيرة ودوامة الأرقام الخرافية التي وضعتها الدولة الفرنسية مقابل تلك المواد. صحيح أنني لم أجد بعض الصور ومقتطفات الأفلام التي كنت أريدها، خاصة فيلم ''جزائرنا''، باعتبار أن فرنسا وضعت هذه المواد الأرشيفية كمعبر لطرح منتوجها الذي تريده أن يكون.