جدد البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس بمصر رفضه لحكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بمنح المطلقين تصريحا بالزواج الثاني، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لن يلجأ للرئيس المصري حسني مبارك في هذه الأزمة حتى لا يضعه في حرج، معتبرا أن المسيحي الذي يلجأ للقضاء من أجل أن يتزوج للمرة الثانية زان. وقال البابا شنودة، في مؤتمر صحافي عقده أمس عقب اجتماع المجمع المقدس، «الكنيسة تحترم القضاء وتُبجله، وفي الوقت نفسه لن تقبل أحكاما ضد الإنجيل، فزواج المسيحيين سر من أسرار الكنيسة، ومتعلق بتعاليم الدين المسيحي، وليس للمحكمة شأن في ذلك»، مضيفا «لن أضع الرئيس مبارك في حرج، بسبب مسائل تتعلق بالقضاء، وخاصة الزواج الثاني للمسيحيين». وأوضح البابا أن المجمع المقدس وافق بحضور 82 من أعضائه من الكهنة وتأييد 9 أعضاء لم يحضروا الاجتماع على رفض قرار المحكمة، مؤكدا أن المسيحي الذي سيلجأ للمحكمة من أجل الزواج الثاني «لن يجد من يزوجه، ويعتبر خارجا عن الكنيسة، ووفقا لتعاليم الدين المسيحي فهو زان». وأشار إلى أنه عرض قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين على الجهات المعنية والمسؤولين التنفيذيين والقانونيين، إلا أنه لم يتلق ردا حتى الآن، ولم يلتفت إليه أحد، وقال: «لن أعرضه على أي جهة أخرى» سوى مجموعة من المستشارين القانونيين لبحث الوسائل القانونية للتعامل مع تلك الأزمة، وقال «إذا لم يعد النظر في هذا الحكم، سيعاني المسيحيون من التضييق في حرية عقيدتهم وممارسة شعائرهم الدينية». وقال «الزواج الثاني قضية دينية بحتة وليست عملا إداريا يمكن التدخل فيه.. لا يمكنني أن أطلب من الكهنة مخالفة تعاليم الكتاب المقدس، وموقفي من قضية الزواج الثاني لن يتغير لأنه ليس موقفا شخصيا، إنما هو تنفيذ لتعاليم الإنجيل». ووصف البابا شنودة الجدل حول القضية بأنه «تضخيم غير مبرر»، وقال «مجموع حالات الطلاق بين المسيحيين الذين يعيشون في مصر وأقباط المهجر ما بين 200 إلى 650 حالة سنويا، وبعض وسائل الإعلام تحدثت عن وجود نحو مليوني مسيحي مطلقين ويريدون الزواج مرة ثانية، وأنا أتساءل إذا كان هذا عدد المطلقين، فكم هو العدد الكلي للمسيحيين في مصر؟».وقال المحامي نجيب جبرائيل المستشار القانوني للبابا شنودة إن عددا من المسيحيين سينظمون غدا وقفة احتجاجية أمام قصر عابدين الرئاسي اعتراضا على حكم المحكمة الإدارية العليا. وأضاف جبرائيل ل«الشرق الأوسط» «سيشارك في المظاهرة عدد من الناشطين المسيحيين ورجال دين مسيحي، إضافة إلى عدد من الحقوقيين المسلمين والمسيحيين»، معتبرا أن هذا الحكم تدخل غير مبرر في العقيدة المسيحية. وكشف جبرائيل أنه سيلتقي غدا مسؤولا مهما في مؤسسة الرئاسة المصرية (رفض الإفصاح عن اسمه) وسيسلمه مذكرة احتجاج لرفعها إلى الرئيس مبارك، وأوضح جبرائيل أن الرئيس المصري يملك بموجب الدستور صلاحية الفصل بين السلطات عندما يحدث تداخل أو تعارض، أو في الأمور التي تحدث تكديرا في السلام الاجتماعي أو الأمن. وقال «الرئيس مبارك سبق أن تدخل لوقف الحكم بحبس رئيس تحرير صحيفة معارضة، كما تدخل لحل أزمة الخبز وحتى أزمة المرور، لذلك يجب أن يتدخل في هذه الأزمة»، مضيفا «سأقدم اليوم استشكالا به 10 طعون لوقف تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا». وأصدر المجلس الملي العام بالكنيسة الأرثوذكسية بيانا أعرب فيه عن استنكاره ورفضه لحكم المحكمة الإدارية العليا، مبديا تأييده الكامل لموقف البابا شنودة الثالث. وأهاب المجلس بالمسؤولين سرعة إصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين، الذي اتفقت عليه الطوائف المسيحية في مصر كافة عام 1998، وظل حبيس الأدراج منذ ذلك الوقت. وكانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكما بإلزام الكنيسة بمنح مواطن مسيحي تصريحا بالزواج الثاني بعدما طلق زوجته، إلا أن الكنيسة طعنت على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي أيدت الحكم، الذي رفضت الكنيسة تنفيذه. ولا تجيز الديانة المسيحية الطلاق إلا في حالتي الزنا أو تغيير الملة، وتمنح الطرف غير المخطئ (من الزوجين) تصريحا بالزواج الثاني.