اللعب التقليدي ينقرض من قاموس يومياتهم تحوّلت مشاهد رؤية أطفال ما دون الخامسة فما فوق عالقين على شاشات التلفاز أو على وسائل التكنولوجيا المختلفة كألعاب الفيديو عادية، فهذه التقنيات الجديدة أوقعت انقلابا كبيرا في حياة الأسر وفي طريقة التربية بشكل عام، فلقد ألغت في ظرف قصير مفهوم اللعب الحسي المتداول والمتوارث عبر الأجيال، وهنا كان هذا التغيير في طريقة اللعب ذا تأثير سلبي على شخصية الأطفال وحتى صحتهم، فلقد توالت الدراسات ونداءات المختصين عبر العالم للمطالبة بوقف زحف التكنولوجيا في حياة الأطفال.. س. بوحامد/ق. م أمراض عقلية وعلل بدنية وحتى نفسية باتت تطارد الأطفال وهم في هذه السن الصغيرة، أصبحوا معرضين للإصابة بمختلف الأمراض الخطيرة، وهذا بعد دخولهم عالم الإدمان على التكنولوجيا الحديثة، فغابت عن براءتهم الألعاب العفوية التي تناسب عالمهم، فكانت الكارثة! فلقد اختلفت طرق اللعب عند الأطفال بشكل كبير وغابت عنها البراءة والعفوية، والأولياء يقفون عاجزين عن وقف زحف التكنولوجيا على أطفال لم يتجاوزوا الخامسة، فلقد استحوذت التكنولوجيا على رؤوسهم الصغيرة وسجنتها في عالم خيالي بعيد عن الواقع.. وحسب المختصين، فإن هذه الحالة الجديدة التي تطبع التربية النفسية للأطفال تنذر بأخطار كبيرة تجعلنا أمام جيل مثقل بالأمراض الجسدية والنفسية، غير قادر على التأقلم مع الواقع والمجتمع.. فاللعب يشكل في الأسرة ميداناً رئيسيا للتفاعلات العلائقية ما بين الأهل وأبنائهم، فمنذ الطفولة يضع الأهل أولادهم في جو من اللعب والتدريب، ويؤمنون لهم الألعاب التي يرونها مناسبة لنموهم. من الألعاب الحسية إلى الألعاب الثقافية المختلفة، ويحاول الأهل من خلال مثل هذه الألعاب تعليم الأطفال تقليد هذه الحركات.. وفي السابق كانت الألعاب تأخذ تقليدياً شكل التفاعل الجماعي، أهل وأبناء يتشاركون في لعبة مثل ألعاب الرقع أو الورق أو الأحاجي، أو التشارك في صنع الدمى، إلى ما هنالك من ألعاب تجمع ما بين التسلية والتعلم. وتشكل مناسبات اللعب فرصاً لتبادل اللغة ولتمرير القيم والقناعات والتوجهات. ومع التطور ودخول رياح الحداثة إلى المجتمع، أخذت تقل الألعاب الجماعية، مثلها مثل سائر التفاعلات الاجتماعية. الأهل منشغلون بأعمالهم والأبناء مأخوذون بالشاشة، فتحول اللعب ناحية أدوات ووسائط خاصة بالأطفال. فتقل العلاقات القائمة في ما بين الأجيال، وتزيد بالمقابل أوقات الوحدة لدى الأطفال، أو التفاعل ما بين أفراد الجيل نفسه. ومن هنا نلاحظ ازدياد الألعاب الفردية القائمة على التفاعل مع أدوات مادية، أو الألعاب الجماعية لدى الأطفال من العمر الواحد. أولياء يدفعون أطفالهم للعالم الإلكتروني من أجل الراحة! وقفت (أخبار اليوم) على شهادات حية لأولياء، صرحوا بكل ثقة أنهم المسؤولون على زرع التكنولوجيا في حياة أطفالهم وهم في سن صغيرة، والسبب الأول يعود حسبهم إلى الهدوء الذي تفرضه هذه الوسائل والأجهزة في البيت لدى استعمالها من طرف أطفالهم، فراحتهم بدنيا ونفسيا هي الأولى في اعتبارهم على أهمية اللعب في مفهومه التقليدي عند الأطفال، فهؤلاء الأولياء اعترفوا بمسؤوليتهم غير مهتمين بالعواقب الوخيمة التي سيتركها الاستعمال المفرط وغير العقلاني لهذه الوسائل لأطفال في عمر الزهور.. والأخطر أن الأطفال تحوّلوا بدورهم إلى مدمنين على هذه الأجهزة في اللعب، فبرمجة عقولهم إلكترونية، بحيث أصبحت عقولهم أشبه بآلات مبرمجة خاضعة لنظام خاص تسيره التكنولوجيا.. وحسب (هجيرة) أم لثلاث أطفال، فإن هذه الوسائل توفر لها الراحة التامة داخل البيت، فطفلها البالغ من العمر 5 سنوات يقضي كل يومه بين التلفاز وألعاب الفيديو الحديثة، فلا تسمع له صوتا ولا حركة إلا عند افتقاده للأكل أو عطل في الجهاز.. وحسب نفس المتحدثة فإن اللعب التقليدي، يزيد من تعبها كأم من خلال مراقبة الطفل الذي ينتقل من لعبة إلى أخرى تاركا وراءه الكثير من البصمات في كل البيت، وعليه فالتكنولوجيا هي وسيلة راحتها على حساب عقل ابنها، ونفس الطريقة ستطبقها على باقي أبنائها. فيما عبر (حكيم) أب لطفلين على عدم قدرته على السيطرة على ابنه وهو في السابعة من عمره جراء إدمانه على هذه الأجهزة والتلفاز، متخليا على كل الألعاب التي يجلبها له، وطول اليوم لا يمارس أية لعبة فيها حركة، باستثناء رحلة الذهاب والإياب نحو المدرسة، وفي المدرسة قد يلتقي بزملائه في الاستراحة للحديث عن الألعاب الإلكترونية بدل اللعب ..! 46 % من الأطفال يدمنون التكنولوجيا! حذرت دراسة حديثة من خطورة استخدام الأطفال التكنولوجيا الحديثة لأوقات طويلة، إذ أظهرت أن 46% من الأطفال في عمر ست إلى 10 سنوات مدمنو استخدام التكنولوجيا، الأمر الذي يعرضهم لمشكلات صحية مختلفة، أهمها ضعف التركيز، وتدني التحصيل الدراسي، والانطوائية والسمنة. وتناولت الدراسة تأثير التكنولوجيا الحديثة في الأطفال في أعمار مختلفة، من الناحيتين الصحية، والسلوكية؛ إذ شملت عينة الدراسة طلبة وذويهم، ومعلمين في مدارس مختلفة، وأطباء مختصين. ووفقاً للدراسة، يلجأ كثير من ذوي الطلبة إلى إلهاء أطفالهم بالوسائل التكنولوجية المختلفة للحد من حركتهم الزائدة، من دون النظر إلى أثرها فيهم في هذه المرحلة العمرية الخطرة، لتظهر بعد ذلك مشكلات يعانيها الأطفال، منها تراجع التحصيل الدراسي، نتيجة لضعف قدرتهم على التركيز، واختلافات جوهرية في سلوكياتهم تجاه الآخرين، والانطواء بالبعد عن العائلة والمجتمع، مشيرة إلى أن أطباء ومعلمين أرجعوا تدني مستوى طلاب دراسياً إلى اعتمادهم على أجهزة إلكترونية منذ طفولتهم المبكرة، التي تبدأ من عمر عام ونصف العام. وطالبت الدراسة ذوي الطلبة بضرورة مساعدة أطفالهم على الحد من الاستخدام المفرط لوسائل التكنولوجيا الحديثة، وإثراء تلك الأجهزة بالألعاب التثقيفية والعلمية التي تساعدهم على تطوير مهارات التركيز الذهني، والتقدم الدراسي. وأكدت الدراسة ضرورة إكساب المعلمين داخل الأقسام الدراسية المهارات المختلفة التي تمكنهم من الإبداع والابتكار، وتدريبهم على استخدام مهاراتهم العقلية، ليتمكنوا من العطاء، والبعد عن الاتكالية التي ترسخها التكنولوجيا الحديثة في أذهانهم. ولفتت إلى أهمية وجود حملات توعية في المدارس والمستشفيات والأماكن العامة، وأماكن تركز الأطفال لتنبيه المجتمع بمخاطر استخدام التكنولوجيا الحديثة على الطفل، خصوصاً أنها تخفى على كثيرين منهم، فضلاً عن إعطاء الأطباء المختصين محاضرات توعية لطلبة المدارس في هذا الشأن. وأظهرت الدراسة أن 46% من الأطفال في الفترة العمرية ما بين ست و10 سنوات، يدمنون استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، فيما تبلغ نسبتهم بين سنتين وخمس سنوات، 34%. وذكرت أن 41% من الأطفال يستخدمون وسائل التكنولوجيا الحديثة بمعدل أربع إلى ثماني ساعات يومياً، فيما يستخدمها نسبة 30% منهم بمعدل ثماني إلى 15 ساعة يومياً، بينما يستخدمها 29% من ساعتين إلى أربع ساعات يومياً حداً أدنى، مشيرة إلى أن تلك النسب تختلف حسب المراحل العمرية لكل فئة. التكنولوجيا تلغي حق اللعب انطلاقا من أهمية اللعب في تنشئة وتربية الأطفال تسعى المنظمات المعنية إلى ترسيخ ثقافة اللعب لدى الطفل لكونها حقا مكتسباً، وعاملا أساسيا في تنشئتهم تنشئة صحية، تعزز من القيم لدى الطفل ومنها القيمة الجسدية والتربوية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والتقويمية والتي تعمل على تصحيح السلوك. ونصت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 31 (تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة اللعب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون). وأشارت الفقرة الثانية من نفس المادة بحق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة وقت الفراغ. في الإطار، قالت مسؤولة تطوير الأعمال في منظمة الحق في اللعب بتول كريشان (نحن نستوحي عملنا انطلاقا من ميثاق الأممالمتحدة لحقوق الطفل التي تستهدف برامج الجمعية الأطفال الأكثر تهميشا في المجتمع كالفتيات وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة والأطفال بلا مأوى إلى جانب الأطفال الذين شهدوا الحروب والأطفال اللاجئين). ولفتت كريشان أن المنظمة تعتبر أحد أبرز المؤسسات الإنسانية العالمية إذ تستخدم برامج لعب ورياضة صممت خصيصاً لتسهم في تحسين الصحة وبناء المهارات الحياتية والتحفيز على السلام المجتمعي لدى الأطفال والمجتمعات في المناطق الأكثر حرمانا في العالم. وأكدت كريشان أن منظمة الحق في اللعب تحرص من خلال عملها في الإطارين الإنساني والإنمائي على تدريب متطوعين يعملون على تنفيذ برامجها في أكثر من عشرين بلدا عانى الحرب والفقر والمرض في أفريقيا وسيا والشرق الأوسط. وقالت (إن المنظمة تدعم مجموعة من الرياضيين الدوليين الذين ينتمون إلى أكثر من 40 دولة ويشكل هؤلاء المثال الأعلى للأطفال وينشرون الوعي حول أهمية الرياضة من أجل التنمية كما يساهمون في جمع التمويل لمشاريع الحق في اللعب). تطبق برامج الحق في اللعب في عدد من دول العالم يقع المقر الدولي لجمعية الحق في اللعب بمدينة تورنتو في كندا، ولها مكاتب وطنية في هولنداالنرويج، سويسرا، المملكة المتحدة، الصين، والولايات المتحدةالأمريكية، وتعمل هذه المكاتب على نشر الوعي حول أهمية الرياضة من أجل التنمية، وتساهم في جمع التمويل لمشاريع الجمعية وتم افتتاح مشروع الحق في اللعب داخل الممكلة الأردنية الهاشمية عام 2006 في ثلاث محافظات، حيث تتواجد مكاتب الحق في اللعب في كل من العاصمة عمان والزرقاء والعقبة. وتقول كريشان إن برامج الحق في اللعب انطلقت في الأردن عن طريق الشراكة الداعمة للحق في اللعب مع وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانوروا) للعمل مع مدارسها ومجتمعاتها لتشجع قيام البرامج والنشاطات الرياضية واللعب ولدى الحق في اللعب شراكات عدة مع منظمات دولية ومحلية في المملكة تتضمنها وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للشباب واليونيسيف وهيئة الإغاثة الدولية. واستطاع منسقو البرامج والمشرفون الميدانيون لدى الحق في اللعب بمساعدة هذه الشراكات من تدريب 1099 مدرب ومدربة لقيادة نشاطات الحق في اللعب الرياضية بشكل منتظم، ويستفاد من البرنامج نحو يتجاوز الثلاثين ألف طفل في الأردن. وتعمل منظمة الحق في اللعب على تنمية المهارات المحلية في محاور استراتيجية أربعة أهمها التعليم الأساسي وتطور الطفل إذ تعزز برامج الحق في اللعب على التطور الجسدي والفكري والاجتماعي للطفل لتعلم القيم المهمة والمهارات الحياتية، بالإضافة إلى تعزيز قيم الصحة والحماية من الأمراض من خلال توعية الأطفال بأبرز الأمراض المنتشرة. وبينت كريشان أن أبرز أهداف برامج الحق في اللعب تركز على حل النزاعات وتعزيز السلام من خلال استخدام أساليب حل النزاعات وتعزيز ثقافة السلام وإعادة اندماج الأطفال المتأثرين بالحروب. وقد استهدفت برامج الحق في اللعب الفئات العمرية من سن 6-14 لتشجيع النمو الشامل للأطفال عقليا وجسديا وعاطفيا واجتماعيا عن طريق ألعاب بسيطة توضح الخيارات الصحيحة لهم. علم النفس: اللعب .. يعلم ويربي وبحسب أخصائي علم النفس التربوي الدكتور جهاد الطويل فإن اللعب تعبير حر تلقائي في العملية التربوية، يساعد على التكيف والاندماج الاجتماعيين ويساهم في تكوين شخصية الطفل. والذي يقصي اللعب من العملية التنشيطية بدعوى أنه مضيعة للوقت يكون مجحفا في حق الطفل الذي هو في حاجة إلى اللعب حتى يتمكن من توسيع معارفه و كسب بنية جسمانية سليمة بفضل التمارين العضلية في الألعاب الحركية، إضافة إلى تنمية القدرات العقلية من خلال التمارين الذهنية، ناهيك عن تحقيق المتعة النفسية من خلال الانسجام مع باقي الأطفال. إذن اللعب ليس وسيلة من وسائل التسلية فقط كما يعتبرها المقصين لها وأنها ملهاة وملء فراغات، ولكن المتعلمين والمربين هم الذين لديهم القناعة التامة بأن الألعاب مثلما تسلي فهي تعلم وتربي. وبيّن الطويل أن اللعب راحة نفسية ومجالا ًلتفريغ الطاقة الزائدة، إذ يفسح المجال أمام الغرائز التي اختفت لتعاود الظهور في شكل لعب ويساهم في تطوير الغرائز الوراثية التي تكون متطورة بالشكل الذي تؤدي وظائفها كما يساعدها كبت الغرائز أو تنشيطها، ويساعد اللعب على تقويم السلوك ويجعل الطفل يصحح المفاهيم كما أنه يؤدي وظيفة علاجية، ويهيئ اللعب الطفل ليصبح رجل الغد فهو يتعلم ويكتشف اللعب تجربة يحاول الطفل من خلالها أن يظهر أنه موجود ويثبت ذاته. وقسّم د. الطويل اللعب إلى عدد من الأقسام للعب الوظيفي وألعاب البناء والتركيب وألعاب الخيال واللعب العلاجي، لافتاً إلى أن للعب قيمة كبرى، كالقيمة الجسدية والتربوية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والتقويمية أي تصحيح السلوك، إذ بواسطة اللعب يتعلم الطفل القيم من إخلاص وأمانة واحترام للقوانين وتسامح وكرم، كما أن الألعاب التقليدية تحافظ على استمرارية ثقافية المجتمع ونقلها إلى الناشئة.