قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" الذنوب لها أثر كبير في حدوث الأضرار والشرور والعقوبات السماوية، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، وقد قال تعالى في سورة الشورى (سورة رقم: 42)؛ آية رقم:30؛ "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير"، وتشمل أيضا ما يصيب البدن كالأمراض والعاهات والحوادث السيئة والموت والفتن وتسليط الأعداء، ويدخل تحت المصيبة أيضا، العقوبات السماوية، كالقحط والجدب وغور المياه ويبس الأشجار وقلة الثمار أو فسادها. ومن آثار الذنوب أيضا قسوة القلوب، وعدم تأثرها بالمواعظ والآيات والأدلة والتخويف والتحذير والإنذار، بحيث تسمع ولا تفقه ولا تقبل، وتزل عنها الموعظة وهي في غفلة، ولشناعة الذنوب جاءت حكمة الله تعالى بتشديد عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، بالقتل للمرتد والزاني المحصن، وقطع اليد للسارق وقاطع الطريق، والجلد لأهل المسكرات وغيرها تفاديا للآثار السيئة التي يعمّ ضررها المجتمعات. والمعصية إذا أعلنت تعدت عقوبتها فاعلها لقوله تعالى في سورة الأنفال (سورة رقم: 8)؛ آية رقم:25؛ "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً"، أي أنها تعم العاصي وغيره، وكذا في الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"، وعدد ابن القيم عقوبات الذنوب في كتابه الجواب الكافي بنحو خمسين عقوبة. وقد أصاب الأمة الإسلامية من الوهن والضعف ما أصابها إلا من كثرة الذنوب والمعاصي، وضعف الإيمان، والتمسّك بالدين، واقتناع غالب المسلمين بحظهم من هذا الدينهم في شرف انتمائهم إلى الإسلام دون العمل بتعاليمه، بعدما كثر الدعاة إلى الفساد والمنكرات والمعاصي بالقول والفعل، من أناس ثقلت عليهم الطاعات، ومالت نفوسهم إلى الشهوات المحرّمة؛ كالزنا وشرب الخمر وسماع الأغاني ونحو ذلك. ولعل من أعظم مصادر الفساد في عصرنا أن زين هؤلاء للمرأة التبرّج والسفور، وجعلوا ذلك من حقها، ودعوا إلى إعطائها الحرية والتصرف في نفسها، برضاها ولو غضب أبوها أو زوجها، فلا حد عليها ولا على من عبث بها، وعند الإنهماك في هذه الشهوات، ثقلت عليهم الصلوات، وتخلفوا عن الجمع والجماعات، ومنعوا الواجبات وتعاطوا المسكرات والمخدرات، مما كان سببا لضعف الإيمان في قلوبهم. وأسباب ضعف الأمة الإسلامية أيضا كثرة الفتن والمغريات، بعدما انتشرت أسباب الإنحراف؛ بالسهرات والإعراض عن ذكر الله وعبادته، فانتشرت بذلك صور النساء العاريات أو شبه العراة، والتي تعد من أعظم الفتن في هذه الدنيا على الإطلاق، إذ قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، كما أن انشغال الناس بجمع الحطام الفاني والسعي وراء جمع المال وتنمية التجارات والمكاسب، كان سببا لنسيان الحق وتقديم الشهوات وكل ما تتمناه النفس. ولا شك أن الأمة متى ضعف فيها جانب الإيمان والعمل الصالح، وفسدت فطرها، وانهمكت في الملاهي والشهوات وأعرضت عن الآخرة، فإنها تضعف حسّيا، ويقوى الأعداء من كل جانب، ويسيطرون على ما يليهم من بلاد المسلمين، ولا يكون مع المسلمين قوة حسية ولا معنوية تقاوم قوة الأمم الكافرة، وذلك ما حصل في كثير من البلاد الإسلامية التي تسلّط عليهم الأعداء يسومونهم سوء العذاب، وتسلّط عليهم ولاة السوء فأذلوهم وقهروهم حتى يرجعوا عن دينهم. مقالة للشيخ ابن جبرين