في سبيل حكومة تحظى بقاعدة سياسية واسعة تتّجه الأنظار خلال الأيام المقبلة إلى ما سيقرره رئيس الحكومة التونسية بعد إعلانه تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، وهو مقترح يواجه معارضة من داخل حزبه حركة النهضة وأحزاب أخرى، مما أطلق العنان لسيل من السيناريوهات المحتملة بشأن تشكيل حكومة جديدة. وكان رئيس الحكومة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم مع حزبي المؤتمر والتكتل اقترح تشكيل حكومة من الكفاءات غير الحزبية إثر تعثر مفاوضات بشأن تعديل حكومي داخل الائتلاف، وبعد حادثة اغتيال المعارض شكري بلعيد الأربعاء الماضي. لكن مقترحه واجه معارضة من حركة النهضة وحزب المؤتمر وحركة وفاء، الذين اقترحوا تشكيل حكومة وفاق وطني مختلطة بين سياسيين وتكنوقراط، وفق برنامج مشترك يحدد خارطة الطريق ويشرع بتنفيذ الإصلاحات، وفق قولهم. ويقول الناطق باسم حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي إن تشكيل حكومة تكنوقراط "لن يحل المشاكل في هذه المرحلة"، مشيرا إلى أن البلاد تمر بظروف صعبة تتطلب تكوين حكومة سياسية لها قاعدة تشريعية وشعبية عريضة. وعن السيناريوهات الواردة في حال أصر الجبالي على المضي قدما في تشكيل حكومة تكنوقراط، قال الجلاصي إن "السيناريو الوحيد الذي نشتغل عليه مع بعض الأحزاب هو تشكيل حكومة تحظى بقاعدة سياسية واسعة". لكنه أوضح أنه في حال ما قدّم الجبالي استقالته إذا فشل مقترحه، فسيقوم رئيس الجمهورية بتكليف أحد الشخصيات من حركة النهضة، التي تمتلك أغلبية بالمجلس التأسيسي (89 مقعدا من جملة 217) لتشكيل حكومة وفاق، وأكد أن الجبالي سيكون مرشح النهضة من جديد لتشكيل الحكومة. وكان الجبالي لوّح بأنه قد يمضي في تشكيل حكومة تكنوقراط دون الحصول على تزكية المجلس التأسيسي، مستندا إلى الفصل 17 من القانون المنظم للسلطات الذي يخوله القيام بتعديل حكومي، وهدد باستقالته إذا فشلت جهوده في تشكيل الحكومة. لكن حبيب خضر المقرر العام للدستور داخل المجلس التأسيسي قال للجزيرة نت إن القانون المنظم للسلطات "لا يسمح مطلقا" بأن يكون هناك أي عضو بالحكومة، سواء كان وزيرا أو كاتب دولة، يباشر مهامه قبل أن يحصل على تزكية المجلس. وعن الفرضيات المحتملة في حال قدّم الجبالي استقالته، يقول إن الفصل 15 من ذلك القانون يخوّل رئيس الجمهورية بعد إجراء مشاورات تكليف "الشخصية الأقدر" على تحقيق الاتفاق حولها لتشكيل حكومة تعرض بعدها على مصادقة المجلس التأسيسي. وأفاد أنه في حالة استقالة رئيس الحكومة أو سحب الثقة منه داخل المجلس "ليس من الضروري قانونيا" أن يكلف رئيس الجمهورية شخصية من داخل الحزب صاحب الأغلبية بتشكيل الحكومة، لكنه يقول إن رئيس الدولة قد يذهب في ذلك الاختيار "من باب الجدوى" للحصول على ثقة المجلس فيما بعد. ويرى خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية والقيادي بحزب التكتل -شريك النهضة في الائتلاف أنه بإمكان الجبالي إجراء تعديل حكومي دون العودة للمجلس التأسيسي، لكنه يقول إنه إذا لم تتوفر لديه أغلبية بالمجلس، فإن الأغلبية المعارضة له قد ترفع ضد حكومته لائحة لوم وتسقطها. ويقول الزاوية إن حزبه يساند مقترح الجبالي لتشكيل حكومة تكنوقراط، لكنه لم يرفض فكرة الذهاب في حكومة ائتلاف وطني على أساس شروط منها تحييد بعض وزارات السيادة مثل وزارتي العدل والخارجية. ويرى هشام بن جامع، وهو كاتب دولة لدى وزير الرياضة وقيادي بحزب المؤتمر الذي تراجع وزراؤه عن استقالتهم وأمهلوا حركة النهضة أسبوعا للقيام بتعديل حكومي يشمل وزارتي العدل والخارجية، أن سيناريو المضي في حكومة تكنوقراط "لن ينجح". وأضاف "نحن نعارض حكومة تكنوقراط لأنها قد تعيد بعض وجوه النظام السابق وستخلق مشاكل أكبر"، مؤكدا أنه لا يمكن تشكيل أي حكومة دون أخذ مصادقة المجلس التأسيسي "صاحب الشرعية الأولى". وأفاد أنه إذا ما استقال الجبالي سيتم تكليف شخصية جديدة من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة وفاق وطني، مؤكدا أنها ستحظى بثقة المجلس التأسيسي باعتبار أن نواب حركة النهضة والمؤتمر والتكتل ووفاء يملكون الأغلبية اللازمة لتزكيتها بالأغلبية المطلقة.