- أمراض معدية وإصابات بالشلل ومعاناة لا تظهر في أفلام التنظيم المسلح كشفت التحريات التي تقوم بها أجهزة الأمن بشأن خلايا دعم وإسناد تنظيم "لقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، أن أغلب عمليات التجنيد خلال الأشهر الأخيرة تتم بواسطة أشخاص مؤيدين أو متعاطفين مع التنظيم المسلح، يستخدمون فتاوى مجهولة المصدر يتم الحصول عليها من الإنترنت لشخصيات دينية غير معروفة، وأشرطة فيديو يصدرها التنظيم المسلح لتجنيد الشباب ضمن التنظيم الإرهابي. وعلى الرغم من التدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات لتأمين المساجد من تحركات عناصر التنظيم المسلح، إلا أن التحريات تؤكد مجددا أن المساجد لا تزال تعتبر المركز المفضل لتحرك خلايا الدعم والإسناد لتعبئة المزيد من الأتباع، ويتم عادة اختيار الشباب عديمي التكوين والمعرفة الصحيحة بالدين لتجنيدهم في صفوف التنظيم المسلح. وبسبب حاجة التنظيم المسلح إلى نشطاء جدد فإن مهمة خلايا الدعم أصبحت تنحصر أساسا في ضمان "رحلة سياحية" لفائدة الفضوليين، إلى معاقل التنظيم المسلح حيث يتم توريطهم هناك ببلاغات توجه إلى مصالح الأمن تفيد بأنهم قد التحقوا بالتنظيم المسلح بقصد إدراج أسمائهم في عداد الأشخاص المطلوبين في قضايا إرهابية والذين يجري البحث عنهم لنفس الأسباب. ومنذ حصول "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" على "رخصة" النشاط باسم تنظيم "القاعدة" في منطقة المغرب العربي، أواخر 2006 ، بدأ التنظيم المسلح في إصدار مجموعة من أشرطة الفيديو التي تركز على مبدأ "الإغراء" و"التحريض" لكسب المزيد من الأتباع، خاصة بعد تخلي العشرات من الناشطين عن العمل المسلح منذ فيفري 2006 للاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتركز أغلب أشرطة الفيديو التي أصدرها التنظيم المسلح على مبدأ "الشهادة" على أساس أن من يقتل من عناصر تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" هم شهداء عند الله، وهي الفكرة والتي رغم كل الفتاوى التي بينت حرمة دماء المسلمين، ظلت "القاعدة" تدافع عنها كمبدأ (الشهادة) دون أن تقدم لحد الساعة فتوى من عالم مشهود له بالعلم يبرر جرائم القتل التي ينفذها التنظيم المسلح في الجزائر. ويعتقد بعض الخبراء أن لجوء التنظيم الإرهابي إلى تجنب الحديث عن الفتاوى في أشرطة الفيديو غرضه واحد، وهو تجنب تجريح هذه الفتاوى وانتقاداتها، لأنها غير مبررة في الإسلام، ولم يسبق في التاريخ الإسلامي أن تم تبريرها إلا في فترات الفتن الكبرى. كما حاول تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" في أشرطة الفيديو التي أصدرها، إظهار المسلحين على أساس أنهم أقوياء وأنهم هم الذين يتحكمون في الوضع، لكن الواقع أن هؤلاء أصبحوا يعتمدون على العمليات الانتحارية بسبب فقدانهم السيطرة على الميدان منذ أشهر بعد نجاح أجهزة الأمن في اختراق التنظيم المسلح بواسطة "التائبين" الذين يفضلون تبرئة ذمتهم أمام الله، من خلال تمكين أجهزة الأمن من المعلومات التي تشل وتحبط العمليات الانتحارية. وفي هذا الشأن تبين أن ما لا يقل عن 15 عملية انتحارية مؤكدة ووشيكة تم إحباطها منذ 11 ديسمبر 2007 بالعاصمة الجزائر، وقد تم ذلك بفضل المعلومات التي وفرها "تائبون" لا يزالون لحد الساعة ينشطون في الجبال، اقتنعوا بأن ما يقومون به من مذابح في حق الجزائريين ضلال وسفك باطل للدماء. كما حاول التنظيم المسلح من خلال أشرطة الفيديو استغلال مشاهد الفيديو والصور المتوفرة في الإنترنت لتبرير ما يقوم به، وكان آخرها احتجاج عمال إحدى الشركات الخاصة على قرار غلق ورشة بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة ليتم توظيفها في إطار شريط فيديو تحريضي يحاول استغلال الأوضاع الاجتماعية لدفع الشباب إلى الالتحاق بالتنظيم الإرهابي. وسجل أيضا في مختلف أشرطة الفيديو التي يتم تصويرها وبثها محاولات متكررة لإخفاء الظروف الصعبة التي يعيش فيها المسلحون في الجبال، حيث الأمراض المعدية تفشت بشكل كبير في أوساط المسلحين، وأيضا الإصابات بالأمراض الجلدية والتي تسببت في شلل البعض منهم من قبل والذين تخلص التنظيم منهم في عمليات انتحارية أدمت ولاية البويرة قبل أشهر. وأغلب هذه المشاكل الصحية ناتجة عن العمل المكثف لقوات الجيش خلال الفترة الأخيرة، حيث تم تدمير العديد من المخابئ التي لم يسبق الوصول إليها منذ سنوات طويلة، وهو ما دفع غالبية المسلحين إلى حياة التشرد في الغابات دون ملاجئ آمنة لهم كما كان في السابق، بسبب الملاحقات المستمرة من طرف أفراد الجيش. وفي هذا الشأن فإن اغتيال بعض قيادات الجيش الميدانية، خلال الأسابيع الأخيرة، مثل قائد القطاع العسكري بجيجل، الراحل العقيد يماني، يندرج في سياق محاولات تخويف القادة الميدانيين من مطاردتهم في الميدان. ويعتبر الراحل العقيد يماني أحد القادة الميدانيين الذين تمكنوا من "ترويع" أمير تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" خلال تحركاته على المحاور الجبلية المحاذية لولاية جيجل. وأخفت أشرطة الفيديو أيضا المشاكل الكبيرة التي يعاني منها المسلحون للحصول على المواد الغذائية، حيث يتم استهداف المركبات التي تحمل المؤونة للجيش بقصد ضمان قوت يومهم، بسبب تزايد الملاحقات ضدهم في الجبال، واستحالة توفيرها بسهولة مثلما كان الوضع نهاية التسعينيات. ومن الواضح أيضا أن التنظيم المسلح يتحاشى إثارة الانتقادات التي يوجهها إليه باقي التنظيمات المسلحة ومنها "حماة الدعوة السلفية" التي أكدت في سلسلة بيانات "تبرئة" أن العمليات الانتحارية محرمة في الدين الإسلامي وهي من العبث بدماء المسلمين. ويحرص مخرج هذه الأشرطة، صلاح قاسمي، المكنى "محمد أبو صلاح"، الناطق باسم تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، في كل الأشرطة التي يصدرها، على ضمان إظهار صورة "مثالية" للوضع في الجبال، وأيضا صورة "إيجابية" ومحاولة تجاوز "الأزمات الداخلية" مثل تلك المتعلقة بقتل المدنيين في العمليات الانتحارية التي تم تنفيذها خلال الأشهر الماضية والتي أودت بحياة المئات من الجزائريين وإلحاق آخرين بقائمة المعوقين والمعطوبين.