أكد المشاركون في الملتقى الدولي "انريكوماتيي وحرب التحرير الوطني" أول أمس بالجزائر العاصمة أن انريكوماتيي المدير الأسبق للمؤسسة الوطنية الإيطالية للمحروقات قدم إسهاما "جوهريا" في استراتيجية الوفد الجزائري خلال مفاوضات ايفيان. وفي مداخلته أكد دحوولد قابلية إطار سابق بوزارة التسليح والعلاقات العامة ووزير الداخلة والجماعات المحلية حاليا أن "الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية دعت آنذاك هذه الشخصية الإيطالية المعروفة بمواقفها المناهضة للاستعمار إلى تقديم دعمها في الطريقة التي تتم بها تنظيم المفاوضات لا سيما فيما يتعلق بملف البترول". وأكد في هذا السياق أن المفاوضين الجزائريين نجحوا بفضل التوضيحات التي قدمها انريكوماتيي في تحديد رهان مفاوضات إيفيان لا سيما في ما يتعلق بسيادة الجزائر على أراضيها وباطن أراضي الصحراء. واعتبر ولد قابلية أن مواقف ماتيي حول ملف البترول الجزائري كلفته حياته. واعتبر ولد قابلية أن أطروحة اغتياله من قبل المخابرات الفرنسية "هي الأقرب للواقع"، مؤكدا أنها (مصالح المخابرات) "لم تكن تتوانى في القضاء على أي شخص يعارض مصالحها".
ومن جهته تأسف رضا مالك رئيس الحكومة الأسبق والمتحدث باسم الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان لكون "صديق الجزائر هذا لم يشهد الجزائر المستقلة". وأشار إلى أن ماتيي كان يمتلك أفكارا إبداعية في مجال العلاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول. وأوضح رضا مالك انه في الوقت الذي كانت فيه "قواعد اللعبة" خلال سنوات 1950-1960 تمليها الشركات متعددة الجنسيات في المجال البترولي فإن انريكو ماتيي كان يحمل رؤية جديدة تتمثل في: تحديد فوائد الشركات متعددة الجنسيات بنسبة 25 بالمائة وتخصيص باقي الهامش (75 بالمائة) للبلدان المنتجة. من جانبه ذكر محمد خلادي مدير سابق لمصلحة التوثيق والبحث التابعة لوزارة التسليح والاتصالات العامة بمساهمة ماتيي في المقاومة ضد المحتل النازي في إيطاليا مضيفا إنه كان من بين القادة الخمسة لهذه المقاومة. وأضاف يقول أن التزام ماتيي للثورة الجزائرية كان "صادقا".كما كان ماتيي قد مول عديد الصحف الإيطالية المساندة للثورة الجزائرية والتكفل بتنقلات قادة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في إيطاليا. وأكد خلادي "أنه قد وفر للحكومة المؤقتة للحكومة الجزائرية جميع الملفات الخاصة بحقول البترول في الجنوب الجزائري التي بحوزة المؤسسة العمومية الإيطالية للمحروقات".
أما برونا بنياتوأستاذة التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة فلورنسا فقد أشارت لدى تدخلها حول موضوع "إيطاليا والمسألة الجزائرية" إلى أن دعم إيطاليا للثورة الجزائرية قد بدأ سنة 1955-1956 مرجعة هذا الالتزام إلى خيبة أمل الإيطاليين جراء الأحداث المأساوية لمعركة الجزائر وفشل سياسة حكومة غي موليه في الجزائر.كما أبرزت في ذات السياق الدور الذي لعبه ماتيي بصفته مسؤول اقتصادي في تغيير موقف المسؤولين السياسيين الإيطاليين حول مسألة الاستعمار في الجزائر. وبخصوص الهدف المرجو من تنظيم هذا الملتقى فقد أوضح سفير إيطاليا بالجزائر جيان باولوكانتيني في مداخلته الافتتاحية بأن إيطاليا تأمل المساهمة في كتابة صفحة من صفحات تاريخ الجزائر المعاصرة وتعريف الأجيال الجديدة بشخصية انريكو ماتيي. جدير بالذكر أنه توفي شهرين بعد استقلال الجزائر في حادث تحطم طائرة في ظروف غامضة ولم يتم لحد اليوم الكشف عن ملابسات وفاته.
صالح بوعكوير ومساهمته في الثورة
من جهة أخرى، خصص حيز معتبر خلال هذه الندوة لإسهامات المدير العام السابق للشؤون الاقتصادية والتصنيع للحكومة العامة الفرنسية بالجزائر صالح بوعكوير، خلال الخمسينات، حيث كشف ولد قابلية أن المعني قدم مساهمته لوزارة التسليح والاتصالات العامة خلال الحرب التحريرية. وأوضح ولد قابلية على هامش أشغال ملتقى دولي تحت شعار "انريكو ماتيي والجزائر" أن "موقف وزارة التسليح والاتصالات العامة واضح. صالح بوعكوير قدم مساهمته للثورة واغتيل لهذا السبب". وبعد أن أشار إلى العلاقة بين الموت الغامض لأنريكو ماتيي في أكتوبر 1962 إثر تحطم طائرة واغتيال صالح بوعكوير في سبتمبر 1961 ذكر نفس المتحدث بأن ذلك جعل يوحي بأن الرجلين اغتيلا لدورهما بخصوص ملف المحروقات خلال مفاوضات إيفيان التي توجت باستقلال الجزائر. وعن سؤال عن مساهمة بوعكوير في الثورة الجزائرية أكد علي شريف ديروة أحد قدماء ضباط وزارة التسليح والاتصالات العامة أن صالح بوعكوير قدم إسهامه للثورة وكان قد التقى في نيودلهي بفرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وبعد أن ذكر بمناقب صالح بوعكوير أوضح نفس المتحدث بأن هذا الأخير "وبعد لقائه بفرحات عباس سنة 1959 أكد استعداده لخدمة الحكومة المؤقتة والثورة الجزائرية". وأضاف قائلا "أؤكد أن صالح بوعكوير ساعد الثورة الجزائرية ابتداء من سنة 1959". من جهته أكد أحد قدماء ضباط وزارة التسليح والاتصالات العامة جعفر سكينازن مساهمة صالح بوعكوير في الثورة، مشيرا إلى أن هذا الأخير وانطلاقا من كونه مسؤولا بالحكومة الفرنسية بالجزائر كان يسرب نسخا من الملفات التي كانت بحوزته لصالح الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وذكر على سبيل المثال بملف مشروع قسنطينة بالإضافة إلى المعلومات التي كان يوصلها لقادة الثورة حول السياسة الفرنسية حول المحروقات وهوما كلفه الاغتيال وكان صالح بوعكوير قد توفي "غرقا" في ظروف غامضة في سبتمبر 1961 حيث تم تحميل منظمة الجيش السري آنذاك مسؤولية الاغتيال.