لم تمر أكثر من عشرة ايام بعد الجريمة النكراء، المسافة قصيرة بين الموت والحياة حولت عيد عائلات ضحايا الانفجاريين الإرهابيين في كل من بن عكنون و حيدرة الى عيد بلا طعم ولا رائحة. كانت محطة "النهار" الأولى مقبرة سيدي يحيى بحيدرة و التي كان وصولنا إليها على الساعة العاشرة صباحا حيث لم يكن العثور على احد قبور الضحايا سهلا بل كنا نقف عند كل قبر و نقرأ اسم صاحب القبر و اليوم الذي توفي فيه على الشاهد ، فإذا بنا نرى جمعا غفير ملتفين حول احد القبور ، اتجهنا نحوهم و هناك وجدنا أما تبكي حسرة على ابنها فالبرغم من محاولة الكثيرات من النسوة مواساتها لكن دون جدوى كانت مصيبتها كبيرة جدا ، حتى أنها رفضت التحدث معنا و هذا بعد الكشف عن هويتنا فاتجاهنا نحو المعزين هناك اخبرنا انه عم الضحية و لم يزد على تلك الكلمة سوى "لا أظن انه يوجد احد قد يحدثكم عن مصيبتنا " ، توجهنا إلى السيارة و بقينا هناك ننتظر ضننا منا أنهم سيغيرون رأيهم لكن كان جميع الحضور متخذا نفس الموقف و هو عدم الحديث و لم ينتهي الأمر عند امتناعهم عن ذلك بل جاءتنا أخت الضحية و طلبت منا الرحيل و لم نجد أمامنا إلا احترام حزنها ، غادرنا مقبرة » سيدي يحيا « متجهين إلى مقبرة القطار أين دفن بها ضحيتين لكن عند وصولنا كانت الساعة حينها الحادية عشر و النصف فلم نجد عائلتي الضحيتين و بعد سؤالنا عنهم في مكتب الاستعلامات قيل لنا أنهم يحضرون إلى المقبرة كل يوم و قد غادروا المكان منذ قليل فقط . بكاء، حزن و حسرة ببيت عائلة "كنزة" وجهتنا هذه المرة كانت إلى عائلة "كنزة سماية" و هي إحدى ضحايا الانفجار الذي وقع ببن عكنون، يقع البيت بباب الوادي ،عند وصولنا فتحت لنا إحدى الفتيات الباب و بعد أن كشفنا لها عن مرادنا طلبت منا الانتظار قليلا حتى تخبر أهل كنزة بحضورنا و لم يمر على انتظارنا بضع ثواني فإذا بأم كنزة تأتي لاستقبالنا قائلتا "مرحبا بكم" و أدخلتنا الدار التي كانت ممتلئة بالناس الذين جاءوا يقاسمون العائلة أحزانها و ألامها قمنا بالسؤال عن عمى عمار أب كنزة فأخبرتنا زوجته انه عاد إلى المقبرة من جديد مع انه منذ قليل فقط كان هناك فعدنا للحديث رفقة الأم عن الأجواء التي عاشتها هي و عائلتها أثناء العيد قالت " صباح يوم العيد كان صعبا جدا بكينا كثيرا و شعرنا بفراغ كبير و بالرغم من ذلك حاولت أن أتماسك و اصبر لقضاء الله عز و جل و أحاول أن اهتم بضيوفي الذين جاءوا لمواساتي في مصيبتي و لأنني مهما فعلت أو بكيت لن أعيد ابنتي للحياة فهذا قدري و قدرها و لست أنا الوحيدة التي مستني هذه الفاجعة ، فالكثير من العائلات تعيش حزني اليوم "، و نحن نستمع إلى أم تحاول التخفيف عن نفسها فإذا بعمي عمار يدخل و علامات الحزن و البكاء الشديد على وجهه بعد رحيل ابنته التي تركه جسدا بلا روح لا يعي ما حوله رغم معرفته لنا إلا انه مر علينا و لم يلاحظ وجودنا لكن عاد ثانية طالبا منا الاعتذار و أدخلنا الغرفة الوحيدة التي لم يكن بها المعزين، حاول عمي عمار أن يحبس دموعه و هو يحكي لنا عن العيد الذي مر عليه و ابنته ليست معه محاولا أن يبدي لنا صبره لكن كان حزنه باديا على وجهه تارة يحدثنا عن قضاء الله و تارة أخرى يطأطئ رأسه للأسفل واضع يديه على وجهه ليقول " الأمر ليس بالهين أو السهل كانت احن أولادي " و نحن نتطلع في عيني عمي عمار اللذان ملأتهما الدموع، فإذا بأحد أقارب كنزة يسترسل الحديث قائلا" حزننا اكبر مما تتصورون كنزة لم تكن شخصا عاديا بالبيت بل هي ملاك في طيبتها و حنانها مع كل من يعرفها " تدخل الأب من جديد قائلا " كانت هادئة و رحلت في هدوء "تلك الجملة أبكت كل من كان بالغرفة ليواصل محدثنا كلامه عن الأجواء التضامنية التي تلقاها و عائلته من طرف كل من يعرفهم أو حتى الأغراب لم يتركوهم و جاءوا يقاسمونهم أحزانهم و قضوا معهم العيد ، حتى أن الأطفال الذين كانت تعطي لهم كنزة الدروس الخصوصية جاءوا يوم العيد إلي منزل الضحية منهم من جاء لمواساة العائلة و منهم من جاء يبحث عن معلمته.