يعرف المجتمع الجزائري في الآونة الأخيرة، تطورا لثقافة جديدة على مجتمعنا لكنها وحسب المختصين ضرورية جدا في الوقت الراهن، بالنظر لما يعرفه هذا الأخير من تغيرات، وتتعلق أساسا بالتحضير للحياة الزوجية والأسرية، ليس من الجوانب المادية، والشكلية كما هو شائع، ولكن من خلال تعلم طرق، أساليب، ومهارات التأقلم في هذه الحياة الجديدة، وكذا طرق تحمل المسؤولية وتسيير الأسرة بشكل عام. لا يخفى على أحد أن مرجع مختلف المشاكل والظواهر التي تعصف بالمجتمع، وأفراده، وحتى مؤسساته، هو الأسرة، كونها المعد الأول والأساسي للأفراد الذين يبنون ويكونون هذه المؤسسات، وهذا المجتمع، فما من شخص توجه للانحراف، الإجرام، العنف... وغيرها، إلا وتجد أن سبب ذلك راجع لخلل ما في حياته العائلية، أو في طريقة تربيته وتنشئته. كما أن الأرقام المهولة لمشاكل الأحوال الشخصية التي تعج بها محاكمنا، من طلاق، خلع، وتبادل للاتهامات بين الأزواج، وصراعات على حضانة الأبناء، هي انعكاس واضح وجلي، للوضع غير الصحي الذي تعرفه الأغلبية الكبيرة من الأسر الجزائرية، خاصة في السنوات الأخيرة. ويجمع المختصون الاجتماعيون، على أن مختلف مشاكل الأسرة والمجتمع الجزائري، مرتبطة أساسا بالطرق والمعايير التي أصبحت معتمدة في اختيار الزوج أو الزوجة لطرفه الآخر، حيث طغى منطق المادة على توجهات الأفراد في اختيار شريك الحياة، كما أن الكثير من الناس وتحت تأثير الظروف المعيشية، أو نتيجة التأثر بوسائل الإعلام، وأنماط الحياة في مجتمعات أخرى، أصبحوا يقدمون على خطوة الزواج، دونما وعي بحجم المسؤولية التي ستقع على عاتقهم، ودونما وعي أيضا بالمعايير والخطوات الصحيحة التي يجب إتباعها، لبناء أسس متينة لأسرة متماسكة وسعيدة، وذلك من خلال الاهتمام المبالغ فيه بالشكليات، والمظاهر، التي تطفوا كفقاعات خلال الأيام الأولى من الزواج، وما تلبث أن تتلاشى ليبقى قطبا الأسرة، أمام واقع مليء بتحديات وعقبات لم يحسب لها حساب. الاستعداد الصحيح للحياة الأسرية.. ثقافة بدأت تجد صدى في المجتمع الجزائري لكن وفي خضم هذا الجو الاجتماعي السائد، بدأنا نقف في الفترة الأخيرة على سلوكيات تدل على أن بدور ثقافة التحضير والاستعداد الصحيح للحياة الأسرية، قد بدأت تغرس في الأذهان، لا سيما لدى فئة الشباب الواعي والمتعلم، ممن وضعوا المهر، التصديرة، الحلويات، وتكاليف ومظاهر الاحتفال الأخرى في كفة، ووضعوا بالمقابل، الاستعداد المعنوي لهذه الحياة، الفهم الصحيح للجانب الصحي والنفسي والشرعي للزواج، وكذا السبل الكفيلة بخلق التفاهم، التأقلم، والاستقرار داخل البيت الأسري، في كفة أخرى. فبالاستناد إلى ما أوضحه مجموعة من أصحاب المكتبات في الجزائر العاصمة، تلقى الكتب التي تعنى بالإعداد للحياة الزوجية، صدى وإقبالا كبيرين من طرف الشباب والفتيات المقبلين على الزواج، على غرار "تحفة العروس"، وغيرها حيث عبر من تحدثنا إليهم عن استحسانهم لذلك، وتفاؤلهم أيضا بمستقبل أفضل للأسرة الجزائرية، في حال توسع نطاق هذه الثقافة بين الشباب الجزائري، مرجعين الفضل في ذلك إلى الدعاية الإعلامية التي حظيت بها مثل هذه الكتب والمؤلفات، دون إغفال البرامج المتخصصة أيضا في هذا المجال، والتي تعرض على مجموعة من القنوات الفضائية العربية، والتي بدورها زادت من وعي الشباب بأهمية هذا النوع من التحضير الذي ظل مغفلا، لوقت طويل، في بناء أسس متينة لأسر مستقبلية متماسكة. تربصات تكوينية خاصة للمقبلين على الزواج في الجزائر وعلى غرار الكتب، عرفت العاصمة إلى جانب العديد من ولايات الوطن، إقامة دورات وتربصات تكوينية تخص المقبلين على الزواج، تشرف على تنظيمها معاهد، وجمعيات المجتمع المدني، وينشطها أساتذة ومختصون في الجوانب النفسية، الصحية، الشرعية، والاجتماعية للزواج. وتهتم هذه الدورات التكوينية بشكل عام، بتوعية الشباب بالكثير من الحيثيات المرتبطة والمتعلقة، بالحياة الأسرية، بكل جوانبها، حيث تدور حول مواضيع على غرار الإعداد المعنوي للحياة الزوجية، المقاصد والأحكام الشرعية في الحياة الزوجية، تقديم إرشادات ونصائح طبية، كيفية فهم نفسية الطرف الآخر، وكذا طرق التأقلم مع الحياة الجديدة، وأساليب إدارة الأسرة ماديا، وغيرها من طرق التعامل مع المسؤوليات المترتبة عن هذه الحياة. مختصون: "مثل هذه الدورات تمثل طريق الأسرة لبر الأمان" وإن كانت مثل هذه الدورات التكوينية تلقى إقبالا كبيرا من طرف المقبلين على الزواج، فهي تلقى تأييدا أكبر من طرف المختصين الاجتماعيين الذين يرون فيها إعادة بعث وإحياء لروح الحياة الأسرية المستقرة والسعيدة التي من شأنها أن تكون جيلا مستقيما، بعيدا عن أشكال الانحرافات، ومن ثم مجتمعا خاليا من الظواهر السلبية. وفي هذا الصدد تقول إحدى الأخصائيات في شؤون الأسرة والمجتمع، أنه من الجيد جدا في وقتنا الراهن رؤية شباب وفتيات واعين بحجم المسؤولية التي تنجر عن تكوين أسرة، ومهتمين بهذه الجوانب من الاستعداد لحياتهم الجديدة، وتضيف أن هذه الثقافة ضرورية جدا لبناء أفضل للأسرة، وتحصين أكثر لأفرادها وللعلاقات القائمة بينهم، خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية، الثقافية، وغيرها، والتي غدت مؤثرا مباشرا على الفرد والأسرة في المجتمع الجزائري، كما في باقي المجتمعات العربية. ومن جانب آخر أبدت المختصة استحسانها للدورات التكوينية، التي تقام في الجزائر للمقبلين على الزواج، بالنظر إلى البرامج التكوينية التي تطبقها، والمواضيع المهمة التي تتطرق إليها، والكفيلة حسب المختصة، بإرشاد الزوجين إلى بر الأمان في حياتهما الأسرية، ومساعدتهما على التأقلم مع متغيرات نمط الحياة والمسؤوليات الجديدة، كما تعينهما على تفادي المشاكل والعراقيل التي قد تتخلل طريق هذه الأسرة الناشئة، مطالبة بتعميم مثل هذه الدورات التكوينية، وكذا مواكبتها إعلاميا، لنشر هذه الثقافة على نطاق أوسع، وتلقى الصدى لدى الشباب، لأنه حاليا يوجد الكثير من الشباب ليسو على علم بوجود مثل هذه الدورات.