كشف الكاتب والباحث الجامعي طاهر تواتي في حوار جمعه ب "الأمة العربية"، أنه بصدد الإنتهاء من دراسة شاملة تضم بين دفتيها مراسلات مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر، وهذا بعد تمكنه من الإلمام بحوالي أكثر من 200 مخطوطة قام بتصوير نسخ عنها من مكتبة وزارة الدفاع وأرشيف الحكومة بجامعة لاكسون بروفنس بفرنسا. تتألف الدراسة التي سيصدرها المؤلف تواتي في كتاب لاحقا، مجموعة من المراسلات التي كانت بين الأمير ومختلف الجنرالات والحكومة الفرنسية، وبينه وبين أصدقائه، بحيث سيتم ترتيبها وتقسيمها إلى ثلاثة أبواب، خصص أولاها للحديث عن نصوص ورسائل الأمير عبد القادر في الفترة الممتدة من 1832 إلى 1848، أي في زمن مراسلاته إلى عامة الناس والجنرالات مثل بيجو وديميشال. أما الباب الثاني، فقد أراد الكاتب أن يسلط الضوء لفترات مكوثه بالسجن من عام 1848 إلى غاية 1852، من خلال إبراز مواقفه التضامنية ووضعيته النفسية في تلك الحقبة التاريخية، ليعرج بعدها في الباب الثالث والأخير للرسائل التي كتبها لأصدقائه وللجنرالات بعد خروجه من السجن وإقامته بالمشرق. وحسب ما ذكره الأستاذ طاهر تواتي، فقد اعتمد في دراسته للأرشيف على منهج تكاملي يتناسب مع الأوضاع، أحدهما تاريخي في فترة الحرب وآخر نفسي نظرا لمعاناته المريرة بالسجن، معتبرا اختيار المنهج الأنسب من الأولويات التي ينبغي أن يوليها الباحث أهمية قصوى نظرا للتأثيرات والدلالات الفلسفية، الإجتماعية، الإقتصادية والثقافية المرتبطة بالشخصية التاريخية، موضحا أن عملية البحث في الأرشيف الفرنسي صعبة وتخضع لرقابة مشددة، حيث وجد تقريبا 117 ملف عسكري يخص الأمير عبد القادر بجامعة لكسون بروفنس، مكتوب عليه ممنوع الإطلاع، حيث دعا طاهر تواتي في هذا المقام إلى ضرورة التدخل السريع للدولة الجزائرية لاسترجاع الأرشيف، معتبره من الصعوبة بمكان لتخرجه الحكومة الفرنسية من سجنه. وأضاف محدثنا أن هذا الكتاب يأتي مساهمة لإثراء المكتبة الجزائرية، ومصدرا للباحثين والمهتمين لاكتشاف الفضائل وأخلاق الأمير في حقبات زمنية مختلفة، وكذا الظروف التي أحاطت به وهو يواجه أكبر إمبراطورية في العالم بجيش صليبي شن الحرب باسم الصليب والمسيح من خلال ما تبينه رسالة ملك فرنسا لجيشه الغازي، مدحضا بذلك مزاعم بعض المشككين فيه بأنه خضع للاستسلام أو أنه ماسوني. من جهة أخرى، أبرز الباحث الجامعي أن الرسائل التي درسها اكتشف من خلالها الخط والختم الأصلي للأمير، وكذا توصل إلى أن اللغة العربية التي كان يستعملها الأمير محي الدين تتزاوج ما بين كلمات الدارجة، تبعا لمحيط نشأته والمتأثرة بحد كبير بعهد الإنحطاط، ورسائل أخرى خطت بيده تبين منتهى الفصاحة، خاصة تلك المرسلة لنابليون الثالث. كما تبين له أنه كان إنسانا طيبا شريفا وبطلا مثقفا بأتم معنى الكلمة، وتجلى ذلك من خلال مواقفه النبيلة داخل السجن والدفاع عن أصحابه حين أراد العدو التفرقة بينهم في رسائل تدمي القلب، وأخرى تدل على كرامته من خلال رفضه اقتراح "بيجو" بالإقامة في فرنسا مع كامل حقوقه، وتفضيله الإنتقال إلى الشام كما وعدوه. هذا، ونوه طاهر في حديثه أن مساعدة الأمير عبد القادر امتدت وهو خارج الديار بدمشق، أين كان يراسل الجنرالات ويطلب منهم تسوية قضية زميله مع أبناء قبيلته، وغيرها من المواقف النبيلة. للعلم، الكاتب والباحث طاهر تواتي بقسم اللغة العربية بجامعة الجزائر، متخصص في الأدب المغربي الأندلسي، له عدة إصدارات من بينها "أدب الرسائل في المغرب العربي في القرن السابع والثامن"، كتاب في شقين "إبن خميس التلمساني حياته وشعره، وحياته ونثره"، وكذا مقالات عديدة منشورة في مجلتي جامعة الجزائر واللغة العربية، ومؤلفات أخرى.