تمكنت المصالح الأمنية والقضاء، هذه السنة، من إيداع إطارات سامية في كل من مصنع زهانة والشلف ومفتاح وسطيف، ومؤخرا تبسة، كلهم متورطون في إحداث أزمة وطنية في الإسمنت، عطّلت المئات من المشاريع الهامة، وعلى رأسها مشروع الطريق السيّار شرق غرب. "الأمة العربية" كانت قد كشفت في إحدى القضايا عن تورط إطارات هامة بالإدارة العامة بالجزائر، تقود عمليات نهب الإسمنت وبيع كميات هامة من هذه المادة لأشخاص بسجلات مزور. قضية سنتشر عن قريب، وهو ما يدل على أن المهندسين الحقيقيين للصفقات المشبوهة كلّفت الدولة ضياع مشاريع بملايير الدولارات. فعندما نرى شلة من الإطارات أصبحوا في رمشة من العين يكسبون الملايير، ولا أحد من أصحاب القرار يتسآل عن مصدر أموال هؤلاء الذين أصبحوا اليوم من رجال الأعمال ينشطون في إطار مافيا المصالح. فعندما نتكلم عن هذه المافيا التي تمركزت في عدة مواقع اقتصادية حساسة، لا نعتقد أننا أصبنا بمرض الهلوسة، ولكن الواقع الذي وصلت إليه بعض المنشآت الحيوية يؤكد أنها أصبحت في خدمة شبكات اعتادت استعمال خطط جهنمية مكنتها من كسب ملايير الدولارات، على حساب الدولة، كانت وراء انهيار عدة شركات ومؤسسات، الأمر الذي تزامن مع ظهور المليارديرات وأشباه رجال الأعمال. وعندما حققنا في الموضوع، وجدنا أن أغلبهم كانوا مدراء ومسؤولين عن قطاعات اقتصادية، وآخرين امتهنوا حرفة تزوير وثائق إدارية تلاعبوا بها، بتواطؤ هؤلاء الذين عوض السهر على مصلحة العمال والشركات، كانوا هم من خططوا لإفلاسها لفتح المجال أمام حرفة الاستيراد. ومن المؤسسات التي كانت ومازالت وكرا للبزنسة المفضوحة، مصانع الإسمنت في كل من زهانة والشلف وعين الكبيرة بسطيف، ومفتاح بالبليدة، أين استولت شبكات احترفت تزوير الوثائق الإدارية كالسجلات التجارية ووثائق خاصة لمشاريع وهمية كان لبعض رؤساء البلديات ومسؤولين بذات المصانع وفي مستويات عليا في الإدارة العامة، اليد الطولي في جعل الإسمنت مصدر ثراء لمافيا الإسمنت التي عرقلت وتعرقل مشاريع ذات أولوية قصوى للمواطن والدولة معا. فظاهرة ارتفاع سعر مادة الإسمنت وصعود منطق الإستيراد عند أصحاب المصالح، هي من افتعال مسؤولون تعاونوا مع شبكات السطو باستعمال التزوير لينصبوا حكومة قائمة بذاتها. عند إجرائنا لهذا التحقيق، وقفنا على ظاهرة جعلتنا نستنتج أن أصحاب نقل الإسمنت امتهنوا هم كذلك حرفة البزنسة. ففي بلدية زهانة، وجدنا أن أغلب شاحنات نقل الإسمنت يقومون ببيع كميات معتبرة من هذه المادة على قارعة الطريق الرابط بين سيڤ وزهانة، على محور مزرعة زبانة، وهذا بعدما ينتهون من عملية التفريغ، وهو ما يؤكد أن هناك تواطؤا حتى مع أصحاب المشاريع المسندة للمؤسسات العمومية، وإلا كيف يمكن أن نترك كميات من الإسمنت في الساحة بعد عودتها إلى المصنع؟ شركة الإسمنت التابعة لمجمع "أركوا"، كانت قد أنشئت مديرية تجارية، لها صلاحية توزيع "الكوتات" على المقاولين والمواطنين الراغبين في البناء الذاتي، وهنا اكتشفنا أن أصحاب هذه المديرية ومدراء بالمصنع كانوا يسهلون لبعض المقاولين المزورين الحصول على مئات الأطنان من الإسمنت، ومنهم من لا يمتلك حتى ملفا لدى المديرية،حيث تمكنوا من الحصول على وثائق ممضاة من طرف مسؤولين في مجمع "اركوا" بالجزائر، مكنتهم من الظفر بكميات كبيرة سوّقوها بأسعار خيالية، مكنتهم بأن يصبحوا من ذوي النفوذ المالي وهم في مكاتب مكيفة حتى بطاقات التموين الفردية حدث فيها تزوير، وأصبحت تباع في السوق السوداء لتجلب لأصحابها مبلغ مليون سنتيم في كوطة 20 طن، فمئات البطاقات التي منحت في إطار البناء الذاتي كانت مزورة، لعب رؤساء البلديات دورا في تمكين أصحابها من إحداث سوق موازية عرقلت الحركة التنموية بالمنطقة والغرب الجزائري ككل. وأثناء تحرياتنا، صرح لنا أحد "البزناسيين" أن "الأكياس غير مطابقة لوزنها الحقيقي"، وهو ما يطرح سؤالا هاما: أين يذهب الفرق في الميزان وكيف يسوق؟ شبكات البزنسة الإسمنتية لا تقتصر فقط على مصانع زهانة بمعسكر، بل تمكنت من انتهاج نفس الأسلوب بمصنع الإسمنت بالشلف الذي أصبح كذلك رهينة لأصحاب المشاريع الوهمية والبطاقات المزورة، سمحت لمسؤولين ومدراء وشلة من الانتهازيين بأن يتحوّلوا إلى أثرياء، لا يرفض لهم أي طلب. في إعلان إشهاري مؤرخ في 21 / 01/ 2003 بيومية "لوكديان دوران"، أصدرت شركة الإسمنت لزهانة بيانا للزبائن، مفاده أنه تم اكتشاف كمية من الإسمنت معبأة في علامة الشركة بوزن مزيف. وحسب البيان، فإن هذه الشبكة تقوم بملء أكياس عليها علامة الشركة بما فيها من المعطيات الأخرى، هذه الأكياس هي أقل حجما من تلك التي تخرج من المصنع بها 43 كلغ على الأكثر، والشركة حسب البيان لا تتحمّل مسؤولية ذلك، سواء فيما يخص نوعية الإسمنت وكذا الوزن الموجود في الأكياس المزيفة. فعوض أن يطلب أصحاب البيان تحقيقا من المصالح المختصة، راحت تصدر بيانا لتنبه أصحاب التزوير، فأكياس التعليب أصبحت منذ مدة تصنع في معامل خاصة بعدما كانت الشركة تأمن تموينها بنفسها، فمنذ حوالي سنة ونصف السنة اكتشفت مصالح الأمن شبكة تزوير الأكياس التي كانت تعبأ بها الإسمنت المستورد من إسبانيا، الذي لم يكن موافقا للمقياس، حيث كان ذا نوعية رديئة، ما يؤكد أن أصحاب الاستيراد كوّنوا مصانع للتعبئة تحمل علامة "اركوا" زهانة، وربما علامات لمصانع أخرى. فالبيان الأخير لشركة "اركوا" زهانة بشأن تزوير العلامة، يجعلنا نتساءل عن مصدر الأكياس، وأين تم تعبئتها بالإسمنت غير المطابق للمعايير؟ والذي يشكّل خطرا على حياة المواطن في حالة حدوث زلزال لا قدر الله. شركة زهانة للإسمنت تداول عليها مسؤولون لم يكن يهمهم مصلحة البلاد، بل نصبوا لتشجيع سياسية "السبوتاج". الإدارة فتحت الباب أمام شبكات البزنسة والوثائق المزورة، والتى أهملت عتادا وأجهزة كلفت الدولة ملايين الدولارات، فمشروع الشركة أصبح مقبرة لقطع غيار وعتاد فضح سياسة البريكولاج والمكياج. فعندما نقف على ظاهرة مثل هذه، فهل يمكننا الاعتقاد بأن الأمور هي على ما يرام. كما يذكر في المراسلات والبيانات التي ترسل إلى الوصاية وكذا السلطات العليا، وهل مجمع "أركوا" على علم بالمقابر التي دفنت فيها أموال الشعب، بغرض فتح المجال إلى الأجانب لاحتلال شركاتنا ومصانعنا التي قيل إنها عجزت عن دخول عالم خوصصة المصالح. سقطت إحدى شبكات البزنسة الإسمنتية في يد مصالح الأمن ببجاية، لتبقى أخواتها تنشط بأساليب أكثر احترافية. عناصر مافيا الإسمنت ببجاية، كانت تقوم بتزوير وثائق إدارية بهدف السطو على آلاف الأطنان من الإسمنت، تمكن أفرادها من دخول عالم البارونات، فهؤلاء ما هم إلا مجموعة من مقاولين استفادوا من تواطؤ رؤساء سابقين لبلديات ولاية بجاية، فشبكة المقاولين المزيفين كانت قد تحصلت على وثائق مزورة لمشاريع وهمية خاصة بالبناء ببصمات الأميار. وفي نفس الوقت، يقومون بتقليد أختام وأوراق رسمية لتمويه أعمالهم الاحتيالية ضد المؤسسات الوطنية العاملة في مجال الإسمنت. مصنع عين الكبيرة بسطيف، الذي خرجت منه آلاف الأطنان باسم مشاريع وهمية ووثائق رسمية مزورة، كان مسرحا لعمليات احتيال ونصب كبيرة باسم علامة الأعمال على حساب العمال، مكنت المال من دخول حسابات البارونات الذين أنشأوا حكومة بوثائق مزورة، أغرقوا بها كل المؤسسات والإدارات التي تتحوّلت إلى مقرات لهم، فمصالح الأمن وحدها لا يمكنها أن تتحدى هؤلاء، إلا إذا ترسخت ثقافة المواطنة لدى عامة الناس. اكتشاف قضية مدير مصنع مفتاح بالبليدة الذي زوّر برفقة إطارات فرنسية، هي في شراكة مع ذات المصنع ودخول مدير مصنع تبسة السجن بسبب قضية تحويل كميات هامة من الإسمنت، ومرور مدير مصنع الشلف على منصة العدالة بعد أن زوّر لابنه وثائق السرقة، يؤكد بأن مافيا من إطارات داخل المجمع وآخرين خارجها، عملوا على جعل مشاريع الجزائر رهينة الابتزاز والبزنسة، وهو ما يدخل في خانة الخيانة العظمى للبلاد.