بلغت خلال المواسم الماضية قيمة تحويل بعض اللاعبين حدودا خيالية وتعدت منح إمضاء بعض اللاعبين عتبة المليار، وشغل انتقال بعض ''النجوم'' إن صح التعبير، الرأي العام الرياضي بسبب المبالغ المالية الكبيرة التي تحصلوا عليها وليس بالنظر إلى فنياتهم وإمكانياتهم على أرضية الميدان. واقع من حسن حظ البعض ومن سوء حظ آخرين أنه لن يستمر لأن سوق انتقالات اللاعبين المحليين هذا الصيف مرشحة لبلوغ أدنى مستوياتها بفعل عوامل عديدة، لن تترك معها مجالا للأرقام الكبيرة التي عادة ما يخصصها رؤساء الأندية لانتداب أحسن اللاعبين أو أقلهم سوءا إن صح التعبير، بعد أن فقدت البطولة الوطنية حلاوتها وهجرت الجماهير الملاعب حتى مباريات الداربي المحلية، صارت تجرى أمام ''كمشة'' من الفضوليين لا غير، وأصبح الشغل الشاغل للجميع أخبار المنتخب الوطني وجديد محترفينا في البطولات الأوروبية فضلا عن تقصي يوميات المنتخبات المنافسة ل''الخضر'' في كأس العالم، ولعل ما يزيد من شدة الضربة التي تلقاها المحليون هو عدم اقتناع الناخب الوطني بإمكانات منتخب بن شيخة المكون من أفضل لاعبي البطولة الوطنية، واستبعاده لعدد من العناصر التي تنشط في البطولة المحلية من قائمة المسافرين الى جنوب إفريقيا على غرار بابوش، رحو وأوسرير وامتعاضه من مستوى عناصر المنتخب الوطني للمحليين التي لم يستطع المدرب الوطني تدوين أي اسم منها خلال معاينته للمقابلة الأخيرة ضد ليبيا، ما جعله يغير الوجهة نحو الدوريات الأوروبية ولو إلى الأقسام الثانية في بطولات فرنسا وألمانيا من أجل معاينة بعض الفرديات الجزائرية التي بإمكانها تقمص الزي الوطني خاصة بعد قانون ''الباهاماس'' الذي صودق عليه مؤخرا بتأثير واقتراح من رورواة ومكن الجزائر من الاستفادة من خدمات مغني، يبدة وعبدون في انتظار لاعبين آخرين. عجز البطولة الوطنية عن تقديم عناصر مميزة ولاعبين يستطيعون التواجد ضمن كتيبة سعدان ولو للمكوث على مقاعد البدلاء له ما يفسره في ظل طغيان سياسة ''البريكولاج'' التي تميز تسيير الأندية الوطنية التي يقودها غالبية من ''البزناسة'' لا يفقهون أبجديات كرة القدم على حد تعبير الروماني الذي سبق أن درب النخبة الوطنية ''بيغوليا''، ينتهجون سياسة جلب الأسماء لتحقيق الأهداف الآنية دون الاهتمام بالتكوين القاعدي الذي يعتبر أساس الاستثمار في صناعة كرة القدم مثلما تفعل فرق ناجحة عالميا مثل أرسنال الإنجليزي، ما أنتج بطولة ضعيفة تحتكم الى الكواليس في تحديد المتوج باللقب والنازل الى القسم الادنى، ولاعبون محترفون في فترة الإمضاءات يجيدون فقط عد مبالغ الصفقات صار بعضهم بسبب المضاربة واللهث وراءهم إلى مرتزقة يغيّرون مواقفهم بسبب 10 ملايين إضافية. اللاعب الجزائري صالح محليا ''وفاسد'' خارجيا تراجع أسهم اللاعب المحلي له أيضا ما يفسره خاصة بعد أن عجزت البطولة الجزائرية عن تصدير أي لاعب إلى أوروبا في العشرية الماضية على خلاف ما كان يحدث سابقا، فماعدا الأخوين زرابي وبزاز الذين شكلوا الاستثناء واستطاعوا أن يحجزوا مكانا ولو في أندية مغمورة، فشل عدد آخر في خوض تجربة احترافية والظفر بعقد مهم على غرار ما حدث لمترف مع ديجون وحاج عيسى مع نادي شختار الأوكراني، الأمر الذي أدى أيضا إلى عزوف المناجرة عن معاينة اللاعبين المحليين الذين أصبحوا لا يستهوون السماسرة والباحثين عن اصطياد العصافير النادرة، وإذ حدث وأن قدم أحدهم للجزائر فحتما الأمر من أجل لاعب إفريقي من الذين ينشطون في الأندية الجزائرية مثل انتقال ''الشيخ دابو'' من شبيبة القبائل إلى فريق لوهافر الفرنسي ومامادو ديالو من فريق سوسطارة إلى نادي نانت والكامروني جيل بينيا الذي تحول من ''الحمراوة'' إلى نادي بنفيكا البرتغالي، وما عدا ذلك لم تبق للاعب الجزائري أي قيمة فنية أو مادية. رؤوساء الأندية أكبر المستفيدين قد يكون خبرا سعيدا عندما تنزل أسعار اللاعبين في سوق التحويلات الى أدنى مستوياتها هذا الصيف، بالنسبة إلى رؤساء أوصل تنافسهم لاعبين لا يجيدون مراقبة الكرة بطريقة سليمة إلى الثراء الفاحش، قد يكون ذلك بمثابة إنزال هؤلاء اللاعبين منازلهم الحقيقة، كما قد يكون في صالح العناصر الشابة التي تلعب وتتألق في فرق عديدة بفضل القانون الذي فرضته ''الفاف'' من خلال إجبارية مشاركة لاعبين من فئة أقل من 20 سنة، وهو ما سمح بظهور الكثير من المواهب على الساحة، لكنه بالمقابل قد يكون أسوأ خبر يسمعه اللاعبون الذين تعودوا كل صيف على تلقي مبالغ طائلة، حيث ستختل حساباتهم، شأنهم شأن بعض المناجيرة وتجار المناسبات الذين يعملون على الحصول على الربح بأي طريقة كانت من خلال رفع أسعار اللاعبين وتغيير وجهاتهم وكأنهم كباش تباع وتشترى، وقد يكون عزوف الأنصار عن متابعة البطولة وسقوط أسعار اللاعبين الحر في السوق، دافعا للجهات الوصية من أجل إعادة النظر في كثير من الأمور، لترتيب البيت وإعادة الأمور إلى نصابها، لأن السيل بلغ الزبى والمنتخب الوطني المكون من محترفين تكونوا في أوروبا ما هو إلا شجرة تغطي غابة من المشاكل التي تغرق فيها كرة القدم الجزائرية.