يبدو أن سيناريو الندرة والمضاربة التي طالت مادة حديد الخرسانة والتسليح خلال النصف الثاني من العام 2007 وسنة 2008 كاملة عاد من جديد من خلال المؤشرات والمعطيات التي استقيناها من مختلف نقاط البيع في الولايات الوسطى، توحي بأن أسعار المادة الأساسية الثانية في مشاريع الإنشاء والبناء بعد مادة الاسمنت ستعاود الصعود مجددا بعد فترة استقرار ميزت العام المنصرم 2009. ويتوقع مراقبو السوق أن تقفز أسعار الحديد بما يتراوح ما بين 20 إلى 40 بالمائة للقنطار الواحد، فبعد السقف الخيالي الذي بلغته نهاية العام 2007 ومطلع 2008 عندما تجاوز السعر سقف 1200 دج للقنطار الواحد، يبدو أن السيناريو سيتكرر هذا العام وربما سيمتد الغلاء خلال السنوات الثلاث والأربع المقبلة بالنظر الى العديد من المعطيات ليس الداخلية فحسب، بل مقترن أيضا بالمقاربات السعرية للحديد الخام في كبريات البورصات العالمية مع تسجيل مخاوف من امتداد الارتفاعات إلى خامات أخرى، الأمر الذي سيكبح من جديد وتيرة انجاز مشاريع وورشات المخطط التنموي الثالث 2010 2014 بعد التأخر الذي سجلته العديد من الورشات، سيما المشاريع السكنية منها ولنفس الأسباب خلال المخطط التنموي الثاني 2004 2009 الى درجة أن أعلنت العديد من الورشات عن التوقف الاضطراري عن العمل وتلويح العديد من النقابات والهيئات الناشطة في قطاع البناء والتعمير بتجميد نشاطهم، مطالبين الدولة بالتدخل لضبط الأمور لأن واقع الندرة لدى عموم شركات المقاولة هو من صنيع لوبيات المضاربة والاحتكار التي أصبحت تتحكم في السوق وتتلاعب بالأسعار، مثلما يحلو لها عبر الوسطاء. ومعلوم أن الجزائر تستورد قرابة 70 بالمائة من حاجياتها من الحديد من دول شرق أوروبا وخصوصا أوكرانيا، بينما تنتج محليا 30 بالمائة والواقع أن الطلب المحلي سجل بدوره قفزة كبيرة خلال العشرية الماضية، حيث ارتفع الطلب ما بين 100 بالمائة سنة 2000 إلى 200 بالمائة سنة 2008 وسيرتفع أكثر الى حدود 300 بالمائة في غضون السنوات الثلاث المقبلة بحسب مراقبي السوق بالنظر الى حجم الورشات والمشاريع المسطرة، خصوصا في مجال السكن والبنى التحتية والمنشآت الفنية الكبرى على غرار ميترو الجزائر وترامواي العاصمة وقسنطينة ووهران والطريق السريع شرق غرب الذي يستهلك سنويا كميات معتبرة من الحديد. ويعيب الاخصائيون غياب مشاريع التدوير والرسكلة في الجزائر التي أصبحت تعتمد عليها العديد من الاقتصاديات الناشئة من أجل ضمان كميات اضافية من الحديد، وقد اثبتت العديد من التجارب نجاعة هذا المسعى مثل ما هو حاصل في تونس وتركيا وبعض البلدان جنوب آسيا التي تعتمد على تدوير النفايات الحديدية واستغلالها من جديد.