كانت الساعة تشير إلى حدود الحادية عشر صباحا، من أول أمس لما نزلت ''النهار'' من وسيلة النقل بمحاذاة المنزل العائلي للإرهابي أمير سرية دوالة، المنضوية تحت لواء كتيبة النور، حيث عيّن على إمارتها منذ مدة لا تزيد عن العام، بالرغم من صغر سنه إذ يبلغ من العمر 42 سنة ويتعلق الأمر بالمسمى سي محمد أورمضان. المكنى ''موح القشقاش'' والكائن بمدخل منطقة بني عيسى التابعة لبلدية بني دوالة، التي تبعد عن عاصمة ولاية تيزي وزو ب 20 كلم جنوبا، وما إن قمنا بسلك المنحدر المؤدى لذلك البيت الأرضي القروي الذي ورثه عن الأجداد والواقع وسط الأدغال، قابلتنا وجوه بريئة لأطفال صغار على عتبته، بقربهم المدعو يحيى البالغ من العمر 27 سنة، إبن أخت القشقاش، أول ما سألناه هو أن ينادي على شقيقة هذا الآخر التي خرجت إلينا على الفور، أدخلتنا مباشرة إلى صالون المنزل البسيط بساطة أهله عائلة سي محمد المحافظة مكونة من خمسة بنات وخمسة ذكور، أكبرهم خديجة البالغة من العمر 46 سنة، وأصغرهم هو موح القشقاش، فروجة البالغة من العمر 29 سنة، عزباء خياطة ماكثة بالبيت، فتحت قلبها ل''النهار''، وبدأت تسرد لنا معاناتهم مع شقيقها الذي يعد الإرهابي الوحيد في العائلة، وبعد لحظات وبخطى جد متثاقلة، التحقت بنا والدته المسماة علجية البالغة من العمر 67 سنة، وهي ترتدي الجبة التقليدية لينضم إلينا ابنها موسى، البالغ من العمر 32 أعزب. فالحسرة والدموع كانت سيد الموقف، خاصة أن الإبن الغائب لم يعد إلى أحضان عائلته ودفئها بصفة نهائية منذ ستة سنوات. طفولة ''موح القشقاش'' لقبه سي محمد اسمه محمد أورمضان، رأى النور في ذلك البيت ببني عيسى في فصل الشتاء القارس، تحديدا يوم 4 جانفي من سنة 1985 ترعرع بمسقط رأسه، ونشأ طفولة عادية مدللة، كيف لا وهو آخر العنقود لكن الحظ لم يسعفه لمواصلة دراسته، إذ غادر مقاعد المدرسة وهو في السنة السادسة ابتدائي، موح القشقاش هي كنية ظلت لصيقة به منذ نعومة أظافره، لما كان يبلغ من العمر عشر سنوات فما فوق، إذا كان يلهو ويلعب رفقة أصدقائه وعائلته، كثيرا ما يردد عبارات ''أياو أياو القشقاش والقشقاش''، تعني في مفهومهم درجة الحرارة المرتفعة ابتداء من الواحدة زوالا في توقيت القيلولة، إذ كان يردد أيضا ''سأقشقش'' وهكذا أصبح الجميع يناديه ''موح القشقاش''، وعن سلوكه قيل لنا أنه إنسان خلوق محافظ على صلواته، لايدخن لايتعاطى المشروبات الكحولية والمخدرات، كما كان يتدبر حاله في''الطرابندو'' ببيع الملابس على رأسها مملابس الأطفال بالرصيف في الطريق المؤدي إلى المستشفى الجامعي نذير محمد بعاصمة ولاية تيزي وزو، وهذا الشيئ بالذات هو سبب تغيير مجرى حياته بأسرته، والذي أدخلها في دوامة عميقة هي في غنى عنها، مصابا بداء السكري، وذلك سنة ،2000 لقد أخبرنا أنه يعمل بالعاصمة، وعن اليوم الذي صعد فيه إلى الجبل وعمره لم يتجاوز ،18 لاتتذكر عائلته مكتفية بالقول أنه في صائفة 2003 مرجحة شهر جوان، حيث استيقظ كعادته وأخبرهم أنه سيتوجه للعمل بالعاصمة لمواصلة تجارته، بعد أن ضاق ذرعا بالبطالة، لقد خرج دون أن يأخذ ملابس إضافية معه، وفي هذا الصدد تقول والدته ودموعها تتساقط من عينيها ووجها الشاحب الذي عبثت به هموم الدنيا، لقد سلبوه مني وهو صغير لا يعرف شيئا، لقد سرقوه واختطفوه من أحضاني، لقد أنجبت ملائكة وهم حولوه إلى إرهابي، لا أدري من أين سقطت علينا هذه المصيبة، إني أريدد استرجاعه، أريد تزويجه أفرح به وأن أربي أطفاله وألعب معهم قبل فوات الآوان قبل أن أموت، وتواصل بنبرة تقشعر لها الأبدان، لو كان الأمر بيدي لكان موجودا الآن هنا في البيت، لا أريد الخسارة للجميع، لا أريد من إبني فلذة كبدي أن يقتل الناس، وأن يتعرض للقتل هو. وفي هذا الصددد أخبرتنا أنه وبسببه أصيبت بمرض السكري، إضافة إلى مرض الضغط الذي تعاني منه، وسببب الإصابة الأولى كانت بعد مرور حوالي عام من مغادرته للبيت، تواصل علجية التي جلست بمحاذاتنا فوق السرير، إفراغ ما في جعبتها بكل ألم وحسرة والدموع لم تتوقف عن السيلان، أتمنى أن يعود إلى إخوانه، أن يعود إلى أحضاني، أريد أن يأتي هذا اليوم، كلما سمعنا بمقتل أحدهم إلا وتعرضنا لصدمات، خوفا أن يكون هو، وعن النداء الذي تريد توجيهه لفلذة كبدها عبر صفحات ''النهار'': ''أدعوه أتوسل إليه أن يعود قبل أن أموت''، وبذات الأسلوب ردت علينا فروجة لما سألناها عن معاملة شقيقها لها، إذ قالت لقد كان جد حنون معي ومع أخواتي منذ صغره، وعن أمنيتها تقول أنها تعود مجددا إلى البيت، وأن يستفيد من المصالحة الوطنية. لم نره منذ صعوده إلى الجبل سوى مرتين صارحنا هذه العائلة قائلين لهم؛ أنه وردتنا معلومات أن إبنهم يتنقل بصفة يومية إلى المنزل لزيارتهم، فنفوا ذلك قطيعا، مؤكدين أن أصحاب هذه الإشاعات يريدون خلق مشاكل، أبرزوا لنا أنه ومنذ التحاقه بالإرهابيين لم يزرهم سوى مرتين، وكان ذلك منذ بضعة أشهر، حيث مكث حوالي ساعة من الزمن في منتصف النهار، ليعود مجددا بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر، لقد قدم بمفرده بصحة وهيئة جيدة لم تكن بادية عليه آثار القلق وما شابه ذلك، علما أنه أثناء هاتين الزيارتين لم يخبرهما بالحقيقة، أنه تحول إلى إرهابي، بل أخبرهم أنه يعمل بالعاصمة في بيع الملابس، وعن سؤال إن كان يتصل بهم هاتفيا في تلك الفترة، أجابوا بالنفي لعدم امتلاكهم للهواتف النقالة، أما والدته فقد أكدت لنا أنها لم تره إلا مرتين منذ ست سنوات.