د.محمد الهاشمي الحامدي راهن محمد مزالي، الوزير الأول التونسي الأسبق، على الجزائريين، لأنهم رجال ولن يخذلوه أو يسلّموه لبورقيبة، هذا إذا نجح في الهروب من تونس وعبور الحدود سالما إلى أرض الجيران. استعان مزالي ومرافقه عزوز بدليل من أبناء منطقة حمام بورقيبة، له تخصص في تهريب الناس عبر الحدود التونسية الجزائرية. وتحرّك الجميع نحو الحدود بعد مغرب الثالث من سبتمبر 1986، متجهين إلى نهر يفصل بين البلدين. قبيل الوصول إلى النهر، حصلت بعض التطورات المزعجة. خلع مزالي نظارتيه، فعرفه الدليل فورا: أنت سي محمد مزالي، قال له مندهشا وخائفا في نفس الوقت، تهريب الوزير الأول السابق ليس عملية من عمليات التهريب العادية التي تعوّد عليها الرجل في سابق الأيام، هذه عملية قد تؤدي به إلى حبل المشنقة.. حاول عزوز طمأنة الدليل، وأعطاه المزيد من الأموال، ووعده بتشغيله في العاصمة، لكن الرجل ظل مترددا، وتيقن مزالي أنه بدأ يضمر الشر والخديعة. عندئذ حسم مزالي الموقف، وطلب من عزوز أن يمسك بتلابيب الدليل، ويمنعه بالقوة من الحركة، كي لا يهرب لإبلاغ الشرطة، واستجاب عزوز للطلب ونجح في تنفيذه، النهر قريب، ومن بعده الجبل في الحدود الجزائرية، والجزائر هي المقصد والأمان، وقد حانت ساعة الحقيقة. روى مزالي لي القصة في الحوار التلفزيوني بطريقة مؤثرة، وهو دونها في كتابه الجديد "نصيبي من الحقيقة"، وكتب عن تلك اللحظات تحديدا فقالز "انقضّ عزوز على الشاب وشل حركته، وكنت أحس ورائي بضوضاء الصراع بينهما، وكنت في ليلة لا قمر فيها، ثم تفاقمت الظلمة. ولكن، كلما رفعت رأسي أبصرت في الأفق أضواء باهتة كانت لي بمثابة الموصلة" واصلت زحفي إلى الأمام لا ألوي على شيء في الظلمة الدكناء، من دون أن أظفر بأيّ مسلك بيّن، وليس لي من هاد إلاّ هذه الأضواء الوامضة، التي لا ألحظها إلا عند رفع رأسي، وسقطت في وهدة عمقها متر، أصبت من جرائها في جبيني وتدفق الدم غزيرا، وإلى اليوم، أحتفظ بالمنديل الذي أوقفت به سيلان الدم.. وأخيرا، وصل مزالي إلى النهر الفاصل بين تونس والجزائر". وأواصل عرض القصة غدًا إن شاء الله.