يعكف عبد العزيز بلخادم على الوقوف على نظريات كبار المفكرين والكتاب، في تقصيه الواقع العربي اليوم وما يحدث من ثورات، ويأتي كتاب المفكر بوتيفاس الذي يعالج إشكالية المثقفين المزيفين، الذين اكتسحوا الفضائيات والإذاعات لتسويق أكاذيبهم، ثاني كتاب ينتهي من قراءته، لأهميته، حسب ما أسر لنا الأمين العام عبد العزيز بلخادم في لقاء منفرد بعد انتهائه من كتاب يعود إلى أول وزير في حكومة فرانسوا ميتران، للوقوف على أسباب فشل التجربة الفرنسية في تحقيق التعايش ومن ثمة الذهاب إلى حكومة تعايش حقيقية ومن باب التلميح أشار بلخادم انه بصدد إصدار كتاب حول "التعايش بين الحضارات والثقافات العربية" منذ أمد بعيد والعالم يقرر مصيره على أيدي أفراد معدومين من البشر، يتمتعون بصفات غير عادية وجدوا في قلب الأحداث التاريخية، وكانوا موضع انتقادات إلى درجة العداوة، ولأن التغيرات تحدث بسرعة يحاول البعض السير على خطى ومنهج هذه الشخصيات، وهم على أمل كبير أن يصلوا المستوى الذي وصلوه، فعبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية أو العزيزي كما سماه البعض من الذين يحاولون ومن باب المجاز العيش في "السّحاب"، وإن كان الطموح حقا مشروعا فهو يتوقع أن يجد حلولا وإجابات لأسئلة مطروحة حول ماهي السبل للذهاب إلى حكومة التعايش المبني على أسس ديمقراطية، ولأن الجزائر أمة منفتحة على العالم فهي تواجه فيضا من التحديات الكبرى، جدت نفسها مجبرة على ان تفتح نفسها للإصلاحات، في الداخل والخارج وبناء جسور التواصل مع الشعوب التي تعيش في هذا القرن ولا تتعارض مع هويتها، وهذا يتحتم علينا الذهاب إلى حكومة التعايش، وتعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، ويرى بلخادم أن التعايش الديمقراطي أفضل إجابة على مثل هذه التساؤلات. ومن خلال اللقاء يبدوأن الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية وبغض النظر عن كونه أمينا عاما لأول وأقوى حزب سياسي في الجزائر يحاول أن يقتدي بقادة سياسيين لم تشغلهم السياسة عن التفرغ للقراءة والدخول عالم الكتابة والتأليف، لاسيما وهو الحائز على إجازة في الأدب العربي عام 1963، وخاض مجال التدريس قبل أن يعين في إحدى مديريات رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين بين عامي 1972 و1977 ، وكانت له تجربة في بداية طريقه العملية والسياسية، حيث جمعت أفكاره ومواقفه في كتاب تحت عنوان " ثوابت ومواقف" عن شركة دار الأمة للطباعة والترجمة والنشر والتوزيع، وهو يدخل ضمن سلسلة متصلة الحلقات من الكتب التي تصدرها الدار وهي تؤرخ لأفكار أصحابها ومن خلال أقوالهم ومواقفهم الموثقة في المكان والمتسلسلة في الزمان حتى يتسنى للجميع الاستفادة منها أوالحكم لها أوعليها، لقد ذهب الكثير ممن عشقوا السياسة ودواليبها للاعتماد على القراءة لكبار المفكرين والوقوف على نظرياتهم الفلسفية في الحياة والسياسة، وبحيث لم تشغلهم السياسة عن الخوض في عالم الكتابة والتأليف سواء كانوا رجالا أونساءً.
كارلوس منعم في " تحول الدولة والتحول الوطني" فهذا كارلوس ساؤوم منعم المحسوب على حزب العدالة الأرجنتيني، والذي انتخب رئيسا للأرجنتين عام 1989 كانت فيه البلاد تشهد فيها أزمة اجتماعية طاحنة قد وصلت إلى ذروتها، وتمكن من وضع حد نهائي لحالة الفوضى بأن ينتهج أسلوب "التعايش" الديمقراطي للتحرر من الخلافات الحزبية والتعاون في القضايا الرئيسية، حيث اعتمد الرئيس كارلوس ساؤوم منعم على ثلاثة مبادئ أولية: ( المصالحة الوطنية، إعادة تنظيم الدولة والاستقرار الاقتصادي باعتباره حجر الأساس للنمو ولإدراج الأرجنتين في العالم الأول، وكانت النتائج التي توصل إليها الرئيس كارلوس إيجابية تمخض عنها تجديد الحوار السياسي في الداخل والخارج، أصبحت الأرجنتين في موقف يتيح لها التغلب على المصاعب القائمة، وأن تتبوأ مركزا جديدا على المسرح الدولي. وكرئيس للأرجنتين لم تشغله السياسة أوالمعارك السياسية أن يخصص جزءا من وقته للقراءة والتأليف، فقد ألف كارلوس كتبا عديدة منها: ( الأرجنتين الآن، أو لن تكون أبدا)، و( الأرجنتين في عام 2000 )، وكتاب آخر بعنوان ( الثورة الإنتاجية) وضعه بالتعاون مع دكتور إدواردو دوها لدى نائب رئيس جمهورية الأرجنتين سابقا، كما اشترك مع وزير الخدمات الحكومية سابقا دكتور روبرتودرومي في إصدار كتاب بعنوان ( تحول الدولة والتحول الوطني). "بي نظير بوتو" في" السياسة الخارجية من منظورها التاريخي" ولم تتوقف الكتابة أوممارسة السياسة فقط على الرجل، بل ساهمت للمرأة في إحداث التغيير، طالما السياسة والكتابة " مؤنث " وبالرغم من أنهن كن خاضعات للتقاليد البالية والأفكار الدونية ومبعدات من الحياة العامة، فإن عددا لا بأس به من النساء اللواتي صنعن الأحداث من خلال مساهمتهن في دور القيادة الجماعية للمجتمع وخضن الكثير من المعارك بدءًا من ( نغوين تي سيو، نغوين تي هان، داوتي هاو، ولاتي تام وغيرهن ) في الفيتنام، وأنديرا غاندي في الهند، و الثائرة جميلة بوحيرد والوزيرة زهور ونيسي في الجزائر، دون أن ننسى الثائرة الباكستانية بي نظير بوتو، التي ارتبط اسمها بدولة الباكستان، فقد كانت لها طريقة مميزة للنظر إلى التاريخ وإلى الساحتين الوطنية والدولية السريعتي التغيير في عالم فشلت فيه كل التجارب إلى "الديمقراطية " لتنظيم الوجود البشري وتخليص الأمة من التحريف العقائدي المتعصب، مثلت بي نظير بوتو المرأة السياسة عن طريق الكتابة والتأليف كذلك، حيث أصدرت كتابا بعنوان: " السياسة الخارجية من منظورها التاريخي " عام 1978، وكتاب آخر حول سيرتها الذاتية تحت عنوان " ابنة الشرق" عام 1989، وقد مكنتها تجربتها في عالم السياسة وتأليف الكتب من الحصول على جوائز كثيرة، منها جائزة ( برونوكراسي ) لحقوق الإنسان التي سلمت لها في فيينا عام 1988 جزاءً على مطالبتها بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وهي داخل زنزانة سجنها وفي المنفى، فكانت نقطة التحول في البناء السياسي لبلادها. بين المتفائل والمتشائل لم يكن هؤلاء بالمتشائمين، بل كانت لهم وجهة نظر مشتركة مفادها أن العالم يمكن أن يتطور إلى نهضة جديدة، فتبنوا فلسفة "التغيير" كهدف أساسي على طريقتهم الخاصة ( الكتابة والتأليف) وليس انتهاج أسلوب الفوضى، في حين اختار البعض الاهتمام بالمال والأعمال والخوض في عوالمهمه بدءُا من التكنولوجية والإلكترونيات الرفيعة مثلما هوالشأن بالنسبة ل: ( كون هي لي ) الإبن الثالث لمؤسس مجموعة سامسونغ التي كانت إحدى المشروعات في كوريا، وشركة كارتييه العالمية التي تمثلت في ( لويس كارتييه ) ونالت علامته التجارية شهرتها الدولية، وقورنت أعماله الفنية بأعمال بيكاسو لجمالها، وآخرون في مجال الاختراع مثل هاينريش فون بييرير رئيس مجلس إدارة شركة "سيمنس" الألمانية كمسؤول عن قطاع الطاقة وغيرهم، اختار بعض من مسؤولينا السير على منهج الفئة الأولى التي مالت إلى القراءة والتأليف وهي تخوض غمار السياسة، ومنهم الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية. بلخادم مع حكومة تعايش حقيقية ليس كعادة من سبقوه من القادة المسؤولين الذين شغلوا مناصب عليا في السلطة الذين اقتصروا الطريق في نشر مذكراتهم وسيرتهم الذاتية، ماعدا محمد بوضياف صاحب كتاب ( الجزائر إلى أين؟) فعبد العزيز بلخادم يحاول أن يجمع بين الكاتب المؤلف ورجل السياسة، ويترجم تجربته السياسية ويؤرخ لها على الورق، اختار عبد العزيز بلخادم الإطلاع على آراء ونظريات المفكرين الذين رسموا صورة لفكرة "التعايش" أمثال بلادور الذي كان أول وزير في حكومة التعايش أيام الرئيس فرانسوا ميتران، وأخرى حول "المثقف" أمثال المفكر الحر بوتيفاس، حيث كانت أكثر من 13 دور نشر رفضت نشر كتابه، لحدة أفكاره وجرأة طرحه للقضايا، والوقوف على هذه الأفكار والنظريات تتيح له إمعان النظر الرصين والألمعي في الأحداث، لاسيما والشعوب اليوم تواجه تحديات عديدة تتعلق ببناء المجتمع الذي ترغب فيه والنظام التي تسير عليه، وهذا من أجل الارتقاء بقضايا السلام والحرية وتعزيز القيم الديمقراطية. وقال بلخادم أن التعايش مرهون بتطبيق مفهوم "التسامح" وأسسه القائمة على حقوق المواطنة، وسيادة القانون، وهذا يتطلب حسبه الاعتراف بالآخر والتعايش معه على أساس حرية العقيدة وحرية التعبير، والتوصل كذلك لصيغ تضمن حرية التعبير والرأي وضمان حقوق الإنسان، وعليه فإن أي حركة تغيير ما لم تستند إلى وعي، ستلعب حتما على أوتار الصراعات الإيديولوجية والدينية وتكرس العنف كبديل للقانون، والتسامح هنا يعتبر استنهاض للشعوب لتساهم في تشريع قوانينها وانتخاب حاكمها بعيدا عن منطق العنف الاجتماعي. وربما بلخادم يكون متأثرا بأفكار رومان هيرتزوج سابع رئيس اتحادي لألمانيا الذي قال في إحدى خطاباته: " إننا نعيش في زمن " التغيير" .. وما ينقصنا حتى الآن هو الأنماط التنظيمية والرؤى المقدامة القادرة على طرح الأهداف ومن ثمة خلق "الثقة" بين فرادى الأشخاص والمجتمعات والدول والثقافات، فبدون هذه التنظيمات والرؤى فإن التقلبات العارمة التي يشهدها العالم تميل إلى الفوضى وبث الخوف في نفوس الكثير من الناس". هكذا خاطب (رومان هيرتزوج) شعبه وهويقدم له نموذجا حيا متخذا من ملحمة " المهابا بها راتا " الهندية الوطنية القائلة: " لا تفعل بالآخرين ما لا تحب أن يفعلوه بك شعارا له، ولهذا فالعالم العربي كذلك لن يحظى بالسلام الدائم ما لم يتبنى نظام "التعايش" وتحقيق الوحدة العربية، دون التدخل في الشؤون الداخلية للآخر. وكان بلخادم في لقاءات سابقة وفي إجاباته على أسئلة الصحافة حول مخارج الأزمة داخل وخارج البلاد يؤكد على الاعتماد على التشاور في وضع معالم أي سياسة يراد تطبيقها مع من له تأهيل شعبي من التمثيل والعمل على عدم إقصاء الرأي الآخر مهما بلغت درجة الإختلاف مما يسمح بتغليب العقل واستبدال حجة القوة بقوة الحجة، ماعدا هذا يضيف لا يمكن للوضع أن ينفرج، ومن وجهة نظر عبد العزيز بلخادم فإنه عن طريق التعايش تستطيع الشعوب أن تحتفظ بجذورها العميقة وشخصيتها الجماعية لأن الأمة التي لا تقدر نفسها كيف يعتبرها الآخرون جديرة بالتقدير، تأكيد روح الشعوب أو" الفولك" التي تشمل على فكرة ال "معًا " في الفكر الألماني هي الطريق التي تؤدي إلى تكوين الدولة "القومية" التي تجعل من الفرد قويا نشطا لا ضعيفا خاملا، ومن هذا المضمار يأمل عبد العزيز بلخادم أن يصبح هذا التعايش حقيقة راسخة الفعل في الكثير من المجالات، حتى يمكن قيام مجتمعا حرا متسامحا متفتحا على العالم، ولهذا يرى عبد العزيز بلخادم أن الدعوة إلى تأسيس حكومة التعايش مطلب ضروري، حكومة تختلف عن حكومة التعايش التي أسسها فرانسوا ميتران، لأن هذه الأخيرة كانت فاشلة ولا يصح الأخذ بتجربتها، مؤكدا أن تجربة الجزائر كانت مستقاة من التجربة الفرنسية وقد آن الأوان لتصحيحها وتأسيس حكومة تعايش حقيقية وهذا يحتاج حسبه إلى ذخيرة من القناعات والقيم الأساسية المشتركة.