بما لا يزيد عن 30 كلم إلى الشرق من مدينة مستغانم الساحلية ذات الطابع السياحي الموسمي الصيفي يمتد شاطئ كلوفيس التابع جغرافيا لبلدية بن عبد المالك رمضان التاريخية، حيث المناظر الطبيعية الخلابة والساحرة حقا. الفاصل بين زرقة البحر واخضرار الغابة المسترسلة على تل منحدر نحو البحر لا يتعدى بضعة أمتار تكسوه الرمال الناعمة الذهبية المصفرة، حيث يشكل امتزاج وتفاعل الألوان الثلاثة إفراز ديكور في غاية الجمال رسمته الطبيعة أدق رسم وفي أزهى حلة، حيث يبقى المظهر الخلاب وإلى إشعار لاحق في منأى عن عبث أيادي الإنسان التي دأبت على إدخال ما يشوه المناظر الجذابة ولو بشكل بطيء. فما يطلق وما يصطلح عليه في القواميس المعاصرة بالاستثمار السياحي والمتمثل عادة في إنجاز وإقامة المنشآت الإسمنتية والتنمية الحجرية من مرافق على شاكلة الفنادق والشاليهات والمحلات التجارية تكاد بل تغيب تماما ولا يظهر لها أثر اللّهم باستثناء محلين أو بناءين محدودي المساحة يتربعان على بضعة أمتار مربعة يظهران في الركن الغربي من الشاطئ يطفوان فوق الرمال أحدهما تشغله فرقة الدرك الوطني التي تسهر من خلاله وعلى مدار الأيام وموسم الاصطياف على تكريس راحة وسكون الوافدين بينما المرفق الثاني فيتخذ منه رجال الحماية المدنية من الغطاسين خاصة مقرا لهم، حيث ومن خلاله لا يبخلون بدورهم على ضمان الهدوء وتوفير الوقاية وتقديم الإرشادات لمجابهة كافة أخطار الغرق، أما ما بقي من المشاهد والتي تسر النظر وتجعل من الشاطئ فعلا تحفة طبيعية تجذب نحوها الآلاف من المصطافين خلال كل موسم اصطياف فالمتدفقون والوافدون على كلوفيس حسب استطلاعات جريدة "النهار" هم في الغالب من العائلات الميسورة التي تمتلك إمكانيات الاصطياف والتخييم على غرار وسائل النقل والمركبات النفعية المتعددة الأصناف ومن هؤلاء أعداد هائلة من المغتربين والمهاجرين. فهذا حكيم رب عائلة مغترب مقيم بمدينة مرسيليا الفرنسية الساحلية في الضفة الشمالية من البحر المتوسط أوضح أنه ومنذ ما يربو عن 10 سنوات خلت اعتاد وفي كل موسم صيف على قضاء عطلته ويوميا رفقة أفراد عائلته بشاطئ كلوفيس دون غيره، وذلك لما يتمتع به من مناظر ساحرة حسبه، حيث تجعله وعلى غرار الآلاف من أمثاله يشعرون بالراحة والهدوء والاطمئنان. في ذات السياق، التقينا عبد الرحمان المتقاعد وبعد سنين طويلة قضاها في قطاع التربية والتعليم والوافد من مدينة تيارت الداخلية، ذكر بدوره أنه اعتاد ومنذ أعوام على كراء شقة ببلدية بن عبد المالك رمضان التي تبعد عن الشاطئ ب 6 كلم مقابل 80 ألف دج شهريا وذلك رغبة منه ومن أفراد العائلة في الاستمتاع وتذوق ما يزخر به شاطئ كلوفيس وبفعل ما يتوفر عليه من أسباب وعوامل الراحة والسكون نظرا لبعده عن الأحياء الشعبية وما تدفع به من منحرفين من فئة البطالين والمنحلين أخلاقيا وذلك ما يصنع الاستثناء مرة أخرى مقارنة بباقي الشواطئ الممتدة على طول الساحل المستغانمي التي يعاني فيه المصطافون من سلوكات طائشة تميزها ظواهر العنف والسرقة والاعتداءات، غير أن ما يهدد الوسط الطبيعي ويجعل شاطئ كلوفيس بخصائصه ونسماته الرائعة مثار قلق فعلا لما يشكله من خطر على البيئة وتحديدا على النسيج الغابي هي تلك الممارسات اللامسؤولة المثيرة للقلق والخوف والمتمثلة في إقدام الأفراد والمجموعات على جمع الحطب وإشعال النار بغية طهي الوجبات الغذائية والتفنن في شي شتى أنواع وأصناف اللحوم والأسماك على الجمر وتلذذ ما طاب من أنواع الأغذية والمأكولات، لكن دون إدراك عمقالأخطار التي يمكن أن تنجر عن مثل تلك السلوكات والتصرفات التي تجعل الوسط الغابي قاب قوسين أو أدنى من الكارثة، حيث الحرائق تتربص به إلى جانب البقايا والنفايات التي ترمى في جوانب وأطراف الغابة وذلك ما يستلزم اتخاذ سبل الحذر والحيطة اللازمين لتجنيب النسيج الأخضر ما يتهدده من أخطار لا تستشعرها في الغالب قوافل المصطافين، وهو ما يستوجب من المصالح المعنية التدخل العاجل باتخاذ الإجراءات المناسبة سواء الاسترشادية منها أو الردعية وذلك للحفاظ على ما تبقى من المساحات الخضراء الغابية التي قلصها الجفاف بفعل ظواهر الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وذلك لحمايتها من التلوث والحرائق التي تترصدها في هذ الفصل المتميز بشدة حرارته ليس فقط على مستوى شاطئ كلوفيس والغابات المحاذية له بل عبر كامل ربوع الوطن.