د. محمد الهاشمي الحامدي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من هروبه خلسة من تونس عبر الحدود، وصل الوزير الأول الأسبق للجمهورية التونسية إلى الجزائر، عاصمة الثوار والمجاهدين وأبناء الشهداء. وقد تصرف معه قادتها كما ينتظر من أناس شاركوا في صناعة أعظم الثورات التحررية في القرن العشرين. قاد الضابط المرافق السيارة إلى قصر رسمي يبعد زهاء خمسة عشر كيلومترا عن العاصمة، وهناك وجد مزالي في استقباله قائد المخابرات العسكرية الجزائرية، كما تم تمكينه من شقة فاخرة يستريح فيها من وعثاء السفر. بعد الإستراحة، أعلم الجنرال ضيفه أن بوسعه استخدام الهاتف لطمأنة زوجته، وهو ما حصل بالفعل. لكن هذه المكالمة جلبت المتاعب لشخص آخر. ذلك أن مزالي، وحرصا منه على التمويه على الأجهزة الأمنية التونسية التي كان واثقا أنها تتنصت على هاتفه، أعلم زوجته، الوزيرة السابقة السيدة فتحية مزالي، أنه موجود بمدينة باليرمو، في مقاطعة صقلية الإيطالية. لتونس في صقلية قنصل اسمه محمد هاشم، يقول عنه مزالي إنه صديق عزيز من أصدقاء طفولته وزميل دراسة في المعهد الصادقي. وكان من نتائج مكالمة مزالي مع زوجته أن السلطات التونسية دعت قنصلها في صقلية وحققت معه في أمر هروب مزالي ثم أحالته على التقاعد. وقد طلب مزالي المعذرة من الرجل بسبب الضرر الذي ربما لحق به بسببه عن غير قصد. في اليوم التالي، أعلم مزالي زوجته في مكالمة جديدة أنه في مزرعة من مزارع باليرمو لا يستطيع تحديد موقعها، وأنه سيعود إلى تونس حالما يقدر على ذلك. وأضاف في كتابه: ولم أكن أدري في ذلك الوقت أن الأمر سيقتضي 16 سنة من المنفى!! ينقل مزالي عن رئيس المخابرات العسكرية أنه أجابه، ردا على اعتذار الأول بسبب وضعه للسلطات الجزائرية أمام الأمر المقضي، ما يلي: سيدي الوزير الأول، إن المشاكل التي تلاقيها تبعث في نقوسنا الأسف والحيرة على مصير وطنك، ولكنها لا تغير في شيء الإحترام الذي نكنه لك هنا في الجزائر، لأننا مقتنعون، وأنا شخصيا في موقع من السلطة يخوّل لي معرفة كل المعطيات، بوطنيتك وبنزاهتك ونظافة يديك، ومقدرون أجل تقدير ما قمت به من عمل في سبيل التعاون بين البلدين". في مساء نفس اليوم جاء لمقابلة مزالي في مقر إقامته الرجل الثاني في الدولة الجزائرية، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، السيد محمد الشريف مساعدية رحمه الله. وأواصل عرض القصة غدا إن شاء الله.