نظرا لنشرنا قصة الخاتم بطريقة متفرقة، وهذا لعدم تمكننا من نشرها كاملة في صفحة واحدة، ارتأينا التذكير بالأجزاء التي نشرناها سابقا، واختصارها في هذه الصفحة الخاصة على شكل قصة من دون قصائد ، وفي العدد الموالي بإذن الله سننشر كل القصائد وسنعرف كيف كانت نهاية القصة يقول ياسين في رسالته... التعارف عرّّفتني بها أمي بعدما رأتها في أحد الأعراس، فكلمتني بشأنها ورضيت، مباشرة بعد ذلك تقدمت لطلب يدها من أهلها وتمت الموافقة والحمد لله، وكان آنذاك أهم شيء بالنسبة لي هو مرضاة الله عز وجل ورضاء الوالدين لإكمال نصف الدين، وأصبحنا بعد الخطوبة نتكلم هاتفيا من حين لآخر، وكانت الأمور تسير على أحسن ما يرام، إلى حد الآن... ومع مرور الأيام اتفقنا على تحديد موعد قطع الشرط وقراءة الفاتحة، وسرعان ما وصل ذلك اليوم وهيئت نفسي وخرجت رفقة أهلي متجهين إلى بيتها. الفاتحة: استقبلونا أحسن استقبال كما هي معروفة العادة الجزائرية، جلست أنا رفقة الرجال من أهلي وأهلها والنساء من الطرفين في الجهة الأخرى ، وكانت تلك أول مرة أتعرف فيها على عائلتها، لأني لم أرافق أهلي يوم الخطوبة ولم يذهب سوى النساء، أما هذه المرة فالوضع مختلف وبدأت أشعر بالخوف كونهم أول مرة يروني فيها، وكذلك بالنسبة لأهلي، كانت تلك أول جلسة تعارف بينهم، مما جعلني أخاف من الرفض أو رجوعهم في قرارهم، مع أني راض بما أعطاني الله و بنفسي وبأهلي ووالداي والحمد لله، لكن لست أعرف عقلية هؤلاء الناس، بعد أخذ ورد ومشادة في الكلام حول كرة القدم والسياسة وجدنا أنفسنا عائلة واحدة، مما جعلني أشعر وكأننا في قاعة لاستعراض الأفكار والمعلومات، وكان همهم الأخير هو أنا، حيث بقيت أنتظر وقت دخولهم في المفيد، ثم اكتشفت بأنهم ينتظرون النسوة لكي يقررن ويحسمن الأمور. قررت النساء أخيرا، وراح أبوها يقرأ الشروط، وساعتها أول شيء فكرت فيه هو السطو على أحد البنوك، وكنت أقول في نفسي ...من أين لي كل هذا؟ ماذا فعلت أمي؟ هل أخبرتهم بأني ابن ملياردير، مع أن أبي حاول مناقشة الشرط لكن دون جدوى، فقرروا دفع الصداق مؤخرا وقراءة الفاتحة، وتم ذلك ثم خرجنا وقررت السعي من أجل تحقيق ما طلب منّي مهما كلفني الأمر. التحضير منذ ذلك اليوم أصبحت منهمكا في العمل، بعدما وجدت عملا أخرا وصرت أشغل وظيفتين في آن واحد، الأولى في الصباح والثانية في المساء، من أجل جمع المال في أقرب وقت ممكن، وإقامة العرس لأني لا أحب التأخير في مثل هذه الأمور وخير البرّ عاجله، بدأت أشعر بالتعب من كثرة العمل، وزيادة على ذلك كانت تطلب منّي إخراجها من أجل التنزه، وأنا كنت أرفض في بادئ الأمر، لكوني كنت منهمكا في العمل، وزيادة على ذلك فأنا لا أحبذ الخروج قبل الزواج، لكن مع مرور الأيام قررت أن أخرج رفقتها من وقت لآخر، لعلها تتفهم وضعي وتشعر بمعناتي. العقليات خرجنا وتجولنا وتنزهنا، ويوما بعد يوم بدأت ألاحظ بعض الأمور التي لم تعجبني صراحة مع أني كنت أحبها، لكن تطرقها للمواضيع التافهة وشراءها الأشياء الباهظة الثمن وغير المفيدة واختيارها للأماكن الراقية والغالية، فلاحظت بأنها تحب البرستيج وتعيش في الأحلام، وها هي تجد فارس أحلامها، صاحب العصا السحرية الذي يقول للأمر كن فيكون، حاولت إقناعها بما هو أهم من ذلك في مرات عديدة لكن دون جدوى، وراحت تأكل وتشرب وتتمتع، وأنا أسدد الفواتير، والقطرة التي أفاضت الكأس عندما طلبت مني أن أوفر لها سكنا خاصا، هناك قررت أن أوقف هذه العلاقة مهما كلفني الأمر، وقبل أن أتخذ القرار لمحت لها بذلك، لكن سرعان ما ذهبت غاضبة ومنذ ذلك الحين لم أرها ولم نسأل عن بعضنا. الفراق ما بقي منها إلا الخاتم الذي لم أشأ أن أنزعه من يدي وتركته كذكرى للأيام التي عشتها مع أول حب في حياتي، وهنا كان يبلغ من عمر فراقنا ثلاث سنوات، ولم أنساها بعد وبقيت وحيدا أفكر فيما يجب علي فعله، هل أحاول البحث عنها والرجوع إليها؟ أم أبحث عن أخرى وأحاول خوض تجربة جديدة، وكيف ستكون هذه الأخرى؟ لم أجد أمامي سوى أن أنزع الخاتم من يدي وأن أضعه في مكان حيث لا أراه ولا يذكرني بها، وأزوره من حين لآخر لأكلمه وأسترجع معه الذكريات، ذكرياتي مع الحب الأول الذي لم أقدر على نسيانه. النسيان مهما حاولت ومهما فعلت، ما ازددت إلا حبا لها، لست أعلم لماذا، ومع أني صليت الإستخارة مرات ومرات، لكن لحكمة ما يعلمها الله ما ازددت إلا حبا لها، لست أعلم ما يجب فعله بالضبط، لكي أخرج من هذه الأزمة، لقد تغيرت حياتي كلها، العمل النوم الأكل كل شيء في حياتي تغير، وعادة أقرر أن أبقى وحيدا، ثم أرى الأزواج مع بعضهم أشعر بالغيرة وأفكر في إنجاب الأبناء، كانت هذه الفترة هي الأسوء في حياتي، وهي.. الله أعلم.. لست أدري إن كانت بخير أم لا، تزوجت أم لا ، هل تذكرني أم أنها نستني، كل هذه الأسئلة طرحتها خلال تلك الفترة، وهذا بعد ثلاث سنوات من الفراق، وهنا بالذات حدثت المعجزة الكبرى. المعجزة بعد كل هذه المعاناة حدثت المعجزة التي لم أكن أنتظرها، عندما دخلت إلى البيت متأخرا كالعادة، وجدت أمي تنتظرني بشغف، وكانت على عينيها علامات الفرح أو ما يوحي بخبر سعيد، فأخبرتني بأن رسالة قد وصلت وسلّمتني إياها، عندها قرأت اسم المرسل فكاد أن يغمى علي، حيث وجدت اسمها على ظهر الرسالة فلم أصدق وفتحتها لأتأكد من الأمر، فأول كلمات قرأتها كانت ...بسم الله أرفع القلم وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والرسل، هنا لم أصدق لأنها لم تكن تتكلم بهذه الطريقة، واحترت عندما قرأت البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت "زهوانية"، ومهما حاولت معها لم أفلح، فقررت أن أرجعها إلى الطريق، لكن الفراق كان أسرع مني، المهم هنا ألقيت نظرة إلى أسفل الرسالة، لأتأكد من الاسم فوجدته اسمها الكامل مما زاد من حيرتي، ولك أخي فيصل نسخة كاملة عن الرسالة. الرسالة: هذا ملخص عن الرسالة: ليس لدي أي خبر عنك، ولست أعلم ما حل بك بعد فراقنا، ولست أدري حتى إن كنت حيا أم ميتا، أتمنى أن تجدك رسالتي بخير، وإن كنت متزوجا فأحرقها دون أن تقرأها وإذا علمت زوجتك بالأمر فاعلمها باني أرسلتها لك فقط لكي أخبرك من تكون، أنت أفضل رجل عرفته في حياتي، ولم أعطك حق قدرك، وكنت أهتم فقط بالجانب المادي، وهذا لأنه في نفس الوقت الذي تقدمت أنت لتخطبني، تقدم شخص آخر لم أكن أعرفه، لكنه أغوى أهلي بالمال وأصبح يرسل لي الهدايا والمال والذهب تقريبا كل يوم، وأنت لم تكن تعلم بذلك، وهذا ما جعلني أقارن بينك وبينه فوجدتك بعيدا جدا، وحتى أهلي أعماهم المال وفضلوا الآخر، ولهذا كانوا يبالغون في طلب الشروط، وهم من أقنعوني باختياره وتركك. الزواج تزوجت معه مباشرة بعد فراقنا، ومنذ أول ليلة قضيتها رفقته بدأت أكتشف أمورا لا يمكنني البوح بها، وكل ما يمكنني قوله أنه كان متعجرفا يعبد المال، ووضعني في البيت كقطعة ديكور أو أثاث ولا يهتم إلا بالمال والأعمال، وكأنه عبد لنفسه أو متخذ منه إلاه هواه، كان لا يدخل إلا في الليل وفي النهار يعمل وعندما يدخل يدخل مخمورا، فيسمعني ما لا يرضيني، ثم ينام ليستيقظ في النهار ويتوجه إلى العمل، ولك أن تتخيل هذه المعيشة، وعندما يكون لديه متسع من الوقت، يجبرني على الخروج معه من أجل تناول العشاء مع أصدقائه وصديقاته، الذين يشبهونه ولا يتكلمون إلا على المال، وأصبح ينتبه لكل تصرفاتي أمامهم ويسجلها في ذاكرته، من طريقة مشيي وطريقة أكلي وكلامي ولباسي وكل شيء، وعندما نرجع إلى البيت يوجه لي جملة من الإنتقادات، ويعيبني ويستحي بي، مما جعلني أتذكر كل كلمة كنت تقولها لي، عندما كنت تخبرني بأن الأغنياء ليسوا بالضرورة سعداء، وبأنهم يعيشون بعيدين عن بعضهم وقاطعين أرحامهم، ولا أحد منهم يسأل عن الآخر، فوجدت كل كلمة قلتها لي تحولت إلى تجربة عشتها، ولم أجد أمامي إلا خاتمك الذي احتفظت به وأخفيته لكي أكلمه من حين لآخر، وأسترجع معه ذكرياتنا السعيدة. المقارنة وأصبحت أتذكر عندما كنّا نخرج سويا ونمشي سيرا على الأقدام، نكلم الصغير والكبير، الغني والفقير، ونحب كل الناس، ونزور أهلي وأهلك، أين هي تلك الأيام ... المهم ..أصبح ذلك الخبيث يمنعني من زيارة أهلي ولا يزور حتى أهله، وكل همه رجال المال والأعمال، ولا يتحرك إلا لفائدته المادية، بقيت على ذلك الحال وصبرت وتحملت عواقب قراري الذي اتخذته بنفسي، وبأني أنا من اخترت هذا الطريق، وكنت أخشى أن أعيش فقيرة. الندم اكتشفت في الأخير أن العيب ليس في الجيب وإنما في القلب، وأنت بالرغم من أن جيبك كان فارغا، لكن قلبك كان مليئا بالحب والإيمان والرجولة، وأتذكر حينما كنت تحثني على الصلاة وقراءة القرآن وفعل الخيرات، أما هو فصار يمنعني من ذلك، ومنعني حتى من ارتداء الحجاب، وصرت أصلي خفية عنه وكأننا في أول أيام الرسالة، ووصل به الأمر إلى أن ضربني، وعندما توجهت إلى أهله لكي أخبرهم بذلك، لم يعطني الحق واتهموني بأني أفسدت حياة ابنهم ، وأعابوا علي وعلى أهلي، وما فتئوا يذكرونني من أين أثوا بي، وكأنهم التقطوني من الشارع، صبرت وتحملت كل ذلك لوحدي، ولم أشأ أن أخبر أهلي لكي لا أقلقهم وأن لا أحيرهم بشأني، ولم أجد أمامي سوى الله سبحانه وتعالى أتضرع له في الصلاة، لكي ينقذني من ذلك الكابوس. القطرة الأخيرة تحملت وتحملت؛ وذات مرة بينما أنا في البيت كالعادة، دخل مخمورا وضربني بطريقة لا يضرب بها الرجل رجلا، حتى أغمي علي ولم أستفق إلا على أضواء المستشفى والأطباء أمامي، وكانت عائلتي كلها حاضرة هناك، أردت معرفة ما حدث لي وما يحدث في تلك اللحظة، ثم وجدت الإجابة عندما حاولت تحريك قدميّ فلم أقدر، ففهمت بأني أصبت بشلل على مستوى القدمين ، وكان هو هناك ولم يكلمني حتى وإنما انشغل مع الطبيب، وكان يريد معرفة ماذا سأقول، وعندما سألني الطبيب عن الحادث فهمت بأنه أخبرهم أن حادثا قد وقع لي، فلم أشأ أن أكذبه وصدقت قوله خوفا من ردة فعل أهلي، وعندما تأكد له بأني صرت مقعدة خرج من المستشفى ولم يزرني منذ ذلك الحين، وتوجهت بعدها إلى بيت أهلي على كرسي متحرك، فأرسل لي وثائق طلب الطلاق فرضيت بذلك، وحمدت الله على أنه استجاب دعائي وأنقذني من ذلك الشرير، وأنا الآن الحمد لله على أحسن حال، بالرغم من إعاقتي فإني أحمد الله ليل نهار، وقررت أن أراسلك لأخبرك بما حدث، ليس لكي تعود إلي أو أن تشفق على حالتي، وإنما لتعرف بأنك كنت على حق في كل كلمة قلتها، وبأنك رجل ولن أنساك مادمت حية، وحتى بعد مماتي سأشهد لك عند الله عز وجل بأنك كنت سببا في توبتي وعودتي إلى رشدي، وإن شاء الله كل صلاة أصليها وكل ركعة أركعها وكل خير أعمله ستأجر عليه إن شاء الله، وأعتذر عن العذاب والألم الذان سببتهما لك، أختك صبرين ب.... الحيرة بعد تلقي ياسين هذه الرسالة، التي اعتبرها معجزة نزلت من السماء، احتار فيما يجب عليه فعله، ليتخذ في الأخير قرارا لا يمكننا نشره، لكون الصفحة لا تكفي وسنعرفه في العدد الموالي إن شاء الله، رفقة جميع القصائد منذ البداية حتى النهاية، ابقوا أوفياء. فوائد للشدائد: - أعلم أن ما أصابك لن يزيله عنك، إلا من كتبه عليك...لذا ليكن الدعاء هو أول الطرق التي تسلكها ..وهو أنجح الطرق التي تطلبها ...وأسرعها وصولاً ...وأصوبها سبيلاً... ولك أن تدعو الله في أوقات الإجابة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متفرقة، نذكر منها....الثلث الأخير من الليل ...ساعة يوم الجمعة وقيل هي آخر ساعة بعد العصر....وفي السجود فأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد...عند النزول المطر....في حال السفر...دعوة المظلوم....دعوة الوالدين.....دعوة الصائم حتى يفطر، ما بين الأذان والإقامة وغيرها الكثير. - قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. فمن أخذ بهذه الأحاديث أسقاه الله اليقين وألبسه الله الرضا وأقنعه الله بالقضاء....فكن محتسباً لله بالأجر ومتمسكاً بالصبر. - عقولنا عبارة عن مخازن كبيرة ....يجب أن نفرغها من الهموم كل فترة زمنية...ويجب أن نجلس مع أنفسنا جلسة مصارحة ومكاشفة و نحسم الكثير من الأمور المعلقة....وهذا الحسم يجب أن يكون مبني على الدراسة... ومدعوم بالاستخارة... ومختوم بالرضا بالنتائج مهما كان مظهرها أو مخبرها.... فمن تكفل الله له بالخير فلن يضله - الإبتعاد عن المسببات هي من الأشياء المهمّة التي يجب أن نتنبه لها ...والبعد عن المسببات، يستلزم أن تبتعد عن المحيط المؤثر، وذلك بالإبتعاد جسمياً وفكرياً عن ذلك الأمر المسبب...فإذا كان الأمر المسبب في مكان ونستطيع البعد عنه لو لفترة قصيرة، فذلك من الأشياء المحمودة...وأما البعد الذهني فيجب أن يوافق نفساً ذات همّة ...تحاول أن تبتعد كلما زارها زائر ...فتلهوا بغيره ...من سلوى الحياة ...من الدعاء والصلاة والأذكار أو الإنشغال بالأمور الدنيوية المحمودة مثل الهوايات والمسليات المفيدة والبرامج الهادفة. - داووا مرضاكم بالصدقة ...وهل هناك أشد مرضاً من نزول المصائب والهم والمشاكل ونكد العيش أو وقوع الأكدار...لنمد أيدينا لضعيف ..ولنواسي محتاج...ولنساعد منكوب ...فقد يدعوا لنا بدعوة تكون هي الفكاك. إعلان : ترقبوا في عدد الغد إن شاء الله نهاية قصة الخاتم، وستجدون القصائد الخاصة بالقصة كلها، وفي العدد الذي بعده بإذن الله ستجدون مكملة قصيدة الأسباب في جزء العلامات الكبرى والنهاية، وسنشرع بعدها في نشر القصيدة المحمدية من تأليف فيصل كرشوش، والتي تلخص قبسات سنية من السيرة النبوية الشريفة، ابقوا أوفياء...