علمت "الأمة العربية" من مصادر مطلعة من طب العمل بولاية الشلف، بتفاقم ظاهرة استغلال الأطفال وإقحامهم في عالم الشغل، مما بات ينذر بالمخاطر ما دامت الظاهرة قد أخذت أبعادا مهوّلة ساهمت في ارتفاع نسبة التسرب المدرسي وتنوع أشكال الجريمة، التي يجد فيها الطفل نفسه إما ضحية أو متهما؟! وما الإحصائيات التي أعدتها مصالح الدرك الوطني خلال السنة المنصرمة، إلا دليلا قاطعا على تورط المئات من القصر في الجرائم. وفي هذا الشأن، ذكرت مصادر مطلعة ل "الأمة لعربية" أنه تم تسجيل نهاية السنة الماضية أكثر من 150 قاصر تم تحويلهم إلى مراكز إعادة التربية بولاية الشلف، والسبب يعود لتورطهم في أعمال العنف واستهلاك وحيازة المخدرات والسرقة والتسول. يتواجد بمركز إعادة التربية لولاية الشلف ما يقارب 70 نزيلا، جلهم تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 16 سنة، وضعوا في فخ السرقة وتعاطي المخدرات، في حين تم العثور على البعض منهم يفترشون الشارع بعدما فضلوا عالم التشرد على العيش في ظروف مزرية رفقة عائلاتهم. كما عرفت ولاية الشلف خلال السنوات الأخيرة، توافدا لأعداد هائلة من الأطفال على شوارعها، طارقين أبواب الاسترزاق المختلفة، حيث يكثر عددهم في الأسواق تجدهم يحملون أكياسا ومنهم من يبيع أدوات منزلية، في حين البعض منهم يجدون معونة الكبار، فيتوجهون بهم إلى المزابل للنبش فيها علهم يعثرون على أغراض صالحة للبيع لتجار البلاستيك أو الحديد. والمدهش في الأمر، أن هؤلاء "الملائكة" المتمردين هم من فضّل مقاطعة مقاعد الدراسة والتوجه إلى عالم الشغل والاستغلال بصفة يعتبرها الكبار دائمة، فيما كانوا في السابق يستغلون العطل المدرسية لمزاحمة الكبار عبر الأسواق. * 96٪ من الأطفال المشردين لم يندموا على ترك الدراسة أكدت مصالح مفتشية العمل أن 96٪ من الأطفال الذين تم استجوابهم أثناء تأدية نشاطاتهم اليومية المرهقة، لم يندموا على مغادرتهم مقاعد الدراسة كون أغلبهم ينحدرون من أسر معوزة لا تستطيع توفير حاجياتهم الضرورية التي يعتمدون عليها خلال الفترة الدراسية، وهي أسباب ساهمت بدورها بقسط كبير في مغادرة المئات إن لم نقل الآلاف من التلاميذ الذين لم يتعدوا سن 17 سنة مقاعد الدراسة، مفضلين العمل وكسب القوت اليومي رغم المخاطر الكبيرة التي أضحت تهدد سلامة الكثير منهم، كما جاء في الحديث الذي أفادنا به البعض من الأخصائيين، حيث أن أكثر المتعرضين للأمراض هم الأطفال الذين يصابون بأمراض مختلفة مثل الأمراض الجلدية الخطيرة كفطريات والطفح الجلدي، ناهيك عن مرض الربو. وفي ذات السياق، ذكرت بعض المصادر المقربة من مديرية البيئة أنه تم العثور على في عدة المرات على أطفال ملتفين حول المزابل العمومية، رغم أن هناك قوانين تمنع حرق أكوام القمامات، إلا أن عمال مصالح البلدية المكلفة بحمل القمامة لا يزالون يساهمون في تلويث المحيط، ومن خلال هذه الإفرازات السامة تظل سلامة الأطفال في خطر ويعتبرون هذه الشريحة من الأطفال المدمنين على نبش القمامات على كف عفريت، كما أن البعض منهم سلكوا درب جامعي مادة البلاستيك والحديد أين أصبحوا بمرور الوقت يتحوّلون إلى عصابات تحترف السرقة مثلما حدث آخر مرة للصوص البلوعات والأغطية السفلى للأعمدة الكهربائية، فضلا عن بعض لافتات وإشارات المرور، كلما سمحت لهم الفرصة مادام هناك من يسخّر هؤلاء الأطفال للاستثمار في مثل هذه المسروقات نظرا لانخفاض تكلفة شرائها. * مصالح الأمن توقف 60 طفلا بتهمة السرقة كما أفادتنا مصادر أمنية أن هناك تجارا يعتمدون على أطفال قصر خلال عملياتهم التخريبية، وقد أفادتنا بأنه تم توقيف أكثر من 60 قاصرا كلهم متورطون في عمليات السرقة مماثلة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يجب تسليط الأضواء على مخلفات هذه الظاهرة التي ساعدت بشكل كبير في تورط عدة أطفال قصر في جرائم القتل وجنايات الضرب والجرح العمدي، ما دام أغلبهم يملكون أسلحة بيضاء للدفاع عن أنفسهم، خاصة مع أوقات عملهم، التي غالبا ما تكون بين الساعات الأولى من الليل إلى غاية شروق الشمس، في حين يبقى القصر والأطفال عرضة لأخطار أخرى كالاعتداءات الجنسية والتحرش من قبل الكبار الذين يغتنمون فرصة تدهور حالتهم المعيشية وضعف أجسامهم ليمارسوا عليهم كل أنواع الجنس، حيث أثبتت تقارير رسمية أعدتها مصالح الطب الشرعي أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال بولاية الشلف بلغت في السنة المنصرمة 2008 إلى غاية شهر فبراير من العام الجاري إلى 330 ضحية، تعرضت للممارسات الجنسية بطرق متفاوتة، فيما بلغ عدد المتوفين في هذه الاعتداءات قرابة 180 وفاة، وهذا خلال نفس الفترة. كما أن هناك أطفالا سلكوا طريق التسول، حيث كشفت ل "الأمة العربية" تقارير الهلال الأحمر الجزائري الكائن مقرها بحي بن سونة بولاية الشلف في إطار مكافحة ظاهرة التسول بالأطفال، عن تورط 4 متسولات ورجلين في كراء البراءة من خلال استغلال فقر البعض منهم، حيث سيقوم الهلال الأحمر مرفوقا بمصالح القوة العمومية وممثل الجهات القضائية، بتحويلهم إلى العدالة وتحرير محاضر ضدهم. وفي الشأن ذاته، تمكنت الهيئة سالفة الذكر من جمع 20 شخصا من دون مأوى خلال نهاية العام المنصرم وتحويلهم إلى مركز ديار الرحمة ومركز الطفولة المسعفة بتنس، فضلا عن تحويل شخصين آخرين إلى مستشفى الأمراض العقلية بالبليدة. كما يجري الهلال الأحمر في الإطار نفسه، محادثات جادة وهامة مع إدارة مركز الطفولة المسعفة قصد التكفل بعلاج الأطفال المدمنين على المخدرات وإبقائهم تحت الرقابة الطبية والنفسية، لتمكينهم من التخلص من تأثير هذا المرض الذي يفتك بأجسادهم وعقولهم، وبالتالي محاولة إعادة إدماجهم في المجتمع، أين تعكف لجنة الخدمات الاجتماعية على تحضير المناخ المناسب للقضاء على العوامل التي جعلت منهم منحرفين والدافع الأساسي لانحرافهم. كما تعتبر البطالة والتسرب المدرسي، السببين الرئيسيين لاتخاذ الشارع مقرهم الوحيد والذي يعتبر من العوامل الرئيسية في ضياع العشرات، بل المئات من الأبرياء وتحوّلهم إلى عالم الانحراف. كما ستتم مساعدتهم حسب نفس المصادر على إنشاء مؤسسات مصغرة تمكنهم من الابتعاد عن رفقاء السوء والكف عن تعاطي مختلف السموم. * استفحال ظاهرة التسوّل أشار رئيس الهلال الأحمر الجزائري، بالتنسيق مع السلطات المحلية، إلى أنها عازمة على القضاء على هذه الظاهرة ومحاربتها إلى النهاية، بالنظر إلى أن السواد الأعظم من المتسولين باتوا يلجأون إليها ظنا منهم أنها الحل الذي يسهل عليهم الكسب السريع والمريح، حتى أن البعض منهم بات يتفنن في اختراع الحيل للنيل من قلوب الناس، لدرجة أن بعضهم أضحى يدعي الإعاقة وحتى العمى لتحريك مشاعر المواطنين، كل هذا بسبب الحالة المزرية التي وصلت إليها ولاية الشلف وتدهور حياة الأطفال بها، إما بسبب البطالة أو المشاكل العائلية، مما يوحي بالأوضاع الكارثية التي يعيشها بعض المواطنين، الذين تراهم يتمركزون بشكل كبير في الممرات بملابس رثة تثير الشفقة، أو بعضهم تجدهم مستلقين على قارعات الطرقات طالبين الصدقة من كل مار عليهم، وفي بعض الأحيان يكون هؤلاء من ذوي الحاجة الذين دفعتهم حالتهم الاجتماعية إلى ممارسة أعمال تتنافى مع حياتهم الحقيقية. اقترب "الأمة العربية" من إحدى المتسولات وهي امرأة محاطة بأربعة أطفال، يشحذون قرب المسجد العتيق وسط ولاية الشلف، حيث كان الأطفال الأربعة يتضورون جوعا أكبرهم لا يتجاوز العاشرة وأصغرهم عمره سنة ونصف السنة، حيث أكدت لنا الأم بأنها هربت من بيت الزوجية أين كابدت المعاناة التي كانت تعيشها رفقة زوجها أبو أولادها، وبما أنها يتيمة حسب ما سردت لنا، لم تجد مكانا آخر تلجأ إليه غير المسجد، حيث تقول إنها عاشت الويلات رفقته إلى حين أضحى يمارس عليها شتى أنواع العذاب، مما جعلها تهرب من البيت رفقة أولادها، لتجد نفسها تفترش الطريق وتقول أن كل الأيام عندها سواء، حيث لا تعلم السبت من الجمعة، لأنها تتجول من مكان إلى آخر لتعود في النهاية إلى باب المسجد. وتقول ذات المتحدثة إنها ليست الوحيدة، بل هناك أخريات، الفقر هو من دفع بهن إلى ممارسة التسول والحڤرة أكبر شيء تعاني منه الفتاة الجزائرية، خاصة عند طلاقهن. كما أشارت ذات المتحدثة إلى أن الوضع يحرجها، كونها امرأة تتعرض للذل والإهانة من قبل بعض الشباب الذين لا يقدّرون ظروف المتسول، امرأة كانت أو طفلا، ولا يراعون أوضاعه الاجتماعية والنفسية، وهذا هو الشيء الذي جعل الآباء لا يفهمون أبناءهم متسببين في هروبهم من البيت، ليجدوا الشارع حاضنهم.