دخل مدرب اسبانيا فيسنتي دل بوسكي نهائيات مونديال جنوب افريقيا 2010 وهو يحمل على كتفيه عبئا بأنه يشرف على المنتخب الأفضل في العرس الكروي والمرشح الأوفر حظا للظفر باللقب، فارتقى الى مستوى المسؤولية التي ألقيت على عاتقه بعد خلافة لويس اراغونيس الذي قاد "لا فوريا روخا" الى لقبه الأول منذ 1964 بعدما توج بطلا لكأس اوروبا 2008 على حساب نظيره الألماني (1-صفر)، وأصبح على بعد 90 دقيقة من ان يصبح الرجل "الخالد" في أذهان شعب بأكمله. نجح رهان الاتحاد الاسباني على ابن سلمنقة المولود عام 1950، وها هو "لا فوريا روخا" على عتبة ان يرفع الكأس العالمية المرموقة للمرة الاولى في تاريخه والعقبة الأخيرة التي تقف في وجهه متمثلة بالمنتخب الهولندي الباحث عن المجد الذي كان قريبا منه في مناسبتين قبل ان يسقط في المتر الاخير. تسلم دل بوسكي مهامه في المنتخب بعد كأس اوروبا مباشرة ونجح في قيادته لمواصلة عروضه الرائعة ومسلسل نتائجه المميزة، ولم يلق أبطال اوروبا طعم الهزيمة بقيادته سوى مرتين فقط، الاولى على يد الولاياتالمتحدة في نصف نهائي كأس القارات العام الماضي (صفر-2) عندما وضع منتخب "بلاد العم السام" حينها حدا لمسلسل انتصارات بطل اوروبا عند 15 على التوالي (رقم قياسي جديد) والحق به هزيمته الاولى منذ سقوطه أمام رومانيا صفر-1 في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2006، فحرمه من تحطيم الرقم القياسي من حيث عدد المباريات المتتالية دون هزيمة، ليبقى شريكا للمنتخب البرازيلي في هذا الرقم (35 مباراة دون هزيمة)، علما بان الاخير سجله بين عامي 1993 و1996. أما الثانية فكانت في مستهل المشوار المونديالي على يد سويسرا التي سجلت مفاجأة مدوية بإسقاطها المنتخب الاسباني الذي استعاد توازنه بعدها وواصل زحفه حتى بلغ نصف النهائي للمرة الاولى منذ 1950، متلخصا في طريقه من البرتغال والبارغواي قبل ان يجدد الموعد مع المانيا في نصف النهائي فتغلب عليها مجددا وبالنتيجة ذاتها التي فاز بها في نهائي كأس اوروبا. ودخل دل بوسكي ومنتخبه نهائيات جنوب افريقيا وفي جعبتهما 11 انتصارا متتاليا و24 من أصل المباريات ال25 الأخيرة، ما جعلهم المنتخب الأوفر حظا للفوز باللقب العالمي للمرة الاولى وهو ما زاد الضغط على لاعب وسط ريال مدريد وكاستيلون سابقا، إلا انه كان على قدر المسؤولية رغم البداية المتعثرة وأصبح على موعد مع التاريخ. اثبت دل بوسكي انه يجيد التعامل مع الضغوط خصوصا انه اشرف على أشهر وانجح فريق في العالم وهو ريال مدريد من 1999 حتى 2003، فائزا معه بلقب الدوري عامي 2001 و2003 ودوري أبطال اوروبا عامي 2000 و2002 قبل ان يقال من منصبه عام 2003 من قبل رئيس النادي فلورنتينو بيريز. يعد دل بوسكي شخصية فريدة من نوعها، وبينما اشتهر معظم إفراد أسرته في العمل في مجال السكك الحديدية، اختار شخصيا ان يخوض مغامرة مهنية مختلفة عن باقي أقربائه، مفضلا الاستجابة لرغباته الكروية ومواصلة مسيرته في عالم الساحرة المستديرة. ولم تخب طموحات دل بوسكي في مشواره العملي الذي ارتبط في مجمله بعملاق العاصمة ريال مدريد، حيث حقق نجاحات كبيرة على امتداد سنواته الطويلة في ملاعب كرة القدم فتوج بلقب الدوري المحلي كلاعب 5 مرات وبالكأس المحلية أربع مرات، قبل ان ينجح كمدرب بقيادة النادي الملكي الى لقب الدوري مرتين ودوري أبطال اوروبا مرتين وكأس السوبر الأوروبية مرة واحدة والكأس القارية مرة واحدة أيضا. طرق الاتحاد الاسباني باب دل بوسكي بعد كأس اوروبا 2008 ليخلف اراغونيس، فلبى ابن سلمنقة النداء الوطني ونجح في قيادة بلاده الى نهائيات جنوب افريقيا بطريقة رائعة لان "لا فوريا روخا" حصد النقاط الكاملة في مجموعته الأوروبية الخامسة، متفوقا بفارق 8 نقاط عن البوسنة الثانية. أعرب دل بوسكي عن أمله في ان يواصل مشواره بهذه الطريقة خلال النهائيات، و وهو حذر لاعبيه من الوقوع في فخ المفاجآت خلال العرس الكروي العالمي الذي يقام للمرة الاولى في القارة السمراء: "ان السؤال الذي يتكرر بشكل شبه دائم يتعلق بوضع منتخبه كأفضل مرشح للظفر باللقب. حسنا، في ما نؤكد دائما عدم اتفاقنا مع هذا الطرح، فإننا في الوقت ذاته لا ننكر انه من المنطقي ان تصب أغلب الترشيحات في مصلحتنا بحكم تربعنا على العرش الأوروبي وتحقيق الفوز في عدد من المباريات المتتالية". وواصل "إننا نعرف في قرارة أنفسنا أننا سنواجه خصوما من العيار الثقيل، إذ لا توجد منتخبات صغيرة وضعيفة في كأس العالم. علينا أن نركز بشكل كامل من اجل تجنب الوقوع في فخ المفاجآت أمام سويسرا او تشيلي او هندوراس"، وهي المنتخبات التي واجهها أبطال اوروبا في الدور الأول. وأردف دل بوسكي الذي اشرف على بشكتاش التركي موسم 2004-2005، "ان الجميع في اسبانيا يتشوق لرؤيتنا نعتلي منصة التتويج في كأس العالم. لكن من يعتقد ان عدم الفوز باللقب العالمي يعتبر فشلا ذريعا فهو مخطىء تماما. ان مثل هذه الطروحات تعتبر تفكيرا متطرفا نوعا ما". من المؤكد ان دل بوسكي لم يخيب ظن الشعب الاسباني بأكمله بل انه خلق جوا توحيديا في البلاد لدرجة ان مقاطعة كاتالونيا التي تطالب باستقالتها رفعت العلم الاسباني الى جانب الكاتالوني في خطوة نادرة بعد وصول المنتخب الى النهائي. ولم يدخل دل بوسكي، المدرب الخمسين في تاريخ المنتخب الاسباني، الكثير من التعديلات على طريقة لعب المنتخب والأسلوب الذي طبقه سلفه اراغونيس رغم الاختلاف الجذري بين المدربين على الصعيدين الشخصي والإداري. وخلافا لاراغونيس الذي عرف عنه طابعه الحاد ومواقفه المثيرة للجدل في بعض الأحيان، ادخل دل بوسكي الهدوء والتحفظ والصبر الى منصب المدرب، إضافة الى التواضع. ويعتبر دل بوسكي نموذجا للمدربين الهادئين الذين بإمكانهم المحافظة على رباطة جأشهم في الأوقات الحرجة ويتمتع أيضا بطبيعته المسالمة وبمقارباته المدروسة بالإضافة الى قدرته على التعامل مع فرق تعج بالنجوم الكبار وهو ما سهل استلامه السلس لرئاسة الإدارة الفنية المنتخب دون إهمال واقع انه يعمل دائما للمحافظة على وحدة وأداء لاعبيه الموهوبين. والتزم دل بوسكي بالحكمة التي تقول بأنه "لا يجب العبث بتركيبة رابحة" واتخذها كمبدأ له منذ ان استلم مهامه مع المنتخب وكان التغيير الوحيد الذي أجراه خلال مشواره مع المنتخب حتى الآن هو تطعيمه ببعض المواهب الشابة من اجل المحافظة على الاستمرارية في النتائج والتنافس والنشاط على الأمد الطويل. "لن يعمينا النجاح"، هذا ما قاله دل بوسكي بعد التأهل الى النهائي، مضيفا "لا يوجد هناك أصعب او أغلي من الفوز بكأس العالم. لكن علينا ان نلعب المباراة النهائية، لا يمكننا ان نتباهى او ان نصاب بالغرور. أنا أدير مجموعة من الشبان يملكون خبرة كبيرة، يعلمون ما هي كرة القدم. الخسارة أمام سويسرا كانت صعبة جدا علينا. لكننا نؤمن بقدراتنا وشخصيتنا. نحن ننمو واعتقد ان هذا ما أتى بالنهائي إلينا". من المؤكد ان دل بوسكي يملك الأسلحة اللازمة لكي يحقق آمال الشعب الاسباني بالصعود الى منصة التتويج الأحد لان "لا فوريا روخا" يتميز بلعبه الجماعي الرائع والقدرات الفنية المذهلة للاعبيه، وهو يتحدث عن هذه المسألة قائلا: "ان كرة القدم رياضة جماعية بامتياز، لكنك تحتاج للفرديات أحيانا من اجل صنع الفارق واختراق الدفاعات. نحن نملك مهارات فردية متميزة في كل خطوطنا، بدءا بالحارس ومرورا بالوسط وانتهاء بالهجوم، إذ تضم صفوفنا لاعبين مهاريين بارزين". سواء نجح الإسبان في رفع الكأس من عدمه، فان دل بوسكي سيبقى دائما في الأذهان بأنه المدرب الذي نجح في فك عقدة بلد بأكمله في العرس الكروي العالمي ونجح في قيادة "لا فوريا" روخا الى ابعد ما نجح فيه اي من المدربين ال49 الذين تناوبوا على رأس الهرم الفني للمنتخب الوطني.