شهدت وزارة الداخلية المصرية، أمس، أكبر حركة تغييرات في تاريخها وهي الحركة السنوية الدورية التي اعتاد عليها ضباط الشرطة، الا أن الحركة كانت هذه السنة بشكل مختلف عما سبقها لكونها، تزامنت مع ارتفاع مطالب المعتصمين المرابطين في ميدان التحرير في وسط القاهرة. وعقد وزير الداخلية المصريّ منصور العيسوي، أمس، مؤتمر صحفي، كشف فيه عن حركة الضباط في وزارة الداخلية، التي تشمل المئات من الضباط من المناصب المختلفة، حيث شملت العديد من الترقيات، وفي الوقت نفسه إحالة عدد كبير من الضباط الى التقاعد، لاسيما الضباط الذين اشتهروا بسوء السمعة خلال النظام البائد. وبحسب مصادر اعلامية مصرية، فان الوزارة التي تشهد حالة من الاحتقان لا يخفى على أحد أنّ وزيرها منصور العيسوي يجتاز اختبارًا حاسمًا بين تنفيذ تعليمات رئيس الوزراء عصام شرف، الذي بات من المؤكد أنه في طريقه للإطاحة به من منصبه في التعديل الوزاري المزمع خلال أيام، وبين تنفيذ القانون والحفاظ على اسم وسمعة الوزارة التي باتت الأسوء في نظر غالبية المصريين لاستمرار القائمين عليها في اتباع سياسات القمع طوال السنوات الماضية. وأضافت المصادر، أن العيسوي الذي أعلن رفضه لقرار شرف إنهاء خدمة الضباط المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين خلال الثورة التزامًا منه بالقانون وبأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومن ثم يجب تطبيق هذا المبدأ على ضباط وزارة الداخلية، عقد اجتماعات عدة حتى الساعات الأولى من الصباح لاعتماد اسماء الضباط الذين شملتهم الحركة. والحركة التي أعلنها العيسوي، والتي ربما تكون آخر قراراته الحاسمة في الوزارة، انتظرها جميع ضباط وزارة الداخلية في مختلف انحاء الجمهورية، لاسيما في ظل ما تردد عن نقل العديد من أماكن عملهم الى أماكن أخرى، في إطار سعي الشرطة إلى تحسين صورتها أمام الرأي العام وفتح صفحة جديدة بعد ثورة 25 جانفي الماضي. وعلى الرغم من ان الحركة دورية، تتم في مثل هذا التوقيت كل عام، إلا أن الوزارة تشهد حالة من الانقسام لاسيما في ظل إعلان عدد من الضباط عن اعتزامهم الدخول في عصيان مدني حال خروج زملائهم من الخدمة لكونهم قاموا بالدفاع عن اقسام الشرطة من الاقتحام وحاولوا التصدي الي البلطجية الذين قاموا باقتحامها مستغلين حالة الضعف الامني خلال الثورة. ويهدد الضباط الرافضون قرار رئيس الوزراء بالعصيان، معتبرين ان وزارة الداخلية ليست الجهة التي يمكنه الإساءة إليها من أجل إرضاء المعتصمين في ميدان التحرير، مؤكدين على ان القرارات لابد ان تكون شرعية، ومستمدة من القانون الذي يتم تطبيقه على الجميع. ومن المتوقع وفقا للتسريبات الإعلامية ان يتم الاستغناء عن عدد كبير من قيادات جهاز امن الدولة المنحل، وان يتم ترقية عدد من الضباط الشباب المتميزين، وان يتم خروج اللواءات الذين بلغوا السن القانونية للمعاش بشكل مشرف حفاظا على هيبتهم وعلى مكانتهم الاجتماعية. وقال الخبير الأمني محمد حلمي لوسائل الاعلام، إن تغيير قيادات وزارة الداخلية لا يقتصر على نقل الضباط من أماكن خدمتهم إلى أماكن أخرى، لاسيما وان شباب الثورة سيظلوا يطاردون المنقولين الى أماكن أخرى من خلال ملاحقتهم عبر صفحات فايسبوك. وأشار حلمي الى ضرورة تغيير الوجوه القديمة الموجودة في مقر وزارة الداخلية لتجديد دماء الوزارة، إضافة إلى خروج الضباط المشتهرين بالفساد وعدم نقلهم الى أماكن أخرى، لأن النقل لن يكون حلاً، لاسيما وانه سبق تجريبه في السويس، وأثبتت التجربة فشلها. وذكر ان التهديد بالعصيان المدني امر منطقي من ضباط الشرطة، الذين باتوا يرون ان الدولة تريد ان تضحي بزملائهم من أجل إرضاء الجماهير، مشيرًا في الوقت نفسه الي خطورة الوضع حال عدم تحقيق الحركة العدالة بين الضباط واستبعاد الضباط المتهمين بإطلاق الرصاص فحسب، وليس المدافعين عن الأقسام والسجون. وأشار حلمي في الوقت نفسه إلى أن المجلس الأعلى للشرطة مطالب بقرارات حاسمة وبتكليف ضباط لتولي الدفاع عن الضباط المتهمين في القضايا على اعتبار انهم ابناء الوزارة، وكانوا يدافعون عن منشآتها، مؤكدًا ان قرار وزير الداخلية منصور العيسوي إعمال القانون ساهم في تخفيف الضغط على الضباط. ولفت الى ان الضباط يتعرضون لضغوط شديدة، سواء اسريًا او اجتماعيًا، وهو ما ينعكس على أدائهم بالسلب، إضافة إلى رفض الغالبية العظمى من المواطنين الاستجابة الى مطالب رجال الشرطة في موقفهم، وهو ما يتطلب إعادة تأهيلهم نفسًيا والعمل على رفع روحهم المعنوية.