السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أودُّ استشارتكم في موضوعٍ تجاهلْتُه فترةً من الزمن؛ فبدأت في التفكير بأن أجد حلاًّ. تخرَّجت منذ حوالي ثلاث سنوات في قسم علوم الحاسوب، لكن بمعدَّل منخفِض نسبيًّا، ومعرفة نظرية غير مناسبة لفُرَص العمل المطلوبة، لم أفرح بتخرُّجي؛ لأني كنت حزينة على المعدَّل المنخفض، وأشعر بإحباط شديد من طريقة التعليم النظرية، بعد ذلك أصبحت أحاوِل تعليم نفسي بنفسي عبر الإنترنت، ونجحت في بعض الأمور وأخفقت في بعضها. وفَّقني الله بعد فترة لوظيفة ذات راتب مُتَدَنٍّ جدًّا، لكنِّي شعرت فيها بمتعة العمل والإنجاز والتقدُّم والتقدير المعنوي، لم أستمرَّ فيها طويلاً، وتركتها لأسباب خاصَّة بالعمل ، ثم انتقلت لعمل آخر لم أستمرَّ فيه طويلاً لأسباب كثيرة؛ منها: سوء التعامل من بعض الموظَّفِين، عدم حصولي على حقوقي، لا مالية ولا معنوية، واستمررتُ في رحلةٍ مملَّة للبحث عن عمل أفضل وبثقة وتفاؤل، والحمد لله وفَّقني الله للوظيفة الحاليَّة، تعامُل الموظَّفين فيها جيد، والحقوق المالية جيدة، والتقدير المعنوي لا بأس به. المشكلة هو أني لا أعمل، أذهب فقط لأقضي وقتًا على المكتب ولي راتب جيِّد آخر الشهر، لكن موضوع الطموح والتطوُّر، أُصِبت بنكسة حقيقية فيه، الحمد لله أنا حصلت على ثقة وإعجاب المدير المباشر، ولكن المشكلة الحقيقية فعلاً أنَّني أعمل في مكانٍ لم يحصل على ترخيصٍ بعدُ؛ ممَّا يعني أن نشاطاته متوقِّفة، كنت أنتظر وأملي بالله أن ينتهي أمر هذا الترخيص ويبدأ العمل بشكل طبيعي، لكن بعد سنتين أصبحتُ لا أثق بأن الوضع سيتغيَّر، بيني وبين نفسي أشعر بأني أكذب على نفسي عندما أكتب خبرتي في مجال العمل في التخصُّص كذا هو سنتين، وهي في الحقيقة لا تتعدَّى أشهرًا، فكرت بتغيير عملي لكن أخشى أن تتكرَّر التجربة، أفكِّر بإكمال دراستي رغم رهبتي من تكرار الإخفاق. بماذا تنصحونني؟ أستمرُّ بعملي أم أبحث عن غيره؟ أتوقَّف فورًا عن هذه "البطالة المقنعة"؟ الجواب: أختي العزيزة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إن كنتِ لا تعملين في مكان عملكِ، فمن أن أين تأتَّى إعجاب مديرِكِ وثقته بكِ؟ أهو مُعجَب بكونكِ لا تعملين، أم ماذا؟ على أيَّة حال، تمسَّكي بوظيفتكِ الحاليَّة، فالواقع يتطلَّب ذلك إن كنتِ حريصة على عدم البقاء بلا وظيفة، لكن هذا لا يمنع من الاستمرار في رحلة البحث عن عمل وأنتِ في مكان عملكِ، حتى يكتب الله لكِ ما فيه خيرٌ لكِ، حيث بيَّنَتْ بعض الدراسات النفسية الغربية وجود علاقة ارتباطيَّة بين الوَفَيَات المبكِّرة والأعمال المملَّة، والأعمار بيد الله بكلِّ تأكيد، متَّعكِ الله بالصحة والعافية، والسعادة والرضا. يجب أن تُدرِكي أن بقاءكِ في مكان عملكِ ليس عذرًا لتتوقَّفي عن تطوير ذاتكِ ومهاراتكِ بنفسكِ عبر الإنترنت، أو من خلال الالتحاق بالدورات التي لا يتعارَض وقتها مع وقت عملكِ، فالأمر مُتاح خصوصًا وأن مُدَّة الدورات لا تتجاوَز بضعة أسابيع أو أشهر، كما أن الإنترنت غير محدَّد بوقت. أمَّا عن استكمالكِ الدراسة، فهل قصدت بها الدراسات العُليَا؟ برأيي لا حاجة لكِ فيها الآن؛ لأن تخصُّصكِ عملي تطبيقي، والاستفادة منه تَكمُن في العمل به، وليس في المزيد من طلب العلم غير المستفاد منه، ثم متى تمكَّنتِ من تخصُّصكِ عبر التطبيق واكتساب الخبرة، يمكنكِ بعد ذلك استكمال دراستكِ، والأمر إليكِ، فاستَخِيري الله كما استشرتِ، ولن يخيِّبكِ الله، إن خاب أملكِ فيما أكتبه لكِ عبر هذه السطور. بالنسبة لكتابة هذه التجربة مُستقبَلاً في صفحة سيرتكِ الذاتية، فاكتُبِيها حسب المدَّة الزمنية التي قضيتِها من عمركِ، بغضِّ النظر عن مدى استفادتكِ منها؛ لأننا إن قسنا الفوائد المُجتَناة بصفة عامَّة من تجاربنا العمليَّة والعلميَّة، فإننا في الواقع لن نكتب شيئًا يُذكَر! لتكن الجنَّة المقصد الأوَّل والأخير في اختيارنا لأعمالنا؛ لكي نرثها بما كُنَّا نعمل، ولو كان هذا العمل مُتعِبًا أو مُمِلاًّ.