مسافرون ينامون في خيم فوضوية وآخرون ينتزعون ستائر النوافذ لاستعمالها كأغطية تحايل أصحاب السيارات في ركنها يؤخر الرحلات بالساعات خيام وكأنك على شاطئ البحر.. استغلال ستائر النوافذ كبطانيات ليلا.. شجارات ومناوشات مع القائمين على الباخرة.. اقتحام الغرف الفارغة بالقوة وتحطيم مصابيح القاعات فقط لأنها تزعجهم ليلا عند النوم.. أرضية القاعات ليلا يخيل لك وكأنها إحدى شوارع العاصمة التي ينتشر بها المتشردون.. هذه الأمور ليست بحي قصديري أو شعبي، وإنما بإحدى أفخم البواخر الجزائرية المتجهة إلى فرنسا، وهذه السلوكيات لا تصدر عن شباب بطال وإنما عن مسافرين من مختلف شرائح المجتمع يقصد أغلبهم فرنسا لقضاء العطلة .رحلتنا بدأت عبر باخرة «إليروس» اليونانية المستأجرة من قبل شركة النقل البحري الجزائرية، بدأت عند الساعة الثالثة مساء، رغم أن توقيت الرحلة كان مبرمجا عند الثانية عشر زوالا، حيث كان بهو الباخرة بقاعة الاستقبال يبدو كأنه حي شعبي يعج بالمتشردين، خاصة مع بداية الظلام، وذلك في صور رسمها المسافرون في كل زاوية من زوايا الباخرة، احتار طاقم الباخرة برئاسة القبطان «لسبط رشيد» والمحافظ حسين مسعودي، كيف يتعامل مع هذه المظاهر التي بدت غريبة لمن يشاهدها لأول مرة، غير أنه ورغم ذلك فقد كان الطاقم يتعامل مع هذه المظاهر بكل برودة، ما زاد من تعجرف بعض المسافرين الذين رأوا في ذلك حقا لهم. الرحلة تأخرت ب3 ساعات والسبب أصحاب السيارات رحلتنا نحو مدينة مرسيليا الفرنسية التي كانت مبرمجة على الساعة الثانية عشر زوالا انطلاقا من ميناء الجزائر لم تنطلق حتى الساعة الثالثة زوالا لعدة أسباب، منها الإجراءات الأمنية المشددة والتفتيشات المتكررة للجمارك في ميناء الجزائر، ومنها تأخر عدد من المسافرين بالسيارات أو بالأحرى تماطلهم في دخول ميناء الجزائر، لسبب واحد فقط وهو ركن السيارة في مؤخرة الباخرة للنزول أولا عند الوصول. وشهدت الباخرة قبل انطلاق الرحلة مناوشات بين مسافرين وقبطان الباخرة الذي كان يحرص شخصيا على تنظيم ركن سيارات المسافرين في مرآب الباخرة لضبط توازن الباخرة ومراعاة ثقل وحجم المركبات، حيث يركن بعض المسافرين سياراتهم في مدخل مرآب الباخرة ويرفضون تحويلها حتى ينزلون أولا عند الوصول. انطلقت الباخرة من ميناء الجزائر نحو مرسيليا وعلى متنها أزيد من 1300 مسافر وأكثر من 650 سيارة، لتبدأ معها فوضى من نوع آخر تتطلب من محافظ الباخرة وقبطانها وكل الطاقم التعامل بدبلوماسية كبيرة مع المسافرين، والأكثر من ذلك برودة الأعصاب لأنها مفتاح كل المشاكل، حيث يتسلم المسافرون الذين حجزوا غرفا أثناء رحلتهم مفاتيحهم، لتجد مسافرين حجزوا في أرائك في بهو الباخرة يطالبون بغرف نوم بالقوة وكأنها حق مشروع. خيام داخل الباخرة وتمزيق ستائر النوافذ لاستعمالها كأغطية وفي جولة قامت بها «النهار» على متن الباخرة أثناء الرحلة إلى مرسيليا، وقفت على تصرفات يندى لها الجبين تحمل الكثير من الحسرة من المسافرين الجزائريين، حيث قام أحد المسافرين وهو أب لطفلين بنصب خيمة في بهو القاعة على متن الباخرة، ليخيل لك وكأنك بمخيم صيفي، وعند محاولة محافظ الباخرة إجباره على نزع الخيمة حاول المسافر الاعتداء عليه وكأنه صاحب الحق. ومع حلول الظلام وتعب المسافرين، تجد في كل زاوية من زوايا الباخرة مسافرين يفترشون كل ما وجدوا من وسادات الأرائك وستائر النوافذ بعد نزعها من مكانها للنوم، وكأنك في شوارع العاصمة التي تحتضن المتشردين ليلا، وفي تصرف غريب من عدد من المسافرين، قاموا بكسر مصابيح الإنارة فقط لأنها أزعجتهم ومنعت عنهم النوم. وفي محاولة استفسار محافظ الباخرة عما يقوم به المسافرون، قال مبتسما «هذا الشيء قليل لم تر شيئا»، وبدأ يروي لنا بعض حكايات المسافرين، كأولئك الذين يكسرون أبواب الغرف لاقتحامها بالقوة، ومنهم من يسرق محتويات الغرفة كالستائر والأفرشة والمنشفات، ليقوم بعدها الجمارك بإرجاع بعضها إلى الباخرة بعد العثور عليها عند تفتيش أمتعة المسافرين، ومنهم من يقوم بقضاء حاجاته البيولوجية في زوايا الباخرة بالرغم من توفر دورات المياه. وعند استفسارنا عن عدم معاقبة هؤلاء المسافرين أو تغريمهم، قال «حسين» إن عقلية الجزائريين صعبة في التعامل، ما يجعلهم يتحملون كل تلك التصرفات لضمان رحلات هادئة للمسافرين، لكن ذلك يعود بالسلب على الشركة الوطنية الوحيدة للنقل البحري. مسافرون: «سياسة اللاعقاب وراء هذه الممارسات اللامسؤولة»
في المقابل اعتبر العديد من المسافرين الذين تحدثت إلىهم «النهار» أثناء الرحلة أن مبدأ عدم العقاب الذي تتعامل به الشركة ليس حلا، مؤكدين أن العدد الكبير من المسافرين أثناء سفرهم على متن البواخر الفرنسية تجدهم يخافون حتى من المطالبة بحقوقهم، فما بالك بتلك التصرفات، وذلك بسبب الغرامات المفروضة عليهم والصرامة في التعامل معهم، وأضاف «سمير» وهو من القليعة مهاجر يعيش في فرنسا منذ أكثر من 20 سنة، أن الجزائريين الذين يعيشون في الغربة يفضلون السفر على متن البواخر الجزائرية لتجنب المضايقات والإهانات التي يتعرضون لها على متن البواخر الفرنسية، لكن هناك دائما نسبة تشتكي من نوعية الخدمات، ومن يملك القدرات المادية فبإمكانه أن يقتني ما يريد على متن الباخرة، محلات للتبغ، قاعة كبيرة تتوفر على كل المشروبات، سهرات موسيقية وموظفون يسهرون على تلبية كل الطلبات وتقديم وجبات في المستوى المطلوب. وبعد رسو الباخرة بميناء مرسيليا حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا وخروج الجميع، بدأ دور فرقة التنظيف الذين لا يملكون سوى ساعتين من الزمن لتنظيف جميع الباخرة من مخلفات المسافرين، ليشرع بعدها المسافرون في الركوب، الذين كان عددهم أقل من الذين أتوا من الجزائر، وبعد إتمام إجراءات الدخول وركن السيارات في المرآب بإشراف القبطان «رشيد»، تم غلق الأبواب وانطلاق رحلة العودة نحو الجزائر، وهو ما تم في ظرف قياسي مقارنة بميناء الجزائر.