"النهار" تنقل معاناة سكان المناطق النائية بالوادي وجهود الدولة لبعث الحياة فيها لم نكن نتصور ونحن نتنقل الى قرية الغنامي الحدودية التابعة إداريا لبلدية دوار الماء، على بعد 165 كلم عن مدينة الوادي، أن نشاهد مظاهر فقر مدقع وهشاشة بالغة في البنية الاجتماعية التحتية لسكان هذه المناطق الحدودية الذين لا تفصلهم سوى 6 كلم فقط عن الجمهورية التونسية، والتي لم تر النور سوى نهاية الأسبوع الماضي، حينما تم إيصال الكهرباء الريفية لجميع بيوت القرية، ولا يزال سكان القرية يلجأون إلى المستوصفات التونسية لمعالجة أبنائهم.. يعيش سكان قرية الغنامي حياة بدائية أشبه بالعصور الوسطى، فسكانها البالغ عددهم حوالي 5 آلاف ساكن، بين قار ورحالة، يمتهنون الفلاحة وتربية الماشية ولا يعرفون التلفاز ولا الثلاجة ولا المكيفات، رغم تواجدهم في منطقة صحراوية شديدة الحرارة، بحيث لا يزال السكان ينامون في الأكواخ المبنية من سعف النخيل، المعروفة محليا باسم "الزريبة" ويقوم السكان بتبريد الماء بالطرق التقليدية، بلفه بكمية من القماش وتبليله ووضعه بالقرب من أشجار النخيل حتى يبرد ليتم شربه غير مكترثين بالمخاطر الصحية التي قد تنجم عن ذلك. الحديث عن الخدمات الصحية ضرب من الخيال والعلاج بتونس محتم وأمام هذا الوضع، فان الحديث عن الهاتف الثابت والخدمات الصحية ضرب من الخيال، كون القرية نائية والمسلك المؤدي إليها مشبع بالانكسارات والانشقاقات، تعيق حتى المركبات المتجهة نحو القرية، حتى أن بعض سكان القرية نقلوا ل "النهار" صورا من المعاناة التي تتلقاها النساء الحوامل، والتي تضطر الكثير منهن الى الولادة بالطرق التقليدية، وكثيرا ما تتسبب في وفاة الأم وابنها، إلى جانب عبارات لم نكن نصدقها لولا وقوفنا على عزلة القرية وحياة ساكنيها، فبيوتهم لا يوجد بها سوى ملابسهم ومواقدهم، فالخبز غير موجود والأجبان منعدمة ويوجد محل وحيد بالقرية يقوم ببيع السلع الضرورية فقط. ومن مظاهر الحسرة والغيظ التي نقلها السكان تخلي الدولة عنهم في السنوات الماضية، مما دفعهم الى الالتجاء الى الشقيقة تونس لمعالجة مرضاهم، وأضافوا أنهم يقومون بنقل مرضاهم الى قريتي الرجيم والفردوس التونسيتين اللتان لا تبعدان عنهم سوى ب 12 كلم فقط قصد إسعاف مرضاهم مجانا بسبب الفقر والعوز، في حين يجدون صعوبات كبيرة في التنقل الى مقر البلدية التي تبعد عنهم بحوالي 42 كلم، نظرا لغياب وسائل نقل ثابتة نحوها، فهم يعتمدون على دوابهم وإبلهم في جميع تنقلاتهم وقضاء جميع حاجاتهم. حرارة علاقتهم بالاستقلال تبدأ الآن فقط وأضاف هؤلاء أنهم لم يعرفوا الاستقلال ولم يذوقوا نعمته إلا نهاية الأسبوع الماضي، حينما بزغت شمس يوم جديد استقبل فيه السكان الموكب الرسمي الذي أشرف على ربط القرية بشبكة الكهرباء الريفية بزغاريد النسوة والبارود والزغايري احتفالا باستكمال استقلال آخر قرية من ولاية الوادي، على أمل أن يودعوا يوما ما العلاج بالمستوصفات التونسية وتكلل سيادتهم بمرافق صحية وتنموية تثبت أنهم ينتمون الى جزائر العزة والكرامة. وفي السياق ذاته، كشف رئيس ديوان والي الوادي ل "النهار" أن جهود الدولة منكبة حاليا لإعادة إعمار هذه القرى النائية بدرجة أولى قصد تثبيت سكانها، مبرزا أنه تمت برمجة فرع صحي ومكتبة وبئر إرتوازي لبعث التنمية بهذه القرية الحدودية، كما خصصت الولاية رحلة سياحية نحو البحر لفائدة أطفالها الذين لا يعرفون عن دولتهم الجزائر سوى الاسم. وفي هذا الإطار كشف أحد مؤطري الرحلة ل "النهار" أن الولاية تكفلت بجميع احتياجات الرحلة بدءا بملابس الصبية الى إيوائهم بعدما اصطدم مسؤول الولاية بجواب أحد أطفالها المحرومين الذي رد على سؤال الوالي حول أكبر أمنية يحلم بها فأجاب الطفل أن أمنيته الوحيدة هو الاطلاع على خيرات بلاده ومعرفة ما يوجد خلف الكثبان الرملة التي تحيط بالقرية من كل جانب، وهو ما أثر في نفسية المسؤول الأول للولاية ودفعه الى تخصيص رحلات سياحية لهم في كل موسم.. تباعد المراكز السكانية وراء نفور المقاولين ورغم مجهودات الدولة لإعمار القرية، إلا أن رئيس بلدية دوار الماء ربط وتيرة الإسراع في إنجاز هذه المرافق بمدى إقبال المقاولين على بنائها، مشيرا إلى عزوفهم عن هذه المشاريع لبعدها الكبير عن أماكن المواد الأولية للبناء والتي تتطلب نقلها مبالغ مضاعفة، مما يستدعي تدخل السلطات العليا لمضاعفة الأظرف المالية للمشاريع التنموية بهذه المناطق المحرومة لتشجيع المقاولين على إنجازها. وقد دعت مظاهر البؤس والشقاء التي يتخبط فيها سكان القرية السلطات الولائية إلى إيلائها عناية خاصة، بعدما أجمع جميع المسؤولين على إبراز الجهود الكبيرة المسطرة من قبل الدولة المنكبة حقيقة حول إعمار القرية، وكان آخرها تصريح رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال الذي أكد على استفادة المناطق الحدودية ببرامج خاصة، حتى أن مدير النشاط الاجتماعي أبدى استعداده لتوظيف شباب القرية في بعض المشاريع الاجتماعية، مضيفا أنه مستعد كذلك لدعم النساء الماكثات في البيت، ويبقى السكان يعيشون على أمل أن تتجسد أقوال المسؤولين على أرض الواقع لينعموا بالسيادة الكاملة.