مرّت ببالي صورة أحد الأصدقاء، من الذين يهوون من الحياة الطبيعية هدوءها وهو يمتزج بأحلامه، يود لو أن الإنسان، هذا العنصر المشاغب، كما يسميه، يستسلم لقانون الطبيعة ويترك الأمور تسير وفقه، دون تدخل منه، حتى تكون الحياة أجمل، تليق أن تحيا، ولكن ما باليد حيلة، فالإنسان بطبعه مشاغب، لا يستقر على حال، فمنذ أن يولد وهو يناوش الطبيعة ولا يتركها تهنأ. تلك نظرته، وكان يسعى ما وسعه السعي، أن يعيش على طريقته، إلا أن "المشاغبين من أبنائه ومجمل أفراد أسرته الكبيرة، الذين يحيطون به، لا يشاطرونه فكرته، خاصة ما يتعلق بالهدوء، فهم كلهم، كما أعرفهم، مناصرون للحركة، ولا يؤمنون بالسكون، حتى أحاديثهم صخب، تسمعهم يتناولون أمرا بالحديث، فتخالهم يتصارعون، كم من مرة كرر علي قوله بشأنهم: لا! ما هؤلاء بأولادي، ولا أنا منهم! قلت، مرت صورته ببالي دون سابق إنذار، فرحت دون تفكير أغير وجهتي، قاصدا إياه في خلوته المعتادة، فصادفت أو صادفني ابنه الأصغر الذي يبلغ من العمر اثنا عشرة ربيعا، فسألته عن والده، فقال: جئتك قاصدا.. فقاطعته في الحال وأنا أتوجس خيفة من مكروه يسمعني إياه، فقلت له: خيرا إن شاء الله! فواصل كلامه قائلا:.. جئتك لتساعدنا .. فأبي استحوذ على كل أجهزة الراديو والتلفزيون الموجودة في البيت وأحكم الإغلاق عليها... فهمت مراد الصبي، وفرحت معه أفك أسر الأجهزة التي سجنها اتقاء "شر" المونديال وما يجره من ويلات عليه. لا تسألوني كيف أقنعت صديقي بالعدول عن تجريم مصدر الشغب الذي ينغص حياته، فقد وعدته أن نذهب في رحلة استكشافية في أدغال جرجرة، نقضي أياما في أحضان الطبيعة ونعيش معها ووفق قانونها.