العاصمة لم تعد تتحمل أكثر، ضاقت ذرعا بما يتحرك فوقها من دواب، تكاد تصيح :"أن أنقذوني من هذا العبء الذي أنقض ظهري! فالقصبة الملتحمة تقلصت وتقوقعت، حاصرتها المدينة الاستعمارية بشوارعها الأكثر اتساعا، والمدينة الاستعمارية بدورها، خنقت أنفاسها التكدسات السكنية الفوضوية التي صاحبت الاستقلال. وأنت قادم من الشرق، ترى العاصمة تبدأ من "الثنية" التي تبعد عن القصبة، المدينة الأم، بحوالي خمسين كيلومترا، وإن دخلت إليها من الغرب، فإنها تبدأ من تيبازا التي تبعد عن المركز بحوالي ثمانين كيلومترا، وإما إذا جئتها من الجنوب، فإنها تبدأ من البليدة، التي تبعد عنها بحوالي خمسين كيلومترا. الأرض التي كانت حقولا ومزارع للخضر والفواكه والحبوب، صارت كلها حقولا للإسمنت المسلح ، تنمو هناك وهناك، كالفطريات، بلا نظام، عبر عنها الرئيس الأسبق" الشاذلي بن جديد" ، يوم طافت به الحوامة على سهول متيجة بقوله:" كارثة". هذا الاختناق الكارثة زاده اختناقا، تمركز المستثمرين القوي، في مختلف المجالات بهذه المنطقة. فحركة العربات الثقيلة والخفيفة، التي تفد إليها، وحدها فقط، تقتل كل حياة، فإذا أضفنا إليها حركة المطار والسكة الحديد، وحركة الميناء.. فإنك لن تجد ما تصف به الوضع الذي تتحمله المدينة التي بنيت لخمسين ألفا، فأصبحت تحمل ضغط نصف سكان الجزائر! سوى تعبير المثل القائل: "سيدي مليح زاد لو الهوا و الريح". مشاريع لفك الاختناق نراها قيد الإنجاز، مثل الميترو الذي يراوح مكانه منذ عشرين سنة، والطرقات السريعة التي تشابكت بما زاد من تعقد الحركة، والترامواي، الذي يستحوذ على ما خلفته البناءات الفوضوية من فضاء، بل ينهش من المسالك التي كانت في أصلها لا تحمل ما يتدفق عليها يوميا من العربات والخلائق.. هل بهذه المشاريع، وبوتيرة إنجازها يمكن للمدينة أن تخرج من غيبوبتها، وتعود إليها الحياة يوما ما؟ ولكن بقي البحر، يقول القائل.. المتنفس الوحيد الذي لم يصل إليه الخناق.. فهل هو الحل؟