600 دج شهريا لساعتين في اليوم فقط "تحوّل التّعليم اليوم إلى تجارة مربحة": عبارة تكرّرت مرارًا على ألسنة بعض الأولياء الذين أصبحوا يشتكون من الواقع الذي جعلهم مجبرين على اللّجوء لإعطاء أبنائهم دروسا خصوصية، و الغريب في الأمر أنّ هذه الدّروس التي يعتبرها البعض ضرورية أصبحت تمسّ جميع المستويات التّعليمية بما فيها الابتدائي. لقد بدأت ظاهرة الدّروس الخصوصية في الانتشار يوما بعد يوم إلى أن تحوّلت إلى ضرورة حتمية بالنّسبة لتلاميذ الأقسام النّهائية، فالتّلاميذ المترشحون لامتحان شهادة البكالوريا أصبحوا يربطون فرص نجاحهم بمدى فاعلية هذه الدّروس خاصة في المواد الرّئيسية: كالرّياضيات، الفيزياء، العلوم، المحاسبة، الفلسفة... ومن خلال اقترابنا من بعض الثّانويين استعلمنا عن الأمر فكانت الإجابات كالتّالي: "الدّروس الخصوصية ضرورية لنجاحنا في شهادة البكالوريا"، "أنا في شعبة الرّياضيات، و معامل هذه المادّة هو 7، لابدّ لي من اللّجوء إلى هذه الدّروس للتّدعيم بالرّغم من أنّني أدفع 2500دج شهريا"، و يضيف اخرون "إنّ الوقت في القسم غير متوفّر لحلّ القدر الكافي من التّمارين، فنحن مضطرون إذن لهذه الدّروس"، "...أنا من شعبة آداب و علوم إنسانية معامل الفلسفة فيها هو 5، و الوقت في القسم لا يكفينا لتحليل مقالات كثيرة لهذا أنا ألجأ إلى دروس خصوصية...إنّها في الحقيقة مكمّلة لما يقدّمه الأستاذ في القسم، فهو نفسه الذي يعطينا الدّروس، و الفوج يضمّ 10 تلاميذ يدفع كلّ واحد منّا 600دج شهريا، مع العلم أنّ مدّة الدّروس هي ساعتان أسبوعيا." وهكذا إذن، فقد لاحظنا أنّ هذه العادة قد تفشّت لتتحوّل إلى ظاهرة في مجال التّعليم؛ و لتقديم قراءة أوسع للموضوع اقتربنا من بعض الأساتذة و سألناهم فكانت ردودهم كالتّالي: "...إنّني أستاذ في مادة الرّياضيات، و أنا شخصيا أجد نفسي مضطرًا لإعطاء دروس في المنزل وهذا نزولا عند رغبة التّلاميذ، هناك بعض التّلاميذ الذين يعانون نقصا في الاستيعاب نتيجة لاختلاف نسبة الذّكاء وهم يطالبوننا بإعطائهم دروسا لتدعيمهم." و عندما سألنا عن ما فائدة القسم عندما تلجئون لمنازلكم؟ قال: "إنّ القسم يحوي عددا كبيرا من التّلاميذ وهم مختلفون من حيث مستوياتهم الإدراكية و درجات استيعابهم، فهناك من لا يمكنه الاستيعاب بسرعة و يحتاج لوقت و تفسير مضاعفين، و نحن مقيّدون بالوقت و بالمقرّر الدّراسي الذي يجب علينا إكماله". تلاميذ الابتدائي يلجؤون إليها أيضا و لو أنّ هذه الدّروس قد اقتصرت على تلاميذ الأقسام النّهائية لكان الأمر أهون، لكن هذه الظّاهرة انتشرت لتمسّ جميع مستويات التّعليم بما فيها الابتدائي حيث أصبح تلاميذ الصّفّ الأوّل يلجئون إليها، و طبعا هنا الأمر يختلف لأنّه يرتبط بالأولياء مباشرة فلا يمكن لتلميذ في السّادسة من عمره أن يتّخذ مثل هذا القرار، و التّلميذ "ربيع" هو خير نموذج لهذا الكلام: إنّه في السّنة الثّالثة من التّعليم الابتدائي و هو يتردّد على منزل جارته يوميا لتزويده بدروس يطلقون عليها اسم "التّدعيمية"، و الغريب في الأمر هو أنّه يتلقى هذه الدّروس منذ أن كان في الصّف الأوّل أي منذ أوّل يوم ذهب فيه إلى المدرسة، وقالت أمّه عندما تناقشنا معها حول الموضوع: " لقد وجدت نفسي مضطرة لفعل هذا، فأنا أمّ لطفلين آخرين و لا املك الوقت الكافي للعناية بهم و مراقبة دروسهم في نفس الوقت خاصة بعد التغيير الذي طرأ على المواد فهي كثيرة و أجدها صعبة على طفل في السّنة الأولى أمّا السّيّدة "فاطمة" و هي والدة لأربعة أطفال، فقد اعتبرت هذه الدّروس عادة سيّئة و هي تقول : " في الحقيقة إنّ ظروفنا المادّية لا تسمح لنا بدفع ثمن هذه الدّروس، كما أنّني أعتقد أنّها تجعل من الطّفل كسولا لا يعتمد على نفسه". إنّ هذه هي الحالة التي آل إليها التّعليم اليوم، أين تحولت المهنة إلى تجارة حقيقية، فمن سمحت ظروفه المادية لجأ إليها و جعل منها الحلّ الوحيد لمشاكل أبنائه، و ما من شكّ في أنّ هذا الأمر سيترك أثرا سلبيا في نفوس أطفالنا الذين جعلوا من نجاحهم أمرا مرتبطا لا بل و مرهونا بالدّروس الخصوصية.