حين تفقد المنافسة الشريفة أخلاقيات المهنة يعتبر أصحاب المهنة الواحدة ألدّ الأعداء وأشرس المنافسين على ما يرونه على خلفية أنّ أحدا يتربص ب ( خبزة ) الآخر، وقد لا يكون في الأمر حرج إذا كان التنافس والتسابق شريفا ودون اللجوء إلى الأساليب الشيطانية ،أما أن يتعّمد أحدهم إلى إزاحة الآخر عن طريق وشاية أوعن طريق الخداع وأكل الحقوق ،فإنّ الأمر هنا يصبح لا علاقة له بالضمير وشرف المهنة ولا صلة له بالتنافس المشروع، وليصبح الأمر حسب المثل الشعبي – الحوت الكبير يأكل الحوت الصغير- كلما حانت الفرصة للقضاء عليه ولتبقى الساحة خارجة لمن ظنّ أنّ مهنته له لوحده دون منافس أو متربص. ينطبق الحال على رب العمل والأجير وعلى من هم في مستوى مهني واحد، حيث أنّ التنافس لا يعني الإقصاء أوالخصومة، وعليه ارتأينا أن نلمس قيم العمل وأخلاق المهنة لدى بعض الجزائريين على مستوى مهنهم مهما علت أوكانت على مستوى من البساطة إذ يبدو الحال سيان بين من هم أعلى ومن هم أدنى. تعتبر المهنة أو نوع العمل من أهم ما تتحقق به العمارة واستخلاف الأرض، ومع تزايد الثروة البشرية في البلاد تعددت المهن وتوسع فيها الناس مع ما يشهده أولئك من تنافس وتسابق لضمان لقمة العيش وأيضا المستوى الكريم من هذا العيش، لكن سوق العمل عندنا عرف أزمة منذ عقود عندما تحوّلت البطالة إلى رقم يُخيف ويُهدد المجتمع، ومع هذه الأزمة الاجتماعية وما رافقها من أزمات أخرى ظهرت أخلاقيات لا علاقة لها بالتنافس والتسابق ،كما تحوّلت الوشاية أوأكل الحق أهم قيمة من العمل ذاته ،وخاصة إذا ابتعدت الرقابة والمطالبة بالحق، الشيء الذي يعمّقُ من هذه النوعية من الأزمات ما يكون مدعاة إلى طغيان المظالم بين الناس،وانفكاك مدى الترابط والتكافل الاجتماعي. كما يُعتبر القطاع الخاص أهم مجال ترتع فيه هذه القيم الجديدة التي ترافعت معه منذ أن ترسّحت قدماه حيث تغيب عنه رقابة الدولة كسلطة ردعية ضدّ الاستغلال والتسخير وهوما يتوفر بعد في بلادنا. لكن ظهر اليوم ما يُسمّى بالاقتصاد الموازي الذي تحوّل إلى عبء حقيقي على اقتصاد الدولة بعد أن غابت عنه الرقابة والتصريح الضريبي والتأمين الاجتماعي الموظفين والعمال. تبدأ المشكلة من نقطة الاستغلال المهني الذي تنعدم معه الحماية الاجتماعية، فلا تأمين ضدّ المخاطر أوالأمراض،وقد يصل الحد إلى التسخير مقابل دراهم معدودة لا تضمن لُقيمات يُقمن صُلبه؟..