"ثلاثة أشهر تعرضت فيها لمختلف أساليب التعذيب انتهت بتوقيعي على محضر اعتراف" "لم أكن أدري أن مغامرتي ستنتهي بالشكل الذي لم يخطر ببالي أو ببال الصديق الذي رافقني وإلا لاخترت الموت بديلا عما وقع لي هناك بدولة يدّعي أهلها بأنهم أشقاؤنا.." * بهذه العبارات وبنبرة حزينة، استهل "جمال" حديثه معنا، حيث رفض في البداية الإدلاء بأي تصريح لكن بحكم الثقة والتزاما منا بعدم الكشف عن هويته، استطعنا إقناعه بالحديث عما تعرّض له خلال الرحلة التي قام بها إلى تونس والتي كادت أن تكلفه حياته. "جمال" الذي كان معتقلا بإحدى السجون التونسية، بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية تحت رقم: (1215) يستعيد بمرارة معاناته وويلات التعذيب التي تعرض لها من طرف المخابرات التونسية أثناء فترة اعتقاله والتي دامت قرابة الثلاثة أشهر. * "جمال" شاب من مواليد 1982، بالشلف أنهى مشواره الدّراسي في سن مبكرة، عاش ظروفا اجتماعية صعبة بسبب الفقر من جهة ووفاة والده من جهة ثانية، ما جعل أسرته تتخبّط في دوامة من المشاكل لم تجد لها سبيلا.. قرر "جمال" تغيير نمط حياته محاولة منه انتشال أسرته من مخالب الفقر والحرمان، وبعد أن تعذر عليه الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا اختار طريق "الحرڤة" وأي طريق اختار؟! الهجرة إلى فرنسا عبورا من تونس، بعد أن أكد له أحد أصدقائه بأن الرحلة عبر هذا الطريق سهلة وآمنة، لكن ولسوء حظه، فإن رحلة "جمال" لم تدم طويلا بعد أن دخل التراب التونسي، حيث ألقي عليه القبض من طرف عناصر الأمن التونسية التي اتهمته بالانتماء إلى جماعة إرهابية، كانت قبل أيام قليلة قد نفّذت عملية بالقرب من الحدود الجزائرية التونسية. "جمال" كشف لنا تفاصيل اعتقاله وخبايا سجن (..........) بتونس وكيف تناوب عليه المحقّقون، بالإضافة إلى صنوف التعذيب التي تعرّض لها * . * -النهار: كيف كانت بداية قصتكم عند دخولكم التراب التونسي؟ * جمال: يومها، دخلت التراب التونسي رفقة اثنين من أصدقائي وبالتحديد يوم 23 أوت من السنة الجارية، اخترنا المبيت في إحدى الفنادق المتواضعة، قضينا هناك ليلة واحدة وفي الغد تلقيت مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء هناك، حيث حدد لنا اليوم الثاني لمساعدتنا على مغادرة التراب التونسي عن طريق البحر بقيادة أحد المرشدين المختصين في مثل هذه العمليات مقابل مبلغ مالي.. توجهنا إلى المكان المتفق عليه، حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليلا وبمجرد اقترابنا من الشاطئ، فوجئنا بمداهمة الأجهزة الأمنية التونسية لنا دون سابق إنذار، إذ قاموا بتقييدنا وتعصيب أعيننا ثم اقتادونا إلى وجهة مجهولة، لم أستطع أن أرى شيئا إلا بعد أن وجدت نفسي داخل مركز للشرطة، وفي الصباح سلمّوني وحيدا لمصالح الدرك التونسي التي تولت التحقيق معي حول عملية كانوا بصدد الكشف عن خيوطها، بعدما وجّهوا لي تهمة المشاركة في اغتيال عناصر من حرس الحدود التونسية، حيث لم أستطع مواجهة سلسلة الأسئلة الموجهة إليّ من طرف أربعة أشخاص انهالوا عليّ بالضرب، حتى غرقت في دمائي، ليحرمونني من الأكل بعدها لمدة 63 ساعة، قبل أن أتعرّض لمختلف أنواع التعذيب مرة أخرى مماثلة لأساليب معروفة كسكب ماء مجمّد على جسمي العاري، ثم رشّي بالبول وتعليقي من أرجلي. وقد حاولوا بكل الوسائل إرغامي على الاعتراف بالتهمة المدوّنة بمحضرهم التي كانت جاهزة مسبقا، وفي النهاية أجبروني على التوقيع دون أن أطّلع على المحضر.. وعيناي معصّبتان". ويضيف جمال: "كنت أشعر في كل لحظة بأن الموت هو مصيري جرّاء ما تعرّضت له من تعذيب، حيث تم تكبيلي مرة ثالثة بعد استكمال مرحلة الاستجواب بواسطة أصداف وتعصيب العينين، ثم علّقوني بواسطة حبال وضربوني ضربا مبرحا في مناطق متعددة وحسّاسة من جسمي، إضافة إلى التبوّل عليّ. وقد احتوى المحضر الذي لفّقوه لي مجموعة من التّهم لا أساس لها من الصحة ولعل أبرزها: مشاركتي في عملية إرهابية والمساس بأمن الدولة التونسية * . * - هل بإمكانك أن تصف لنا الزنزانة التي كنت فيها؟ * -- كنا حوالي 11 سجينا داخل زنزانة طولها 6 أمتار وعرضها 3 أمتار تقريبا، هذه الزنزانة كانت من قبل تضم عددا أكبر من المعتقلين حسبما أكده لي أحد المسجونين، لكن بفضل الإضرابات المتواصلة التي شنتها مجموعة من المعتقلين من بعض الدول والتي بلغ أحدها 28 يوما، تحسنت أوضاع السجن شيئا ما * . * - كيف كانت إدارة السجن تعاملكم بعد أن شَنَنْتُم إضرابا عن الطعام أنتم كذلك؟ * -- شَنَنْتُ رفقة أحدهم سلسلة من الإضرابات المفتوحة والإنذارية عن الطعام، كان أبرزها ذلك الذي دام 19 يوما، عشنا خلاله الأمرين، خاصة من طرف إدارة السجن التي لم تحرك ساكنا، وخلال مدة الإضراب أجريت لي عملية جراحية على مستوى الأمعاء كانت بمثابة صفعة لمغالطة الدولة التونسية للإضراب المفتوح عن الطعام. * - بالعودة إلى الإضراب، هل حاولت إدارة السجن منعكم من الاستمرار في الإضراب عن الطعام؟ * * -- لقد مارست علينا إدارة السجن ضغوطا الغاية منها إيقاف إضرابنا المفتوح عن الطعام، حيث بدأت بتشتيت المعتقلين وترحيلهم إلى سجون أخرى دون سابق إنذار. * - هل حاول نظام السجن استدراجكم لكسب ودكم أمام رفضكم الرّضوخ لمطلبهم؟ * -- إنها من بين الأساليب المعروفة لدى هذا النظام في تعامله مع مختلف المعتقلين، فشرطهم الوحيد هو الابتعاد عن السياسة التي قد تزعزع النظام ولك أن تختار ما تريد أن تفعله، سواء الهجرة السرية أم التهريب فلن يعترض طريقك أحد * . * - كيف تمكنت من العودة غير المنتظرة إلى الجزائر؟ * -- قصتي كانت طويلة.. ولم أصدق نفسي عندما قررت السلطات التونسية تسليمنا للسلطات الجزائرية عبر الحدود، ليتم بعدها نقلي إلى سجن ولاية سوق أهراس، أين تمت إدانتي بثلاثة أشهر قضيتها في أحسن الظروف عكس ما عشته في زنزانة تونس، ليتم بعدها إطلاق سراحي إثر تسديد غرامة مالية".