العمال: نحن نستهلك الصراصير.. الديدان والعفن ؟ لو يأكل المسؤولون أطباقنا؟! العمال غاضبون والقائمون على المطاعم في سبات عميق... ؟! تشهد مطاعم المصانع عدة تجاوزات من طرف مسيريها بالتواطؤ مع الممونين والجهات التي تخدم مصالحها الخاصة على حساب العمال المضطرين غير الراغبين في استهلاك الحشرات والصراصير. هذه المطاعم التي تطرح بخصوصها العديد من التساؤلات والتي تحتاج إلى إجابات فورية من طرف المسؤولين، الذين لو أكلوا بهذه المطاعم مرة واحدة لأصيبوا بقرحة معدية تجعلهم يعيدون حساباتهم ويقيمون تبعات أفعالهم المشينة التي راح ضحيتها جزائريون مغلوب على أمرهم. وللوقوف أكثر عند حجم المعاناة الروتينية للعمال بالمصانع، وتسليط الضوء على مشكل الإطعام والذي سجل كنقطة سوداء في الأجندة ، ارتأت "المواطن" التنقل في كل من مطاعم مصانع المنطقة الصناعية لواد السمار والسمار ، بئر خادم، باش جراح. لمشاركتهم مأساة الإفطار والتقصي حول ما يدرج ويسطر من مشاريع وما هو موجود. "أصبت بآلام في معدتي... وجدت حشرات غريبة بسلطتي... لا نعلم اللحم المجمّد إن كان للغنم أو للحمير؟... النظافة منعدمة تماما و.. و..".. هي عبارات وردت على لسان عدة عاملات تقربنا منهن بأحد مصانع المثلجات ببئر خادم واللواتي أكدن أن الوجبة الغذائية -إن كان يصلح هذا الإسم أن يطلق عليها- لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ولا يمكن أن توصف بالأكل إطلاقا، وقد سجلنا لدى أغلبهم استنكارا للوضع الذي يعيشونه، ونقمة على المسؤولين، حيث قالوا لنا في هذا الصدد أن المسؤولين يدّعون تحسين أوضاعنا، وبالمقابل نجدهم يتفننون في اختلاس الميزانية المخصصة للمطاعم، والدليل على ذلك الوجبات الرديئة المقدّمة لنا، وبطريقة فضّة من طرف عمال المطعم، أضف إلى ذلك نتناولها في محيط يفتقر لأدنى شروط النظافة وما علينا نحن العمال والعاملات -يضيفون- إلا الرضوخ للأمر الواقع لأنه لا بديل لنا، فالأجر الذي نتقاضاه لا يفي بالغرض المطلوب، ناهيك عن إصابتنا بآلام المعدة التي تكلفنا المال الكثير للعلاج. فضّلت "المواطن" الوقوف عن كثب عند حجم الكارثة لتوضح الصورة بصفة أدق، من خلال مشاركة العاملات الفطور واستنشقنا روائح غريبة لا توحي أننا بمطعم تطهى فيه وجبات غذائية ستقدم لعمال، دخلنا المطعم لنبحث عن مكان نظيف نجلس فيه، ولسوء الحظ أننا لم نجد! في تلك الأثناء سجلنا عدة نقائص وتجاوزات خطيرة، وأوضاعا مزرية يعيشها العامل الجزائري بالمطاعم ، فضلا عن الانعدام الفاضح للنظافة بداية من المكان الذي تقدم فيه الوجبة الغذائية والذي ينبئ بوضع كارثي فالسلاطة والمعكرونة مبعثرة على طول الرف، أضف إلى ذلك الطاولات التي لا تنظف طيلة فترة تقديم الوجبة، والأخطر من ذلك الحاويات المتسخة التي توسطت المطعم، صانعة ديكورا تشمئز له النفس وتشعرك بالغثيان، أما عن أرضية المطعم فحدث ولا حرج بسبب المياه التي تغمرها وبقايا الأكل المتناثرة في كل مكان، مما يتطلب منك السير بحذر حتى لا تقع أرضا، كما شدّ انتباهنا طيلة فترة تواجدنا بالمكان صيحات عاملات المطبخ بقولهن «احمل طبقك بسرعة.. واذهب» وصوت الأواني الحديدية، إحدى العاملات كانت تحوم بين طاولات العاملات ملتمسة إياهم إعطاءها المقبلات المتمثلة في "فولفون VOULE - AU VENT" حتى تعيد طهيها في المنزل، وهو التصرف الذي جعل أحد العاملات تعلّق على ذلك بقوله «يا عجابة، الماكلة ما تسواش ويزيدو يطمعو فيها.. هاذو غاشي ما يشبعش». تركنا بعدها المطعم، وتوجهنا بأسئلتنا إلى العاملات لمعرفة انطباعاتهن ورأيهن في الخدمة المقدمة، ولننقل انشغالاتهن ونداءاتهن إلى الإدارة الوصية، علها تعيد مراجعة حساباتها، وتضع إستراتيجية أكثر نجاعة تجنّب العمال التعرض للتسممات الغذائية والآلام الحادة بالمعدة. "انعدام النظافة و تراكم العفن هي ميزة مطابخ هذه المصانع" أكد جل العمال الذين تقربنا منهم، بعد اطلاعنا على وجبة ذلك اليوم المقدمة بالمطعم ، على رداءة ما يقدم لهم من أكل، مضيفين أن الجوع وقدرتهم المادية المحدودة هي التي فرضت عليهم اللجوء إليه، فالنوعية رديئة تماما وغالبا ما يطرحون تساؤلات حول مصدر الأكل الذي يجدونه أمامهم إن كان مطهى في أوان نظيفة، وإن كانت مدة صلاحية المأكولات المعلبة كالتونة مثلا منقضية أم لا تزال صالحة للاستهلاك؟ وغيرها من الأسئلة التي تشل فكر المرتادين على المطعم . وأضافت من جهة أخرى مجموعة من العاملات اللائي تحدثنا إليهن عن نوعية الوجبة وطريقة التعامل، قائلات «مشاكلنا عديدة لها أول دون آخر، فهل نبدأ من الخبز القديم أم نشكو من اللحم المجمّد الذي نجهل مصدره ولا يصلح أن يطلق عليه اسم لحم، لأن الشحم غطاه"، أما عن مذاقه فقالت إحداهن "لكم أن تتذوقوه لتدركوا طعمه" وتفننت أخرى في التعبير عن المعاناة التي يعيشها العامل مع الوجبة، حيث قالت «ماذا عساني أقول عن تلك السلطة التي تقدم غالبا بحشرات غريبة أضافتها زينة تسر الناظرين! والسبب عدم غسلها جيّدا» وقد قالتها بابتسامة ساخرة ربما تريد أن توجّهها للإدارة الوصية علّ ضميرها يصحو وتفكر في تخصيص لجنة لمراقبة الأطعمة المقدمة للعامل، أما عن الفاكهة، فأضافت محدثتنا "لا تقل سوءا عما سبق". للإشارة، فإن هذه النقائص تجعل العامل ضحية وعرضة للتسممات الغذائية التي سمعنا عنها الكثير، بسبب إهمال السلطات التي لم توفر الظروف الملائمة لوجبة صحية كاملة وليست مثلما هي عليه الآن، وأضاف عامل آخر وهو في حالة من التذمر والاستنكار للوضع الذي يعرفه المطعم ، أن الأمر لا يسكت عليه ولا بد من الخروج في حركات احتجاجية أخرى للمطالبة بأبسط حقوقنا المتمثلة في الحصول على وجبة صحية -كما يطلق عليها- ليس «وجبة بريكولاج وعفن»، مضيفا في سياق ذي صلة "أن المسؤولين يواصلون غشنا لمنحنا شبه وجبة غذائية بقيمة مالية رمزية ويقولون أن العامل الجزائري مرتاح في عمله، فإذا كان تفكيرهم منحصر في هذه الحلقة المفرغة فنحن العمال نقول لهم: هل هذه هي القيمة الحقيقية لحقنا من أموال البترول والخيرات التي تزخر بها البلاد؟". وأضاف محدثونا، من جهة أخرى، أنه على الرغم من رداءة الوجبات إلا أن هذه الأخيرة توزع «بالمعريفة» فتجد أشخاصا يمرون دون الوقوف بالطابور وتقدم لهم الوجبة «بالزيادة»، كما أنهم يحصلون على أحسن حبة فاكهة كالتفاح أو البرتقال أو... في حين يحصل الذين يظلون طيلة ساعات في الطابور على قدر قليل من الوجبة ، وبطريقة فضّة من قبل العاملين الذين يصرخون في وجههم إذا ما طلب أحدهم الزيادة في الكمية، كما أشار العمال إلى نقطة أخرى تتمثل في حذف أحد عناصر الوجبة مع مضي وقت قصير من انطلاق ساعة تقديمها، التي تكون في حدود الثانية عشر ونصف صباحا فلا تقدم كاملة وغالبا -يضيف المتحدثون- ما تكون الفاكهة هي العنصر المحذوف مما جعلهم يتساءلون عن السبب، معبرين عن ذلك بقولهم: "لم نفهم سبب حذف عنصر من الوجبة.. هل يكمن في طريقة توزيعها أم ماذا؟". "ضعف قدرتنا المالية يضطرنا للأكل في مطعم "المصنع" في حين أشار عمال آخرون أنهم يقصدون المطعم عندما تهتز الميزانية وتكون جيوبهم خاوية، لأنه لا بديل لهم عن ذلك، أما في مرات أخرى فهم يفضلون الذهاب إلى محلات الأكل السريع، حيث يجدون ما شاءوا، ويأكلون ما تشتهيه أنفسهم، أو ينتظرون حتى الوصول إلى المنزل مساء ويتناولون بكل راحة واطمئنان، بعيدا عن فكرة التعرض لتسمم غذائي أو الإصابة بآلام في المعدة. وعبّرت إحدى العاملات بقولها «لا آكل في المصنع إلا نادرا.. فأنا أفضل تناول وجبة بسيطة في المنزل تكون نظيفة أحسن من الأكل في «الريستو»!"، وأضافت عاملة أخرى أنها لا تحبذ فكرة الأكل في المطاعم خاصة بعد ما تعرضت لآلام في المعدة تطلبت نقلها إلى المستشفى للعلاج، ناهيك عن الوقوف المطول في الطابور، واللانظافة التي تميز المطاعم خاصة الأطباق التي لا تغسل جيّدا، حيث نجد بقايا أكل الأمس في الغد وقد عبّرت عن ذلك قائلة «مرقة العدس تغسل اللوبيا» أضف إلى سماعها لحادثة وقعت لزميلة لها حين وجدت بعوضة في الأرز وهو ما جعلها تقطع عهدا على نفسها أن لا تأكل في مطعم المصنع. تسجيل العديد من الإصابات بآلام المعدة والتسممات بمختلف هذه المصانع كما أشارت مجموعة من العمال إلى مشكلة أخرى تعد أخطر من سابقاتها وتتمثل في إصابتهم بآلام حادة في المعدة جراء تناولهم الوجبة وفي هذا الصدد أكد العامل محمد أنه تعرض منذ فترة قصيرة لآلام بالمعدة فاضطر إلى مراجعة الطبيب الذي شخّص حالته وأكد له أنه لو لم يسرع لتحول الأمر إلى شيء آخر ويقصد تسمم غذائي، وعن سبب الحادثة أضاف سمير أنها كانت جراء تناوله علبة تونة بالمطعم والتي لم يكن تاريخ صلاحيتها واضحا. في حين أكد آخر أنه تعرض لتسمم غذائي بعدما تناول علبة "ياغورت" (قشطة) فاسدة، إلا أن الواقعة لم يتم التبليغ عنها ونفس الحادثة سجلت لدى العامل موسى، الذي أكد لنا أن العمال بهذه المصانع الصغيرة والجديدة و التي تعمل في الأغلب تحت المجهر، غالبا ما يصاب عمالها بآلام في المعدة وتسممات غذائية، إلا أنه لا يتم التبليغ ويمررها المسؤولون مرور الكرام، حتى لا تحسب ضدهم. كما أكدت لنا العاملة فاطمة الزهراء بأحد مصانع البسكويت بالسمار، أنه بعد أن تناولت شرائح "الكاشير" بالمطعم شعرت بألم في المعدة وغثيان وحرارة في الجسم، فاضطرت لمراجعة الطبيب، حيث أكد لها أنه تسمم غذائي، إلا أن فاطمة الزهراء لم تبلغ عن الحالة ولهذا تبقى مجهولة لدى الجهات الوصية وحسبها فإن شكاويهم لن تجد الآذان الصاغية ولهذا لم تر داع للتبليغ عن حالتها!. هناك استهتار و عدم اكتراث بحياة العامل من المسؤولين وأكدت إحدى العاملات أن مشاكلهن ومعاناتهن لا تنحصر في مشكلة النظافة وسوء المعاملة، وإنما تتعدى إلى أخطر من ذلك عندما يكون الحديث عن الإصابة بالتسممات الغذائية والآلام بالمعدة، ولا يتم التبيلغ عنها من طرف المسؤولين، وعن هذه المشكلة لمسنا استنكارا من قبلهن خاصة وأنهن تعرضن لمضاعفات صحية وتدهور وضعهن جراء الوجبات التي يتناولنها بالمطعم والتي لا تخضع للرقابة بسبب التسيب والإهمال من طرف المسؤولين المشرفين عن المطعم، مضيفة في معرض حديثها أنها تعرضت العديد من العاملات منذ فترة إلى الإصابة بالقرحة المعدية والتسممات الغذائية نتيجة تناولهن لعلب "ياغورت" مجهولة المصدر وغير متوفرة أصلا بالأسواق، فضلا عن تاريخ الصلاحية غير الواضح على الغلاف، مشيرات إلى أن المشرفين تستروا عن الحادثة واكتفوا بعلاجهن وبالتالي مرّت مرور الكرام، وعلى الرغم -يضفن- أن الأمر يتعلق بصحة وحياة أرواح بشرية، إلا أن السلطات تبقى في منأى عن هذه الكوارث التي تحدث بالمطاعم خاصة مطاعم المصانع الجديدة والتي تعمل في الخفاء ، كما لو أن الأمر يتعلق بالبهائم -أكرمكم الله- وليس بالبشر.