السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أولا جزاكم الله خير لمجوداتكم الطيبة جعلها الله في ميزان حسناتكم.. أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري، أنتمى ولله الحمد لأسرة متدينة ومحترمة منذ أول يوم لي في الجامعة (أي منذ حوالي تسع سنوات) وفكرة الزواج تشغل بالي أكثر من اللازم، فحلم الزواج والاستقرار يطاردني باستمرار في أحلام النوم واليقظة، وكنت دائما ما أقول لزميلاتي إنني لن أعمل أبدا بعد التخرج لأني أنوي تكريس كل حياتي لزوجي وأولادي ومضت السنين ولم أتزوج أو أخطب حتى الآن والحمد لله على كل حال.وقد نصحتني والدتي أن أشغل وقتي بالعمل لأكف عن التفكير في الزواج بهذا الشكل والحمد لله وفقت في عملي لكن ما زال هناك فراغ كبير في حياتي لا أعني فراغ الوقت وإنما أعني الفراغ العاطفي.في كثير من الأحيان يلاحظ زملائي في العمل احمرار عيني، وأتهرب من الإجابة عن السبب، فالسبب أني كنت أفكر في الزواج، واحمرت عيني من حبس الدموع فيها، أنا لا أكتب هذا لأشكو تأخر الزواج، فأنا أؤمن أن الزواج رزق من الله يرزق به من يشاء وقتما يشاء، إنما أكتب لأن لي طلبين محددين:أولهما: إنني أريد أن أتغير، أريد أن أنسى تماما فكرة الزواج التي تعذبت كثيرا بالانشغال بها السنين الماضية، وأشغل نفسي بما يعود بالنفع علي وعلى غيري من المسلمين، وأطلب المساعدة في هذا، فما زلت عاجزة عن إبعاد الفكرة عن تفكيري، برغم أني شغلت وقتي بالكثير من الأنشطة غير العمل.إنني أتعجب حينما أسمع عن شاب أو فتاة يحكي أن العمل ومشاغل الحياة أنسته أن يتزوج، وأتساءل هل يمكن فعلا أن تنسي الحياة الإنسان أمر الزواج؟ وهل من الممكن أن أنساه أنا أيضا؟ أنا جادة في رغبتي في التغيير، ولكني بحاجة للنصيحة في هذا الأمر؟أما طلبي الثاني: فهو أني فكرت في أني بحاجة لصديقات صالحات ليعينني على شغل وقتي بما هو مفيد ونافع وليشغلن شيئا من الفراغ العاطفي في حياتي، وأفضل أن يكن في مثل ظروفي غير متزوجات لنساند بعضنا البعض ونتفهم بعض أكثر، فمشكلتي أن صديقاتي ومعارفي عددهن محدود جدا وجميعهن متزوجات منشغلات ببيوتهن وأطفالهن، وسؤالي -وأعتذر أن كان سؤالا ساذجا- من أين أكتسب صديقات صالحات جديدات؟ الحل حبيبتي.. إن حياتنا محطات، والزواج إحدى محطات الحياة، ولكن لا يعرف أحد متى سوف يمر على هذه المحطة أو غيرها، حيث إن قطاراتنا لا تسلك طريقا واحدا، فلكل منا ظروفه الخاصة والاجتماعية والأسرية، بعضنا يسبق، وبعضنا يتأخر، ولكن في النهاية غالبا ما نصل جميعا. وعادة ما لا نشعر بتأخر الأشياء إلا حين ننتظرها ونستعجل حدوثها، فحين ننتظر شيئا ما نشعر وكأن الزمن متوقف من حولنا، وربما نشعر أن قطارنا يسير ببطء أو ربما ضل الطريق، ولكن علينا أن نوقن دائما أن جميع محطات حياتنا من زواج ونجاح وأبناء وعمل ودراسة وسفر هي رزق من عند الله، فاتركي الأمر عليه ولا تتعجلي حدوث الأشياء، فوحده تعالى يعلم متى تحدث ولماذا تتأخر، وفي كل خير.عليك فقط أن توقني أن الزواج رزق من عند الله، وأن تأخره لحكمة لا يعلمها إلا هو، ربما يريد أن يسمع صوتك تدعينه أن يرزقك الزوج الصالح، ربما يعد لك زوجا يكون أهلا للارتباط بك، ربما يريدك أن تكتسبي خبرات مختلفة من الحياة قبل الارتباط.جميل أنك أخذت بنصيحة والدتك بالنزول للعمل، ولكن يبدو أنك شغلت وقتك ولم تشغلي ذهنك، حين تصلين لدرجة من اليقين بأن رزقك لم يأت بعد وتتوقفين عن استعجاله والتفكير فيه فستشعرين بالاستقرار والراحة.لا تتعجبي ممن يقولون إن العمل أنساهم الزواج، ربما لم ينسهم، ولكنها الأولويات، فكثيرون يرون الآن أن الاستقرار في وظيفة والارتقاء فيها وتأمين المستقبل كما يقولون أولى من الزواج، وبعضهن تشعرن بأن الزواج قد يعوقهن عن تحقيق النجاح الوظيفي، وأنه من المؤكد أن كل زوج سيقمع زوجته ويغار من نجاحها وسيعمل على تعطيلها حين يطلب منها الاهتمام بالبيت أو رعاية الأبناء أو حتى ترك العمل، ولن أناقش هنا صحة هذه الافتراضات من عدمها، لكن هذا ما يحدث فعلا، وهكذا يفكر الناس.صحيح أنك تمكنت من شغل وقتك، لكن تفكيرك لا يزال مشغولا بموضوع الزواج وتأخره، وأعتقد أنك ربما لا تشعرين بفائدة ما تفعلين أو جمال وظيفتك وأهمية دورك فيها؛ لأن أعماقك منشغلة عن هذا بأمر لا يعلم وقت حدوثه إلا الله.لا يمكنني أن أخبرك بطريقة تنسيك فكرة الزواج التي شغلتك لسنوات، لكن عليك أن تعملي على ترتيب أولوياتك وإعادة النظر في حياتك وفي نفسك، والتعامل مع الواقع وانظري حولك، فليست كل المتزوجات سعيدات، وليست كل من تأخر زواجها تعيسة، وفي ظروف مجتمعنا الحالية لم تعد ابنة السادسة والعشرين متأخرة في الزواج، ولكن تعجلك الأمر هو الذي أشعرك بهذا.أما عن اكتساب الصديقات فيبدو من كلامك أنك قضيت وقتا في البيت بين تخرجك ونزولك للعمل، أو أن نشاطك واحتكاكك بالناس كان محدودا، وهذا ما تسبب في أن تضيق حلقة معارفك، ولكن بما أن الله رزقك فرصة النزول للعمل والمشاركة في نشاطات مختلفة يسرت لك الاختلاط بالناس فسوف تجدين إن شاء الله صديقات ترتاحين لهن.لا أعرف طبيعة النشاطات التي قلت إنك انشغلت بها، ولكن للوصول لصديقات صالحات ابحثي عن أماكن تواجدهن وحاولي أن تتواجدي فيها بدورك، فيمكنك الالتحاق ببعض الدروس في المساجد، أو العمل في بعض الجمعيات الخيرية، أو حضور دورات التنمية الذاتية والاجتماعية، أو الأندية الرياضية.ولكن اعلمي أن عليك الاحتكاك بالجميع ومخالطتهم حتى تميزي الصالحات عن غيرهن، وحاولي أن تكوني مبادرة، ولا تنتظري أن يأتي الناس ليتعرفوا عليك، وأشعري من حولك بالاهتمام، اهتمي بأفكارهن، وكلامهن، واحترمي اختلافهن عنك، ولا تغلقي الباب في وجه أحد.وعليك أن تعلمي أعتقد أن عزلتك في الفترة ما بين تخرجك ونزولك للعمل هي التي جعلتك تتقوقعين حول تفكيرك في الزواج، والانشغال به كل هذا الوقت.. إن الاحتكاك بالناس ومشاركتهم نشاطاتهم وأفكارهم وهمومهم تنسينا عادة مشاكلنا أو تشعرنا بضآلتها.حاولي أن تخالطي الناس وتتعرفي عليهم وتشاركيهم أحلامهم وهمومهم، فالناس عادة ما يحبون مَنْ يستمع لهم ويشاركهم مشاعرهم، وتأكدي أنك إن شاء الله ستشعرين بفرق بداخلك.أرجو أن أكون قد ساعدتك وأجبت عن تساؤلاتك، وأهلا بك دائما أختا وصديقة إن احتجت لمزيد من المشورة.