فرنسا تسعى إلى التقارب وفيما يبدو فهما من الحكومة الفرنسية لرسائل الجزائر المنزعجة يتحدث متابعون عن مسعى إلى رأب الصدع قبل أن تنأى الجزائر بخياراتها خاصة ما يتعلق بمشروع يراهن عليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وهو مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي يريد أن يكون سلاحه وإنجازه الأكبر في أول حقبة رئاسية في قصر الإيليزي، ولكن وفي نفس الوقت فإن أطرافا نافذة في المشهد السياسي الفرنسي تريد للبرود والتوتر أن يعمر وأن يتطور إلى خلاف. لقد أبدى الرئيس بوتفليقة تحفظا بشأن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وفي المقابل حاول ساركوزي أن يكون لبوتفليقة وزنا داخل الاتحاد، وهي الرسالة التي فهمها الرئيس باكرا ولم ينخرط في لعبة ساركوزي ولم يبد أي ردة فعل واضحة عكس ما توقعه الفرنسيون. وفي إطار مسعى فرنسا إلى بعث التقارب وتقريب وجهات النظر تأتي زيارة وزير الميزانية والحسابات والوظيف العمومي الفرنسي ريكووارف إلى الجزائر وهي الوزارة التي تكتسي أهمية قصوى، الوزير جاء باتفاق تعاون بين المفتشية العامة للمالية الجزائري ونظيرتها الفرنسية، وهو الاتفاق الذي من شأنه أن يؤدي إلى التبادل في الخبرات بين البلدين وبين هاتين الهيئتين الماليتين المكلفتين بالمراقبة. ورغم أن المؤسسة الجزائرية بإمكانها الاستفادة من خبرة المؤسسة الفرنسية في هذا الشأن إلا أن الاتفاقيات السابقة والتي عرفت ترددا من الجانبين وخاصة من الجانب الجزائري كانت على الدوام تشكل النموذج الجزائري الفرنسي في الحوار، أو في الفعل ورد الفعل، ويرى الخبراء أن هذه الاتفاقية على قدر من الأهمية بالنسبة للجزائر حيث أن مهمتها مراقبة كيفية تسيير المال العام باعتبار أن هناك إطارا قانونيا جديدا لتسيير المؤسسات المالية والاقتصادية وهو الأمر الذي تحتاجه الجزائر، خاصة بعد أن أثبتت أنظمة الرقابة والمالية فشلها في – نموذج عاشور عبد الرحمن المحاكم على خلفية اختلاس 3200 مليار- . وإذا كانت فرنسا قد أدركت أن أسلوبها في التعاطي مع الجزائر لم ينجح، فإنها أدركت أيضا أن فقدانها لداعم مثل بوتفليقة كصوت سياسي خارجي نافذ بشكل مميز وقادر على الإقناع، هذا يتعلق أساسا بالاتحاد من أجل المتوسط الذي لم يعرف تقدما. لا أحد يمكنه أن يغفل رغبة فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوربي في شراكة مع الجزائر تبنى على نظرة غير ندية ومنافسة أي مشروع تواجد اقتصادي أجنبي في الجزائر، خاصة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية المتتبعون للشأن يؤكدون أن بوتفليقة يعي الأمر تماما ما جعله يبنيه على مجموعة متوازنة لجأ فيها إلى خيارات آسيوية عربية –الصين والاستثمارات العربية- وأخرى غربية بين أوربا والولاياتالمتحدةالأمريكية –أنبوب الغاز النيجيري، التعاون النووي- هل وصلت رسائل الجزائر مجتمعة إلى فرنسا وغير فرنسا؟ الجواب نعم ولكن أي تعاطي لها مع تلك الرسائل خاصة وأن العالم يعيش في مرحلة براغماتية قاسية ويلج جاهلية اقتصادية ومالية لا أحد يمكنه أن يكون فيها راع لأحد.