عادة ما ينظر المجتمع العاصمي للطلبة القادمين من مختلف جهات الوطن، والقاطنين بالإقامات الجامعية، نظرة مغالطة بها الكثير من الريبة، باعتبارها مسرحا للتجاوزات الأخلاقية، الصادرة بشكل خاص عن بعض الطالبات اللواتي يغتنمن فرصة غياب الأهل ليفعلن ما يحلو لهن دون رادع، ما شكل عن قاطنات هذه الإقامات صورة نمطية جعلت منهن مرادفا للانحلال، والفساد الخلقي، رغم أنه ما من مكان إلا وفيه الطيب والخبيث. هذه النظرة التي يرشق بها المجتمع بنات "لاسيتي" كما يسمونهم، دفع الكثير من الطالبات إلى التكتم عن إقامتهن بالأحياء الجامعية، رغم أن أغلبهن مظلوم، ويسير عليهن مثل "يروح فيها المسلم في سبة المجرم"، بالنظر إلى الأحداث التي يتم تداولها عنهم والتي شوهت صورة الأحياء الجامعية، فكم من وزير، وكم من إطارات دولة، زاولوا دراستهم الجامعية وهم يعيشون في هذه الأحياء. لكن وكما يقال "حتى أصابع اليد الواحدة ليست متشابهة"، فمن المستحيل أن يكون الجميع ملتزما بالأخلاق والآداب، سواء في الأحياء الجامعية أو في غيرها، وعلى العكس من ذلك، فإن حالات الانحراف والتجاوزات الأخلاقية، هي حالات شاذة من مجموع بنات "لاسيتي"، حوادث منفصلة، وغلطات فردية، ليس من العدل أن تعمم وتكون سببا في حرمان الكثير من الطالبات، من الدراسة الجامعية بشعب وتخصصات غير متوفرة في ولاياتهن. الإقامة مكان للتعارف والتبادل الثقافي إذا عدنا للخلفية التاريخية أو السبب الرئيسي لإنشاء الإقامات الجامعية، والمتمثل في توفير مكان لإيواء الطلبة الذين يلتحقون بتخصصات وجامعات في ولايات أخرى غير ولاياتهم الأصلية، كما أنها مقر للتعارف والتبادل الثقافي بين ولايات الوطن، فالرئيس الراحل هواري بومدين قال أن الهدف منها يتمثل في زرع حب الوطن بين أبناء الوطن المثقفين، لأن الطبقة المثقفة في الجزائر هم طلبة وجامعيون ذوي دراسات عليا، و بتعدد ولاياتها وثقافة كل منها، و بالتالي اختلاف اللهجات إن لم تكن اللغات، والهدف واحد وهو إنشاء الصداقة والمحبة بين الطلبة المثقفين، الذين يمثلون الشعب الجزائري، فهناك أكثر من40 حي جامعي في الجزائر العاصمة فقط، تتوزع بين الذكور والإناث، وهناك الكثير من الطلبة تعارفوا وأصبحوا كالإخوة، تقاسموا نفس الغرفة وقضوا فيها أكثر من أربع سنوات مع بعضهم، في السراء و الضراء، وهناك من الطلبة من تعارفوا ووتزوجوا، و كان لقاؤهم في الإقامات الجامعية، مثل أمينة التي تنحدر من ولاية تيسمسيلت، وتعرفت على زوجها من ورقلة في الجامعة، وتقول "لولا الإقامة الجامعية الواقعة قرب إقامتهم لما تعرفت على محمد" ، حالة أخرى رصدناها ل "دليلة " التي روت لنا قصة تعرفها على ابن عمها الذي وجدته في الجامعة، فبعد تطابق الاسم العائلي تعرفت عليه وهي من ولاية بومرداس، ولم تكن تعلم أن لها أبناء عمومة من ولاية بسكرة، وقالت "منذ تعرفي على ابن عمي، أصبحت عائلاتنا تتبادل الزيارات فيما بينها فنحن نزورهم في فصل الشتاء، وهم يقضون العطلة الصيفية على شواطئ بومرداس"، وبذلك ساهمت في تقريب أفراد العائلة الواحدة، و كان مجيء ابن عمها للدراسة ببومرداس، وإقامته بالحي الجامعي سببا في لم شمل عائلتان من نفس الاسم والنسب، لم يكونوا متعارفين من قبل. حُرمن من مواصلة الدراسة بسبب مقال صحفي عن "بنات لاسيتي " في جولة قادتنا إلى بعض الإقامات الجامعية في العاصمة، للبحث عن تفاصيل أكثر عن موضوعنا، التقينا في موقف الحافلات ببن عكنون أمام الإقامة الجامعية للبنات بطالبة ، بعد أن عرفت بالموضوع الذي نحاول أن نتكلم عنه، قالت "أن هناك عدة إساءات نواجهها من طرف العديد من الأفراد، فالبعض يسموننا "بوبلاد"، أو "تاع برة"، وأضافت أنه صديقتها إيمان راحت ضحية مقال نشر في إحدى الصحف عن الإقامة الجامعية، حيث أن إيمان حرمت من مواصلة دراسة الطب، بسبب قراءة والديها لمقال نشر السنة الماضية عن الإقامة الجامعية للبنات بأولاد "فايت"، وهي نفس الإقامة التي كانت إيمان تقيم بها، حيث جاء فيه أن البنات بالإقامة واقعون في الكثير من الانحراف والتجاوزات غير الأخلاقية، و ذكروا أن انعدام الأمن ولامبالاة أعوان الأمن يشجع بنات "لاسيتي" على هذا الأمر، فكان لهذا المقال أثر على والدي إيمان اللذان قدما في اليوم الموالي لاصطحابها إلى البيت"، وتضيف المتحدثة "أنا أتذكر جملتها الأخيرة وهي تترجى والدها بأن لا يضيع أحلامها لأنها سترفع رأسه ولم ولن تفعل شيء لا يرضاه"، وأكدت ذات المتحدثة أن هناك عديد الطالبات وقعن ضحايا الصورة مشوهة رسمتها الصحافة، مواقع الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، بحجة الحرية التي تجدها الطالبات عندما تكن بعيدات عن المنزل وعن المكان الذي يعرفها فيه الناس، ولكن المتحدثة تقول "من تلقى تربية صحيحة سواء أكان أمام عائلته أو لا، فانه يبقى مؤدبا ولو ذهب إلى المريخ، أنا أتساءل لماذا لم نتحدث عن بنات يهربون من منازلهم، وعن فضائح لا تعد ولا تحصى، لفتيات يعشن في أحضان عائلاتهن، ولماذا لا يفكر بعض الصحفيين في العواقب التي قد تقع على عاتق الكثيرين مثل إيمان". الصداقة.. الأخوة.. والمساندة صفات تتسم بها بنات "لاسيتي" عند تقربنا من المقيمات، روت لنا الكثيرات بعض القصص الجميلة عن حياتهن في الأحياء، حيث قالت أمينة من عين الدفلى، أن لديها ذكريات لا تنسى مع زميلاتها في الحي الجامعي، وأكثر شيء تتذكره هو قضاء المناسبات معا، حيث يقومون بإعداد الأطباق حسب منطقة كل مقيمة، ما ساعدها على التعرف على أطباق وعادات من ولايات أخرى، مثل واد سوف، سكيكدة، باتنة، تمنراست، وهران، وغيرها من الولايات التي تنتمي إليها صديقاتها، كما أنهن كن يتقاسمن لحظات لا تنسى في المناسبات، وحتى في الأيام العادية، وبعدها ذكرت لنا صفية من ولاية غرداية أن لها صديقات من ولايات متعددة، خاصة بومرداس، حيث زارتهم في منازلهم في الكثير من المرات، وتجمعها بهم علاقة قوية، أما أمينة من ولاية المسيلة فتقول أنها مرت بأزمة، ولم تجد سوى بنات "لاسيتي" من صديقاتها اللواتي وقفن معها في أزمتها، وهو نفس الأمر الذي أكدته كنزة، وهي فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ساندتها صديقاتها في مشوارها الدراسي، حيث كن يتداولن من أجل إيصالها إلى الجامعة، قبل تحصلها على كرسي كهربائي متحرك . رياضة.. نشاطات علمية.. و ثقافية بالأحياء الجامعية ولا يقتصر دور الأحياء الجامعية في أنها مجرد غرفة تأوي الطلبة، بل هناك نشاطات علمية، رياضية، وثقافية، تنظم على مستواها، حيث توجد على المستوى الوطني دورات رياضية بين الأحياء الجامعية، تقام بين الولايات، وحتى بين إقامات الجزائر العاصمة، ما ساهم في التعارف بين ممارسي الرياضة على مستوى الإقامات الجامعية، بالإضافة إلى النشاطات التي تكون على شكل معارض للألبسة التقليدية، أو مسرحيات ومهرجانات، التي تهدف لترسيخ العادات، والتقاليد لكل الطلبة الوافدين من مختلف الولايات و تبادلها بين أبناء الوطن الواحد . تعلموا الحرف وتفوقوا بين غرف الإقامات الجامعية الجميل في الإقامة هو تعلم الفتيات لعدة حرف، مثل الطرز، الحلاقة، والطبخ التقليدي لمختلف المناطق، فبالنسبة لسارة من ولاية تيبازة، فقد تعلمت طريقة تحضير الشاي من صديقاتها من ولاية غرداية، وتعلمت فاطمة طريقة طهي بعض الأطباق من صديقاتها من مختلف الولايات، في حين قالت نسرين من ولاية تيزي وزو، أنها أصبحت بارعة في الرقص الشاوي الذي تعلمته من صديقتها التبسية، والطابع النايلى الذي تعلمته عن صديقتها من ولاية الجلفة. وعند سؤالنا لعدة مدراء المعاهد والجامعات عن المتفوقين، لكل سنة، اندهشنا أن معظمهم من ولايات مختلفة، درسوا بجد، وتفوقوا في الإحياء الجامعية، فحسب أحد الأساتذة بجامعة العلوم السياسة والإعلام، قال أن الجامعة يتخرج منها المتفوقين من ولايات خارج العاصمة، ومن المعروف أن الوزراء، والإطارات قد تخرجوا من الجامعات وفيهم من سكنوا في الأحياء الجامعية، وهذا بشهادة الكثيرين.