أثار فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات يوم الجمعة الماضي في المملكة المغربية، وتألق زعيمه عبد الإله بن كيران في أول حكومة سيقودها حزبه، سجالا حاداً في الوسط السياسي المغربي.ففي الوقت الذي يعتبر فيه البعض، بن كيران بطلا إسلاميا استطاع بمثابرته وأمانته الانتصار على "القوى الخفية" داخل الدولة، على حد تعبيره، وصفه آخرون بالمتملق للنظام الملكي، واعتبروه "متاجراً بالدين" من أجل الوصول إلى السلطة، مبررين آراءهم هذه، بفتاوى بن كيران "التجارية"، التي كادت تصل إلى حد "تحليل البورنوغرافيا"، على حد تعبير جهات يسارية مغربية. وجاء هذا الهجوم على بن كيران بعد تصريحاته، التي أكد فيها أن تحقيق العدالة والكرامة يحتل قمة اهتمام قيادة حزبه، وهي مسائل جوهرية "أهم وأكبر من منع الخمور وفرض لباس معين". وأكد أنه، أي الحزب، "لن ينجرّ إلى صدامات جانبية ضد المخمورين أو المتبرجات". وكان حزب العدالة والتنمية الإسلامي حصل على ما يزيد على ربع مقاعد البرلمان المقبل، وهو فوز توقّعه الكثيرون، غير أن لا أحد توقع أن يكون كاسحا بهذا الحجم، وتوالت تصريحات لزعماء الحزب، تحيي "المسار الديمقراطي" الذي طبع انتخابات الجمعة، وتشكر المواطنين على ثقتهم في الحزب ومناضليه. وتنبأت جهات يسارية مغربية بفشل زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي قالوا إنه "أطلق العنان هذه الأيام لعضلات لسانه وفي مخيلته كرسي الوزارة الأولى مستنفدا كل قواميس العشق وقصائد الغزل في الملك ونظامه"، مبررين اعتقادهم هذا بأن بن كيران "متملق، ولا يمكن أن تخدم الأحزاب السياسية المتملقة بلادها بالمديح فقط". وكانت مسيرة بن كيران الذي ولد يوم 2 نيسان (أفريل) 1954 بحي العكاري الشعبي بالعاصمة الرباط، بدأت منذ انتمائه إلى تنظيم "الشبيبة الإسلامية" السري بقيادة عبد الكريم مطيع اللاجئ في ليبيا إلى اليوم، وهو تنظيم اعتبر من أشد التنظيمات الإسلامية تشددا في المغرب في سبعينات القرن الماضي. ولم يتطلب الأمر كثيرا من الوقت ليصبح عبد الإله بن كيران الرجل الثاني في التنظيم، ليقرر بعد ذلك الانفصال عنه وتأسيس جمعية "الجماعة الإسلامية" مع سعد الدين العثماني ومحمد يتيم وآخرين، بعد تجربة اعتقال قضاها بن كيران أواسط السبعينات مع رفاقه بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة. قرر بن كيران مع قيادات الجمعية الخروج إلى العمل العلني، بعد حملة الاعتقالات التي استغلت فيها الدولة الطابع السري للجمعية لضربها. وتم اختيار اسم "حركة الإصلاح والتجديد" للتنظيم الجديد الذي تأسس أواخر الثمانينات وتبنى أفكارا أكثر اعتدالا تجاه النظام الملكي و"إمارة" المؤمنين، ليستقطب مناصرين وأعضاء جددا وليشرع في حوار مع مكونات إسلامية أخرى بغية "توحيد الصفوف".في هذا السياق جاء الاندماج مع رابطة المستقبل الإسلامي بقيادة أحمد الريسوني وجمعية "الشروق" الإسلامية وجمعية "الدعوة الإسلامية" وغدا الاسم الجديد للحركة بداية من العام 1996 "حركة الإصلاح والتوحيد"، بيد أن تطلعات بن كيران لم تكن تنظيمية فقط، من خلال التقريب بين مكونات من الساحة الإسلامية، بل سعى إلى فتح باب العمل السياسي الرسمي، من خلال مبادرته لتأسيس حزب "التجديد الوطني" الذي لقي معارضة السلطات، لأن الملك الحسن الثاني كان يرفض آنذاك أن ينبثق حزب إسلامي بهذه الصفة في المغرب ويمارس السياسة في بلد يرأسه "أمير المؤمنين".