بدأ المحور الجديد الذي تقوده الجزائر وقطر، يتشكّل منذ أن طالبت الجزائر بتدوير مقر الجامعة العربية قبل سنتين، ليتعزز هذا المطلب وتكبر القناعة به عند أكثر من طرف عربي بعد الفشل الذريع في تسيير الكثير من الملفات العربية من طرف الجامعة العربية، التي تتحكم في تسييرها مصر، خاصة ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية، لدرجة أن هذه الجامعة صارت تعمل ضد المصالح العربية في عدة قضايا وأهملت ملفات عربية هامة، وعلى رأسها الملف الصومالي الذي نسته هذه الجامعة تماما، بل حتى الدول العربية الصغيرة ضاقت ذرعا بالتهميش الممارس من طرف الجامعة التي صارت مصرية خالصة، هذا ما جعل حاكم "جزر القمر" يخرج عن صمته ويوجه انتقادا للجامعة العربية التي أهملت بلاده، ولا تحتاجها سوى في القمم العربية للموافقة على القرارات التي تخدم أطرافا تخدم ضد المصالح العربية. مما لا شك فيه، أن مصر فقدت كل أوراقها التي تجعلها تلعب دورا محوريا في المنطقة، بعدما لم تعد سوى "شاويش" مساعد للبوليس الممثل في دولة إسرائيل. وفي هذا الصدد، يرى الأستاذ الجامعي محمد لعقاب المختص في العلاقة الدولية والعلوم السياسية أن القمة العربية التي تجري أشغالها في الجماهريية الليبية ستشكّل منعرجا في ما يخص وضع الجامعة العربية وتفتح الباب أمام تشكّل محور عربي جديد يتشكّل من الدول المغاربية بقيادة الجزائر وقطر، التي ستقنع عدة أطراف بضرورة تطبيق وجهة النظر الجزائرية في ما يخص تدوير الجامعة العربية من أجل تفعيل كل القضايا العربية ومعالجة ملفات أخرى عربية لم تتطرق لها الجامعة ولم تعطها أهمية، حيث سيكون بإمكان لبنان الانضمام إلى المحور الجديد، إضافة إلى دول جزر القمر ودول أخرى، ترى أن الجامعة العربية بشكلها الحالي لم تعد تخدم القضايا العربية. أما الدكتور عبد العالي رزاڤي، الأستاذ بمعهد الإعلام والإتصال، فيرى أنه لا ضرورة من تدوير الجامعة العربية، لأنّ ذلك يتطلّب تخصيص أغلفة مالية كبيرة لكل دولة، موضحا أنه يكفي أن يكون للجامعة العربية مقر ثابت في أي دولة عربية، لكنه اعترض على صيغة الأمين العام التي تسير بها الجامعة حاليا، مطالبا بقانون جديد وتفعيل الجامعة، مع انتخاب أمين عام للجامعة بشكل دوري، رافضا أن تكون رئاسة الجامعة لمصر فقط. ويضيف رزاڤي أن الجامعة العربية بشكلها الحالي فقدت دورها في حل مشاكل الدول، مشيرا بذلك إلى دولة الصومال التي صارت منسية لدى الجامعة. وفي الوقت ذاته، كشف رزاڤي أن الجامعة العربية لن تحقق شيئا، سواء تغير النظام الداخلي بها وتم تدويرها وانتخاب الرؤساء بها ما دامت الأنظمة العربية تسير بنفس الوتيرة، معتبرا أن الرهان الحقيقي هو على تغير في الأنظمة العربية وبسط المزيد من الحرية والديمقراطية، وبالتالي الإصلاح داخل الجامعة يكون آليا. كل الأساتذة المختصون في العلاقات السياسية والعلاقات الدولية الذين استطلعنا وجهة نظرهم حول هذا الملف، أجمعوا على أن وجود الجامعة العربية في مصر صار يثقل الدول العربية، سواء من الناحية المالية أو من الناحية السياسية، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا حين أكدوا على أن مصر تريد باستبقاء الجامعة في عقر دارها مع رؤساء مصريين، التأكيد على أن العرب لا يوجد لديهم كفاءات، في حين رأى البعض أنه يتوجب تنصيب أمين عام للجامعة العربية بإجماع عربي وعن طريق الانتخاب. وفي هذا الجانب، أكد لعقاب أنه يوجد كفاءات لبنانية ورجال سياسة لهم باعهم في السياسة يمكن أن يترأسوا الجماعة العربية، كما أشاد أيضا بالشخصيات السعودية وعلى رأسها زكي اليماني. وأمام هذا، توجد وجوه عربية أخرى لعبت دورا بارزا ليس على المستوى العربي فقط، بل على المستوى العالمي، كما هو الشأن للمبعوث الأممي السابق الجزائري الأخضر الإيراهيمي، فضلا عن سياسيين آخرين في كل المنطقة العربية. الظاهر أن مصر تستبق الأحداث وتحاول كسب أصوات انتخابية من أعماق الشعب المصري الذي ضاق ذرعا بنظام لم يعد فيه ما يصلح، ولأن نظام مبارك لم يقدم شيئا في الداخل، راح يبحث عن شرعية مفقودة من خلال الخارج، مستعملا الجامعة العربية والدفاع عن بقائها أبدية في مصر لجلب تعاطف الشعب المصري والالتفاف حول هذا النظام الذي فقد مصداقيته. إلا أن تصريح وزير خارجية مصر، جاء بشكل غير مدروس وبانفعال زائد، فالتصريح بأن الجامعة العربية ستظل إلى الأبد في مصر، لا يدل سوى على إفلاس النظام المصري الذي وجد نفسه بين سندان الداخل ومطرقة الدول العربية. وعليه، فإن القمة العربية ستفتح الباب على مصراعيه للنقاش في مستقبل الجامعة العربية، وربما ستتوصل إلى حل وسط يحفظ لمصر ماء الوجه، وفي الوقت نفسه يسمح للعرب بالحفاظ على مصالحهم بعيدا عن المصالح الغربية.