استفاقت الجماهير الجزائرية على نشوة الفوز الذي حققه المنتخب الوطني برباعية نظيفة، نتيجة لم يحققها الخضر منذ زمن ليس بالقريب إذ اكتفى الخضر بتسجيل ثلاثية على الأكثر على مدى السنوات التسع الماضية. استفاقة الخضر هجوميا لم تأت صدفة بل كانت وليدة عمل جبار جعل مستوى الخضر يتحسن وفق نسق تصاعدي لم يكن يتصوره أشد المتفائلين. هذا وكنا قد طرحنا في أعدادنا السابقة المشاكل التي تواجه الكوتش وحيد من أجل إعادة سكة الخضر إلى الطريق الصحيح، وبعد قرابة عام من العمل، بدأ الفريق يجني الثمار وبدأت ملامح الخضر تتغير من الرباعيات في مرماه إلى رباعيات في مرمى الخصم، قد يرى الكثيرون أن مستوى المنتخبات التي واجهها الخضر ضعيف جدا، وتكون هذه الفرق لا تاريخ لها إفريقيا، لكن المنتخب منذ زمن ليس بالبعيد كان ينهزم مع سبق الرحمة والشفقة أمام هذه الفرق أو يفوز بشق الأنفس، بل إن تحقيق التعادل قد يشكل فرحة عند الكثيرين، فالنيجر الضعيفة أقصت مصر التي هزمتنا برباعية وحققت نفس إنجاز المغرب الذي قصفنا برباعية هو الآخر، وحتى غامبيا التي فزنا عليها في عقر دارها وقفت في وجه أسود الأطلس، وهنا نرى انه من الواجب أن يوفى وحيد حقه فهو الساحر الذي حول المنتخب من تلقي الرباعيات إلى تسجيلها. الروح القتالية تعود والهجوم يتحرك بالنظر إلى مجريات لقاء رواندا، فإن المنتخب الوطني كان حاضرا ذهنيا خلال التسعين الدقيقة، كما أن الروح كانت حاضرة بقوة، حيث لم يخسر الخضر أي ثنائيات طيلة وقت المباراة، فالمنتخب الرواندي أو النجيري قبله لا يمتلك الكرة لثوانٍ، إلا ويقابل بضغط رهيب من لاعبي الوسط أو حتى المهاجم الذي ضيع الكرة وهو أمر كان ينقص الخضر. بعد أن كان نقص التنشيط الهجومي أحد أهم نقاط ضعف الخضر، حيث كان المنتخب يلعب بخمسة مدافعين ومسترجعين للكرة، ولم يكن للخضر سوى ثلاثة لاعبين في الهجوم، الأمر الذي جعل الخضر يعانون من عقم وقلة في التنشيط الهجومي، لكن مع التقني البوسني العاشق للأهداف، فإن الزيادة العددية أصبحت بقوة في منطقة الخصم، حيث كانت تصل أحيانا إلى ستة لاعبين وهو الأمر الذي لم نعتد رؤيته من قبل. الصرامة التكتيكية واضحة الإرتجالية كانت سمة لعب الخضر سابقا، حيث كان للاعب الحرية في التحرك داخل أرضية الميدان، فأحيانا نرى قلب الدفاع كرأس حربة، ولاعب الارتكاز في صناعة اللعب أو في منطقة الجزاء، لكن مع تفوقه التكيكي والانضباط والصرامة التي فرضها، ألزم وحيد لاعبيه بإتباع التعليمات على طول وقت المباراة، كما أن هذا الأمر عاد على تصرفات اللاعبين خلال اللقاء، إذ لم يتلقوا أي بطاقات، كل هذه الأمور تبشر بمستقبل مطمئن يلوح في الأفق. التعداد يتمتع بشخصية قوية من سلبيات الخضر سابقا، هي عدم القدرة على العودة في النتيجة، فكلما تلقى الخضر هدفا إلا وكانت النتيجة للخصم ما عدا لقاء رواندا 2009، ولقاء كوت ديفوار في كأس أمم إفريقيا 2010، ولحد الآن، ومع المدرب حليلوزيتش عاد الخضر في النتيجة في لقاءين أحدهما انتهى بالتعادل والأخر قلب فيه الخضر الطاولة على المنتخب الغامبي. تعتبر مشكلة الظهير الأيمن أحد المشاكل التي لازمت مدربين كثر في المنتخب الوطني من كفالي إلى بن شيخة مرورا بسعدان، حيث تناوب على المركز ما يفوق 10 لاعبين، وكانت هذه الجهة هي الذراع المشلول في دفاع وهجوم الخضر، ثقة حليلوزيتش في اللاعب المحلي جعلت عبد الرحمن حشود يتألق في لقاءين ويقدم كرتين حاسمتين، مع الملاحظة أن نجاح حشود هجوميا لا يغطي على عيوبه الدفاعية، فاللعب ضد منتخب قوي هجوميا قد يضع حليلوزيتش وحشود في موقف حرج. قضى على العقم الهجومي هو أكبر معضلة وأكثر المشاكل تناولا في أوساط التقنيين والصحافة والإعلام، حيث عانى الخضر من عقم كبير في الهجوم، وكلّ يحمل الآخر المسؤولية، بل وصل الأمر إلى درجة التراشق في وسائل الإعلام، وحيد عرف مكمن المشكل وبتصحيحه لمشكلة التنشيط الهجومي والزيادة العددية في منطقة الخصم، واللعب إلى الأمام بدل اللعب بالعرض إضافة إلى التنويع في الهجمات وعدم الاتكال على الكرات الثابتة جعل آلة التسجيل تعود بقوة، فالمنتخب الحليلوزيتشي إن صح التعبير سجل 13 هدفا في 6 مباريات بمعدل يقترب من هدفين في كل لقاء، وهو رقم كبير مقارنة بما عاناه الخضر من قبل. محور الدفاع الورشة الجديدة لا يزال محور الدفاع أحد المشاكل التي تؤرق الخضر، خاصة أنه لم يختبر لحد الآن، فالمنتخب الوطني سيطر على جميع اللقاءات ما ترك لاعبي المحور في مأمن من أي لقطة، وبالمقابل لم يمنح الكوتش وحيد الفرصة لمعاينة مدى قوة هذا المركز الحساس، فرغم التهديدات القليلة رأينا أن قابلية اختراق دفاع الخضر واردة، فغياب بوقرة جعل دفاع الخضر شوارع، ولا يزال مشكل الدفاع المتحرك قائما في المرتدات، وهذا المشكل يجب علاجه لأن طريقة حليلوزيتش تعتمد على الضغط على المنافس، ما يجبره على لعب المرتدات. هذا وسيكون لقاء مالي المقياس الذي يكشف مدى قوة العمل الذي يقوم به التقني، فتحقيق نتيجة إيجابية ضد ثالث إفريقيا سيكون صفعة قوية من حليلوزيتش لكل منتقديه، الذين ينتظرون أي تعثر ليفتحوا عليه النار من كل الجهات، وهو الذي فتح لهم المجال بلسانه الذي يجلب له المتاعب كل مرة.