أولياء يشجّعون أولادهم على ممارسة الألعاب الإلكترونية وآخرون يفضّلون العودة إلى الأصالة «التشيلا» و«الزربوط» و«لا مارين»و«الغميضة» و«البايتة»، كثيرة هي الألعاب التي لم يبقَ منها إلا الإسم، واندثرت من مجتمعنا ولم يعد الجيل الجديد يعرفها أو يقضي أوقات الفراغ والترفيه في التمتع بها، وذلك بسبب التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم في مختلف المجالات، أين ظهرت وسائل ترفيه أخرى قضت على هذه الأخيرة، منها ألعاب الكمبيوتر وألعاب الهواتف النقّالة، ومختلف الألعاب الإلكترونية التي تشهد إقبالا كبيرا من مختلف الفئات العمرية.مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم في القرن الأخير، والذي انتقلت شرارته إلى جميع بلدان المعمورة، وبدأت تدريجيا تبرز أشياء جديدة إلى الواقع الاجتماعي المعاش، والتي من بينها مختلف الألعاب الإلكترونية التي خلفت الألعاب التقليدية التي كانت تمارس داخل مجتمعاتنا لدى فئة الأطفال واختفت نهائيا، حيث لم نعد نشاهدها في الأحياء السكنية أو مساحات اللعب الموجودة، وبقيت من الذكريات التي يرويها أجدادنا وأباؤنا. "النهار" تجولت في بعض الأحياء السكنية، الشعبية في العاصمة، أيام العطلة المدرسية، ولاحظت الإختفاء التام لتلك الألعاب التقليدية التي كنا نمارسها، منذ أقل من 20 سنة فقط، حيث اختفت حتى تلك التجمعات التي كانت تجمع الأطفال فيما بينهم، لكون هذه الأخيرة تمارس بصفة جماعية.وفي هذا الصدد، تحدثنا إلى العديد من أولياء التلاميذ الذين لا يزالون يتذكرون جيدا أسماء تلك الألعاب التي مارسوها في صغرهم، إذ قالت السيدة «مريم» وهي أم لثلاثة أطفال، إنها تذكرت وقت زمان والألعاب التي كانت تلعبها وقت الصغر مع زميلاتها خارج المنزل، حيث كان لها ذوق خاص، وحاليا-حسبها- اختفت هذه الألعاب من الوجود تقريبا، مؤكدة أن أطفالها لا يعرفون هذه الأسماء من الألعاب، لأن الوسائل التكنولوجية الحديثة والألعاب التي ظهرت، أنستهم كل ما هو تقليدي، وأصبحوا عاشقين لألعاب «البلايستايشن» و«الكومبيوتر».. وغيرها من الألعاب وأوضحت السيدة «مريم» أنه في الوقت الحالي، يستحسن تعليم الأولاد الألعاب الحديثة التي تضمن لهم البقاء في المنزل، لكون المجتمع حاليا لا يرحم، بسبب الظواهر الخطيرة التي يشاهدونها يوميا.أما «محمد» وهو أب لأربعة أطفال، فقال إنه يتذكر هو الآخر جيدا الألعاب التي مارسها في الصغر ولم يبقَ منها إلا «كرة القدم»، وبقية الرياضات الأخرى الجماعية التي لم تندثر، ولم تتأثر بالألعاب الإلكترونية الحديثة، ولا تزال تمارس في جميع أحيائنا، لكن الألعاب الأخرى مثل «التشيلا»، «الزربوط»، «لا مارين» و«الغميضة» اختفت نهائيا من الوجود، وظهرت ألعاب إلكترونية تشهد إقبالا من قبل فئة الكبار والصغار.وفي السياق ذاته، أكد «أبو خالد»، أن أولاده لا يذكرون شيئا من الألعاب التقليدية، وهو شخصيا لم يعلّم أولاده هذه الألعاب، مفضّلا ارتباطهم بعالمهم وما يتوفر عليه عصرهم اليوم من التكنولوجيا التي أتاحت لهم ألعابا أعلى مستوى من تلك التي توفرت في زماننا نحن، لأنهم - على حد قوله - عندما ظهروا إلى الوجود كانت الألعاب التي نشأنا عليها نحن قد اختفت، ولم تعد تمارس من قبل أقرانهم في محيطهم، كما أوضح أنه قد ظهرت ألعاب أخرى في الهواتف النقالة ووسائل أخرى تستهوي الأطفال أكثر من تلك التي لم يعودوا يسمعون بها إلا في حكايات الآباء.تحدثنا إلى مجموعة من الأطفال في هذا الموضوع، إلا أنهم لا يذكرون شيئا من هذه الألعاب التقليدية، وبدت أسماء هذه الأخيرة غريبة عليهم، إذ لم يذكروا لنا إلا الألعاب الحديثة الأخرى التي ظهرت مؤخرا مع تطور التكنولوجيا. البروفيسور «حمدوش رشيد»، أستاذ في علم الإجتماع في جامعة «الجزائر 2» ل"النهار": الطفل يجد نفسه أكثر تحرّرا في الألعاب الافتراضية عكس الألعاب التقليدية التي تمارس في إطار جماعي أكد البروفيسور «حمدوش رشيد»، أستاذ في علم الإجتماع في جامعة «الجزائر 2»، أن الألعاب الافتراضية الآن تُفرض على الطفل حتى لو لم تكن مرغوبة، كون السوق والتطور التكنولوجي فرضاها على كل فئات المجتمع بصفة عامة، ولم يعد اللعب يقتصر على الأطفال فقط مع الألعاب الإفتراضية، بل تعداه إلى الشباب وحتى الكهول من الموظفين على وجه الخصوص، مما أدى إلى القضاء بشكل نهائي على الألعاب التقليدية التي كانت تدخل في صميم أعراف المجتمع الجزائري. وقال البروفيسور في اتصال ب«النهار»، إن هذه الإشكالية لها علاقة بالتنشئة الإجتماعية للأطفال، وأصبحت الألعاب الإفتراضية مفروضة، على اعتبار أن السوق هو من فرضها، وبالتالي تسببت في اختفاء الألعاب التقليدية التي كانت متداولة في المجتمع الجزائري.وأوضح الأستاذ في جامعة «الجزائر 2»، أن الألعاب الالكترونية الحديثة قضت بشكل نهائي على الألعاب التقليدية، مثلها مثل وسائل المطالعة الحديثة التي قللت من نسبة المقروئية، مضيفا أن الفرد يبحث عن الوسيلة السهلة، والطفل اليوم أصبح يبحث عن الوصول إلى أكبر عدد من الألعاب المشوقة من دون مراعاة خطورة هذه الأخيرة على التنشئة الإجتماعية، وبالتالي، فإن المشكل هنا هو عملية الرقابة الاجتماعية التي تكون منخفضة مع هذه الأخيرة، مما يتيح الفرصة للطفل بإنشاء نفسه بنفسه، وهذا يعني تربية غير مراقبة من قبل الآباء، عكس الألعاب التقليدية التي كانت تمارس بصفة جماعية وأمام مرأى الجميع.