يتعجب الزائر لبلدية بلعايبة بولاية المسيلة، من ذاك الكم الهائل من الشاحنات التى تعبر مسالك ترابية مثيرة وراءها غبار ملوث لطبيعة عذراء يستنشقه الرعاة عشرات المرات يوميا، فأمام أغلب السكنات شاحنات هي ملك لعائلات انتهز أبناؤها فترة الانفتاح لاستيراد شاحنات قديمة، وكوّنوا ثروة تحوّلت إلى استثمار فى الفلاحة وتربية المواشي، جعلت بلعايبة قطبا في إنتاج الحبوب واللحوم. وفي المقابل، تبقى المنطقة حسب السكان محرومة من مشاريع الكهرباء الريفية ومرافق البنية التحتية والخدمات الصحية والاجتماعية. هذه الحركية التي أخرجت بلدية بلعايبة شبه الصحراوية من طي النسيان، هي نتيجة تجربة شباب المنطقة الذين واجهوا قساوة العيش وخاطروا بأموال اقترضوها فى نهاية الثمانينيات والتسعينيات وقاموا بشراء العملة الصعبة من السوق السوداء واستوردوا المئات من الشاحنات، والتي تشكّل اليوم حظيرة عدد من ولايات الهضاب والجنوب الشرقي وسمحت بخلق العشرات من مناصب الشغل، خاصة أن أغلبهم يمارس أنشطة متعددة، رغم أن هذا الاستثمار أخرج شباب المنطقة من شبح البطالة والبؤس، الا أنه لم يحسن من محيط المعيشة والحياة بعدد من السكنات التى تظل بلا كهرباء ولا ماء ولا غاز، ولا حتى طرقات، بل أن أصحابها يصرفون المياه القذرة فى حفر تشكّل خطرا على صحتهم ومحيطهم البيئي، رغم أنهم يصنفون في فئة الأثرياء الجدد، أو كما قال أحد الشباب الذين التقينا بهم: "شيعة بلا شبعة". وفي حوار مع سكان لم يسعفهم الحظ ليكونوا في فئة الأغنياء، قالوا: "لقد خلقت تجارة الشاحنات ثروة بإقليم البلدية، لكنها لم تحسن معيشة السكان، بل أظهرت نوعا من التميز الخفي بين التجمعات السكانية وتشكلت جماعات الضغط، مما تسبب في عرقلة عملية التنمية الجوارية بالبلدية"، وأكدوا أن ثلة قليلة فقط ممن تدفع الضرائب، رغم أن هذه الأخيرة تساهم فى إخراج البلدية من العجز المالي. محدثونا من سكان البلدية قالوا: "ملف بلدية بلعايبة نار هادئة، وريح خفيف سيلهب هذه النار". كما اتهم السكان المجلس الحالي الذي عرف حالة انسداد طويلة، أفضت إلى سحب الثقة من رئيس المجلس الشعبي البلدي من طرف تسعة أعضاء من أصل أحد عشرة عضوا، من بينهم عضوان من نفس الحزب الذي ينتمي إليه رئيس المجلس الشعبي البلدي، وهو حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى ترويج المنتخبين لخطابات استهلاكية قتلت روح التوازن في توزيع المشاريع بعدالة بين المشاتي، مما جعلهم يقدمون على رفع انشغالاتهم للسيد الوالي، خاصة ما تعلق بإنجاز الطرقات وتوزيع السكن الريفي والاجتماعي، هذا الأخير الذي كان بؤرة توتر وصراع بين البلدية والمواطنين، خاصة وأنهم أكدوا أن البعض استفاد من سكنات لا حاجة لهم بها، واستطرد أحد الشباب بالقول "لا يغرنّكم ثراء العديد من الأشخاص بالبلدية، اذهبوا عند الدخول المدرسي إلى قوائم المنح ستجدون أسماءهم على القوائم. من سيقوم بتسجيلهم، رغم أن الكل يعرفهم. اسألوا عن الألقاب والأسماء المتداولة دائما، ستعرفون أن المقربين والنافذين إلى قلب البلدية هم المبجلون.. ابحثوا عن قوائم من يدفع الضرائب، ستجدون التاجر البسيط. أما أصحاب الملايير، فلا أحد يتذكرهم أو يذكرهم". وكشف هؤلاء المواطنون عن تدهور حالة الطرقات بين العديد من القرى والمداشر ومقر البلدية، كما اشتكى المواطنون من ضعف التغطية الصحية وتجهيز قاعات العلاج وتموينها بالأدوية والأمصال. حاولنا الاتصال برئيس البلدية أو نائبه، لكن حالة الانسداد عرقلت وصولنا إليه، رغم أننا قصدنا البلدية عدة مرات دون أن نجد رئيس المجلس الشعبي البلدي، رغم أن العديد من المواطنين أكدوا لنا أن الوصول إليه ضرب من الخيال.